المخربقون…

هوية بريس – محمد أمين خلال
غرد أحمد عصيد على صفحته قائلا: «هناك عبر ودروس في الحرب الدائرة حاليا لا ينتبه إليها الناس: فإسرائيل استهدفت علماء الفيزياء النووية الإيرانيين، ولم تقصف “علماء” العمائم، بل تركتهم لأنها تعرف أنهم أداة رئيسية للتخدير وصناعة التخلف.»
فنقول: الأمر الذي يتغابى عنه عصيد لأنه يربك خطابه الوعظي ويُحرج رواياته عن الدولة الحداثية المُنبَثَّة عن أسباب الدين= أن إيران دولة دينية تراثية، وأن برنامجها النووي -بما يشمل علماء الذرة وتكوينَهم وتأهيلَهم- يندرج ضمن نظام ولاية الفقيه، والهدف الحقيقي لاستهداف هؤلاء العلماء ليس لاعتبارهم علماء، بل لاعتبارهم جزءا من المشروع الإيراني القومي، الذي هو نظام ديني بالأساس.
وبناء على هذا نصحح أغاليط (وإن شئت: أكاذيب) عصيد:
☆ أولا: ليس صحيحا أن الكيان استهدف علماء الذرة دون علماء الدين، بل استهدف مجموعة واسعة من الشخصيات، بعضهم علماء، وبعضهم قادة دينيون أو سياسيون، وبعضهم يمتزج فيهم الجانبان، وكلهم جزء واحد من المشروع الديني/السياسي لإيران، ومنهم:
– علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، وله ارتباط مباشر بالقيادة الدينية العليا في إيران.
– حسين سلامي، قائد الحرس الثوري، الذي يمثل الذرع العقدي والعسكري للثورة (الإسلامية).
– محمد باقري، رئيس الأركان، الذي يعين -فضلا عن القرار الحكومي- بموافقةٍ وتوجيهٍ من المرشد الأعلى (المعمم).
– غلامعلي راشد، قائد مقر خاتم الأنبياء.
ولا ننسى، أن المرشد الأعلى يقع ضمن الأهداف المعلنة للكيان، بل هو المطلوب الأولى، وهو رجل دين، معمم، تراثي…!
☆ ثانيا: يقول أهل المنطق إن السالبة الجزئية تنقض الموجبة الكلية، ودعاوى عصيد (الكلية):
– 1: أنَّ الذين استهدفهم الكيان مُهِمُّون.
– 2: وأن الذين استبقاهم متخلفون أو يسهمون في صناعة التخدير والتخلف.
إذن: الاستهداف هو المعيار، وبالمعيار نفسه: الكيان استهدف شخصيات دينية متعددة، مثل نصر الله، وهو معمم، ومثل إسماعيل هنية، وأحمد ياسين، والموسوي، والرنتيسي، وغيرهم كثير.
وبالمنطق العصيدي نفسه، فالذين لم يستهدفهم الكيان يسهمون في صناعة التخدير والتخلف، والكيانُ لم يستهدف علماء البيولوجيا، ولا الأطباء، ولا علماء الاجتماع، ولا علماء الاقتصاد، ولا المتخصصين في القانون، ولا علماء الرياضيات، ولا الفلاسفة…
بل نسأل: لو كان عصيد في إيران، هل كان الكيان سيستهدفه مع علماء الذرة؟ أم يستبقيه مع الذين يسهمون في صناعة التخدير والتخلف؟
فهل يلتزم عصيد بالمعيار الذي توهمه، ويضع نصر الله وأحمد ياسين مع علماء الذرة، ويستثني منهم الأطباء وعلماء الفلك والحوسبة، فينقض مذهبه؟ أم يتبرأ من معياره (المغالطي) وينقض تغريدته؟
بالله عليكم، هل هذا هو مستوى الأشخاص الذين يقدمون في بلداننا على أنهم مفكرون ومثقفون ومتنورون؟ بل السؤال لجمهوره: هل يتعاطى من يتابع هؤلاء حبوبا معينة أو مشروبات مسكرة، أم إنهم بكامل قواهم العقلية حينما يضيعون دقيقةً واحدة في الاستماع لهؤلاء؟
بل السؤال لعصيد وأمثاله: هل يتعمدون النزول إلى هذا المستوى من التضليل والتغليط؟ أم إن هذا فعلا مبلغهم من الجهل؟ أم إنه وأصحابُه يشعرون بالإحراج من الواقع والمعرفة والتاريخ= وفي مثالنا: لأن الدولتين، الكيان المحتل، وإيران، كلتاهما دولتان دينيتان خالصتان، وعلماؤهم وأسلحتهم كلها تندرج ضمن مشاريعهم الدينية التراثية، وليس هذا سرا بل أمر يعرفه العوام، ويكفي النَّظَرُ في أسماء أسلحة الدولتين وأدواتها العسكرية، التي تحمل مسميات دينية تعبر عن خلفية المشروعين: مقلاع داوود، نظام باراك/ صواريخ سجيل، ذو الفقار، فتاح، خيبر… إلخ.
ولكن كيف تقدمت هاتان الدولتان في نظام التسلح العسكري والتقنية وأصبحتا تتسابقان نحو السيادة النووية وهما دولتان دينيتان لهما مرجعية نصوصية تراثية تقليدية؟ ألا يجب عليهما نقد البخاري والتخلي عن الكتب الصفراء واستبعاد رجال الدين ومراجعة (تحريف) التراث، والمناداة بنزع الحجاب، وإلغاء التعصيب، لكي يصلوا إلى هذا المستوى؟ ويصبحوا دولة نووية مثل باكستان؟
هذا بيت القصيد وراء التغريدة، وهذه هي الحقيقة التي تقض مضجع عصيد وأمثاله، وتضع مشاريعهم الخبزية (أكل عيش) الشعبوية (الحلقة) العتيقة (مستهلكة) في سلة المهملات.
فهي كما ترى، مغالطات بالجملة، يستطيع أهل المنطق والمعقولات تصنيفها بسهولة ضمن ما يصطلحون عليه بـ: «المغالطات المنطقية»، وإذا بلغ المغالِطُون الغاية في تزييف الحقائق وتضليل العقول والضحك على الجمهور نالوا لقب «المسفسطون»، وإن شئت قلت: المخربقون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الهامش: لا يتضمن المقال رأيا خاصا بخصوص ما يجرى في المنطقة، فهذا له شأن آخر (لست من المتحمسين له اللحظة)، وإنما هو مناسبة فقط، والمناسبة شرطٌ للكشف عن مستوى الخطاب الذي يُصنَّفُ أصحابه ضمن خانة المفكرين والمثقفين الذين يجري تصدرهم أو تصديرهم في المشهد العام في عوالمنا المتخلفة.



