المختصر المفيد في رد شبهة “اللاقرآنيين” الجدد
هوية بريس – د.إدريس أوهنا
السنّة النبوية المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، وهي «راجعة في معناها إلى الكتاب فهي تفصيل لمجمله وبيان لمشكله وبسط لمختصره»[الموافقات ج1/ ص4].
قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
قال ابن تيمية رحمه الله (ت: 728هـ): «وقد اتفق الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة الدين أنّ السُّنّة تفسِّر القرآن وتبيّنه وتدلّ عليه وتعبِّر عن مجمله»[ مجموع الفتاوى ج17/ ص432].
والسنّة وحيٌ من الله تعالى إلى نبيّه صلى الله عليه وسلم، لا يكتمل الدين إلا بها، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3- 4]، والنصوص القرآنية الآمرة بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباع سنته، صريحة وكثيرة؛ ولذلك فإنّ الاقتصار على القرآن دون السنّة خروج من الدِّين، وإنكار السنة كفر بالإجماع.
قال الشاطبي (ت: 790): «إنّ الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خَلاق لهم، خارِجِين عن السُّنّة، إِذْ عَوَّلُوا على ما بنيتُ عليه من أن الكتاب فيه بيان كلّ شيء، فاطَّرحوا أحكام السنّة، فأدَّاهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله»[الموافقات ج4/ ص325].
لولا السنة لما عرفنا كيف نصلي، ولا كيف نصوم، ولا كيف نزكي، ولا كيف نحج ونعتمر، فتلك الأركان التي يقوم عليها الإسلام إنما فصلت وفسرت في السنة النبوية، فكيف يستقيم القول بالاكتفاء بالقرآن والاستغناء عن السنة؟!
وما جاء في القرآن الكريم من آيات دالة على شموليته، كقوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}، محمول على كلياته ومبادئه العامة التي ترجع إليها كل الجزئيات الواقعة والمتوقعة. ولا يعني ذلك أن القرآن الكريم تضمن كل تفاصيل الشريعة؛ فنصوصه متناهية، ولا يمكن أن تكون غير متناهية، أما الوقائع فغير متناهية؛ ولذلك لا سبيل لبيان مجملات القرآن إلا بالسنة، ولا سبيل لمعرفة حكم الشرع فيما لا نص فيه من القرآن والسنة من الوقائع والنوازل التي لا حصر لها إلا بالاجتهاد المنضبط بأصول وكليات القرآن والسنة.
والسنة النبوية عرفت من العناية في حفظها وتدوينها من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى العهود التي جاءت بعده، مما يعرفه المتخصصون، ما يدفع عنها كل تشكيك أو شبهة، فصحيحها معلوم، وحسنها موسوم، وضعيفها موصوف، وموضوعها مكشوف. وكل طعن فيها فهو طعن في القرآن، وهدم للإسلام.
والقائلون بالاكتفاء بالقرآن والاستغناء به عن السنة، أحق بأن يسمون “اللاقرآنيين” لا “القرآنيين”؛ إذ لو كانوا قرآنيين بالفعل لعملوا بما أمرهم به القرآن من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع سنته!!