المادة 206 مكرر من مشروع قانون المالية لسنة 2025.. تغليب مصلحة الدولة وإغفال مصلحة المهنيين (العدول)
هوية بريس – ذ.محمد أبو الوافي – عدل باستئنافية الرباط
على إثر المقتضى الضريبي الذي جاءت به المادة 206 مكرر من مشروع قانون المالية لسنة 2025 بشأن تطبيق غرامات مالية على العدول حالة الوقوع في أخطاء أثناء عملية التسجيل الإلكتروني للعقود والشهادات العدلية ، يمكن تسجيل ما يلي:
أولا – إذا كان الهدف من المادة 206 مكرر من قانون مالية 2025 هو حماية المال العمومي من أي تلاعب قد يطال المعطيات المقدمة خلال عملية تسجيل العقود والمعاملات بشكل إلكتروني ، إلا أن هذا المعطى رغم وجاهته من زاوية معينة يظل معطى سلبيا يؤثر بشكل كبير في بنية هذا النص التشريعي الجبائي ويسقط المشرع في المحظور حيث يستنتج منه أن هذا الأخير يغلب مصلحة الدولة ويغفل مصلحة المهني (العدل) والذي هو في نهاية الأمر من سيتحمل التبعات الثقيلة للمادة الجبائية المومإ إليها في حال مرورها ولزمن تشريعي لا يعرف مداه.
ثانيا – الجميع يخطئ وهذا أمر جد طبيعي، ولكن من غير الحكمة أن نعاقب في كل الأخطاء التي تقع ، وإنما أوبا أن يكون لدينا معايير نعود إليها في حالة وقوع الخطأ نتحكم بها لتصنيف الخطأ الذي وقع ، وثانيا أن نقوم بوضع منهجية لإدارة الأخطاء في مستوياتها الثلاثة وهي: قبل أن يقع الخطأ، اكتشاف الخطأ، وأخيرا تدبير الخطأ، الشيء الذي لم يراع من قبل المشرع وهو يحتكم إلى منطق العقوبات في محاسبة المهنيين على أخطائهم خلال تسجيل العقود والشهادات بطريقة إلكترونية ، وإن كنا نرفض هذا المنطق من أساسه.
ثالثا – إن تطبيق هذه الغرامات ينم عن عدم اكثرات المشرع بالمسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه المهنيين (العدول) الذين يعانون في صمت تحت وطأة الضغوط المهنية والاقتصادية الصعبة التي لم تعد تخفى على أحد .
رابعا – إن تطبيق هذه الغرامات على العدول من شأنه إثقال كاهل هذه الفئة المهنية بدفعها إلى أداء مبالغ مالية على أخطاء يمكن تدبيرها بعيدا عن منطق العقوبات.
خامسا – إن تدبير الأخطاء لا يجب أن يكون على حساب العدول لاسيما إذا كانت هذه الأخطاء طفيفة وغير مقصودة وبالمقدور معالجتها بعيدا عن الحلول الزجرية ، إذ بإمكان الإدارة الضريبية تطوير منصتها الرقمية لتسجيل العقود العدلية لتشمل خاصية معالجة الأخطاء بتمكين العدول في زمن معقول من إمكانية استقبال التنبيه على الخطأ والعمل في نفس الوقت على الاستدراك والتصويب والتصحيح.
سادسا – إن عدول المملكة المغربية ما فتئوا ينخرطون وبكل جدية ووعي في جميع الأوراش الكبرى للدولة ومنها ورش الرقمنة ؛ إذ يقومون وباقتدار منذ أن أنشأت الإدارة الضريبية منصتها الخاصة بالتسجيل بمباشرة تسجيل العقود والشهادات العدلية بطريقة إلكترونية.
بدون أي مقابل ، وهم بذلك يساهمون في ضخ أموال باهضة في صناديق الدولة ، إذ بدلا من تثمين الدور الاقتصادي الذي يلعبه العدول في تنمية الموارد البشرية للدولة يعمد المشرع المغربي من خلال المادة 206 مكرر من مشروع القانون المالي لسنة 2025 إلى ملاحقتهم بالغرامات والجزاءات وتهديد مصالحهم المادية والاقتصادية.
سابعا– إن ما بات يروج الآن من أن المادة 206 مكرر من م ق م لسنة 2025 قد طالها تعديل بخفض الغرامات المطبقة على العدول في حالة الخطأ في التسجيل من عشرة آلاف درهم إلى ألف درهم لهو أمر مرفوض لأن عمق النقاش هو ليس حول مبلغ الغرامة وإنما حول المبدإ من أساسه فالعدول قولا واحدا يرفضون إطلاقا المنطق الزجري في تدبير الأخطاء الواردة عنهم أثناء التسجيل الإلكتروني للعقود.
وأخيرا نقول أن العدول لم يعد بإمكانهم تحمل أي هفوة تشريعية ناتجة عن عدم التمحيص والنظر بدقة في النصوص التشريعية ووجه تطبيقها بحقهم ، ومن تم فإن لسان حال جميع عدول المملكة هو النداء لكافة مراكز القرار التشريعي بالعمل على الإلغاء الفوري للشبح المرعب المتمثل في المادة 206 مكرر من مشروع مالية 2025.