المدرسة العمومية.. ما الذي يجب إصلاحه؟

23 يونيو 2025 19:53

هوية بريس – زوهير النبيه

يبدو أننا ونحن نحاول إصلاح المدرسة العمومية اليوم، ننحرف بشكل ملفت عن ما يجب إصلاحه، ونخطأ مشكلات الواقع المعيش المتسم بالهشاشة الاجتماعية المفرطة وقيم “الانتهازية الجديدة” المتمثلة في البحث عن النتائج بالغش والتدليس وبكل الوسائل الممكنة، ونتيه في تطبيق الحلول البيداغوجية وتغيير المناهج والبرامج. كما هو الحال، على سبيل المثال، في بيداغوجيا التدريس بالمستوى المناسب TARL، الذي طورته مؤسسة PRATHAM الهندية، والذي يهدف إلى تحسين المهارات في القراءة والرياضيات، والذي تبنته عدة دول في آسيا وأفريقيا، ويتم تطبيقه “بأعين مغمضة” في المدرسة العمومية المغربية. والأمثلة عديدة لا حصر لها على هذا “التيه” الإصلاحي الذي لا ينظر إلى المشكلات الحقيقية التي تواجهها المدرسة العمومية، والذي يستنزف كثيرا من الجهد والمال والوقت.

تشهد المدرسة العمومية منذ مدة ليست بالقليلة هجرة التلاميذ الذين ينتمون إلى أسر الطبقة الغنية و”الطبقة المتوسطة”، وأحيانا أسر ذات الدخل المحدود إلى المدارس الخاصة، كل حسب دخله، مما أدى إلى إفراغ شبه تام للمدرسة العمومية من فئة اجتماعية حريصة على تمدرس أبنائها. وتكون المدرسة العمومية بهذه الهجرة قد فقدت فاعلا حاسما لتحسين صورتها ولتجويد التعلمات. ومعلوم أن لهذا النوع من الأسر دورًا أساسيًا في دعم تعليم التلاميذ، إذ يشكّل البيئة الأولى التي يكتسب فيها التلميذ الثقة في نفسه والدافعية للتعلم. فالرعاية العاطفية، والتشجيع المستمر، وتوفير جو من الاستقرار الأسري، كلها عوامل تعزز قدرة التلميذ على التركيز والمثابرة داخل المدرسة. كما أن الأسرة تسهم في غرس القيم الأساسية مثل احترام المعلم، والنظام، والانضباط، مما يساعد التلميذ على التكيّف الإيجابي مع الحياة المدرسية.

كان هذا النوع من الأسر يمثل دعما مهما للمدرسة العمومية من حيث روح انضباط التلاميذ وانخراطهم في عمليات التعليم. الشيء الذي كان يخفف على المدرسة بكل مكوناتها (أساتيذ وإدارة تربوية وأطر اجتماعية..) أعباء أخرى كملاحقة التلاميذ المتسمين بالشغب والعنف والدخول معهم في مواجهات يومية تأكل الجهد والوقت. إن التزام الأسرة وتعاونها كان دعما حقيقيا يفسح للمدرسة المجال أمام التركيز على وظائفها التي أنشأت من أجلها ونخص هنا بالذكر وظيفة التعليم. أما وقد أفرغت المدرسة العمومية من الأسر الحريصة على تعليم أبنائها وامتلأت بفئات اجتماعية مشغولة بتدبير القوت اليومي، نجدها اليوم مصابة بالاحتراق المهني، منهكة من الكم الهائل للمشاكل اليومية التي يجلبها التلاميذ من الأحياء الفقيرة والمهمشة.

دعونا نسأل بعض الأسئلة التي قد تبدو بسيطة: ماذا ينفع تغيير البيداغوجيات وطرائق التدريس والكتب المدرسية إذا كان المتعلم جائعا لم يتناول طعام الفطور وفي بعض الأحيان لم يغسل وجهه لأن الماء غير متوفر لا في المنزل ولا في المدرسة؟ ماذا سينفع كل الإصلاح الممكن إذا كانت الأسرة غير قادرة على معرفة ماذا يصنع الأبناء في المدرسة لأنها مشغولة بتوفير القوت ولأنها لم تتمكن من تعلم القراءة والكتابة؟ ماذا سيغير الإصلاح إذا كانت العلاقة بين الأسرة والمدرسة متوترة ومتنافرة؟ كيف سيحب التلاميذ التعليم وهم يسمعون المجتمع يسخر من المعلم؟ ما هي القيم التي تروج في المجتمع وبين الطبقات المحرومة اليوم وتشجع على التعليم؟ أسئلة كثيرة تطرح اليوم على المدرسة العمومية وعلى الأسرة وعلى المجتمع ينبغي علينا الإجابة عنها لتصحيح مسار الإصلاح.

ونحن نتحدث عن الأسرة “الفقيرة” فإننا لا نحملها مسؤولية ما آلت إليه الأمور، بقدر ما نحاول التنبيه إلى أن الإصلاح، أيّ إصلاح للتعليم في المجتمع المغربي يبدأ من إصلاح أولا قيمي وثانيا اقتصادي للأسرة. وبكلمات أخرى وجب توفير الحياة الكريمة للتلاميذ وأوليائهم، فاليوم تتحدث المجتمعات عن رفاه التلميذ le bien-être de l’élève وكيفية تحقيقه. والرفاه النفسي لا يقتصر فقط على غياب المعاناة أو الصعوبات التي يعاني منها تلميذ المدرسة العمومية، بل يشمل شعور التلميذ بالأمان، والطمأنينة، والاحترام داخل المؤسسة التعليمية. وبعد ذلك ينظر إلى العلاقة التي تجمع أولياء الأمور والمدرسة العمومية.

ولا يتخيل أحد أن النجاحات (الحصول على معدلات عالية) التي تؤثث فضاء المدرسة الخاصة نتيجة لعملها لوحدها، بل هو نتاج تظافر الجهود بين الأولياء وبينها إن لم نقل أن نسبة كبيرة من النجاح يسهم فيها الأولياء…

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
18°
19°
السبت
19°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة