المدرسة المغربية إلى أين؟
هوية بريس – د.يوسف فاوزي
تقاس نهضة الأمم والشعوب بمستوى تعليمها، ومدى جودة مدارسها ومناهجها، لأن التعليم يمثل الحصن الأول في حفظ هوية الأجيال القادمة التي سيستند عليها الوطن للدفاع عن عقيدته ودينه ووحدته، وحمايته من أي لوثة فاسدة تزعزع هذه الهوية واجب لا نقاش فيه.
وعليه كان لزاما على المربين الحرص التام على حفظ المدرسة وصيانتها من هذه المفسدات التي تضيع هوية الأجيال، ولقد قاوم العلماء محاولات المستعمر الفرنسي الرامية إلى السيطرة التامة على المدرسة المغربية، فسارعوا إلى إحياء الكتاتيب القرآنية لتحفيظ أبناء المغاربة القرآن الكريم، ومبادئ العلوم الشرعية، غيرة على دينهم وعقيدتهم، وقاومت العديد من الزوايا والمدارس العتيقة الحرب الفرنسية القذرة الرامية إلى طمس معالم التعليم المغربي الأصيل، غير أن هذه المراكز العلمية لم تعرف إبان الحقبة الاستعمارية سوى التهميش والإقصاء، فلقد تكمنت فرنسا من تأسيس مدارس تابعة لها مستقطبة شريحة واسعة من أبناء المغارية سواء من أبناء الأعيان أو الفقراء الذين تم استغلال فاقتهم للقبول بالدراسة في المدارس الفرنسية.
ولن نحتاج أيها القارئ الكريم إلى شرح فحوى المناهج الدراسية بالمدارس الفرنسية في تلك الحقبة المظلمة من التاريخ المغربي، فالمناهج كانت تكرس عقلية التبعية المطلقة لفرنسا، واعتبارها أمة مخلِّصة للمغرب والمغاربة من عصور الظلام والتخلف، وهي عقلية كفيلة بتعطيل فكرة الجهاد ومقاومة الاستبداد، وصناعة أجيال يتيمة الهوية والأصل، معترفة بـ(ماما فرنسا) لا تعرف حق أمَّتها.
وغداة الاستقلال عرفت المدرسة المغربية مسيرة طويلة فيما سمي بـ(مشروع إصلاح التعليم) الذي أسند في بداية أمره إلى ثُلة متعلمة من المغاربة تكونت من علماء ووطنيين لهم غيرتهم على بلدهم وتعليم أبنائهم، فكانت وزارة التعليم حينها تسمى بوزارة التعليم والتهذيب، وكان للغة العربية والعلوم الشرعية نصيبها المحترم داخل المناهج والمقررات، بل إن حملة كتاب الله من الشباب المغربي بعد الاستقلال كانوا هم الجيل الأول من رجال التربية والتعليم، ولقد شهد التاريخ المغربي المعاصر بكفاءتهم في تخريج الكوادر المغربية في شتى الميادين، ولا ينكر هذا إلا جاهل أو مكابر.
ثم استمر مشروع الإصلاح للمدرسة المغربية بذريعة المواكبة والتطور، وتلبية حاجيات العولمة والعالم الجديد بعد صعود نجم الغرب وسقوط الاتحاد السوفياتي، فتم إبعاد العلماء عن ورش إصلاح التعليم، ودخلته عناصر بعيدة عن الميدان، اعتمدت في رؤيتها للمدرسة المغربية الجديدة على نظريات مستوردة من الرؤية الفرنسية، ولن أكون مبالغا إذا قلت إنها رؤية طبق الأصل للرؤية الفرنسية في التربية والتعليم، والمصيبة أنه تم تنزيلها دون مراعاة للخصوصية المغربية في الدين واللغة والأعراف والعادات الاجتماعية الأصيلة.
كل هذا كان لزمن قريب مستساغا قابلا للتكيف معه وتجاوز إشكالياته واكراهاته، لكن أن تصِل رؤية القائمين على تسيير المدرسة المغربية إلى فتحها أمام المغنيين والممثلين من أصحاب الخلفيات المضادة للهوية الإسلامية للمغاربة، كتبني بعضهم للإلحاد والشذوذ الجنسي، فهذا أمر لا يمكن السكوت عنه والقبول به.
إن المدرسة في كل زمان ومكان مهد التربية على الأخلاق والقيم، التي تجعل الإنسان واعيا بواجباته تجاه نفسه وغيره، حاملا لرسالة الفضيلة التي تعيش بها وعليها كل نفس بشرية، أما أن يدعى أمثال هؤلاء الشواذ إلى محفل الطُهر لتلقين أبناء المسلمين أبجديات الانحراف والانسلاخ عن الفطرة السليمة فهذه جريمة لا تغتفر، ووصمة عار على جبين هؤلاء المسؤولين الذين استهانوا بمسؤوليتهم، وضيَّعوا هذه الأمانة، وليعلموا أنهم مسؤولون عنها أمام ربهم يوم القيامة!!!.
إن الواجب على الوزارة الوصية فتح المدرسة المغربية أمام العلماء والدعاة والقرَّاء والمثقفين والمختصين في محاربة الانحراف الفكري والأخلاقي للمساعدة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
فالواقع واضح لا يحتاج إلى شرح، ما معنى أن تتحول مؤسسات تعليمية إلى نقاط سوداء تستعصي على رجال الأمن؟؟؟ وأن تصير أوكارا لمظاهر الانحراف؟؟؟
وهل دعوة الممثلين والمغنيين هي الحل؟؟
إذا كان هذا الممثل يدافع عن تناول المخدرات وشرب الخمر وممارسة الفاحشة والتمرد على الدين والقيم بدعوى أنها حرية شخصية، ويجسد هذا في الأدوار التي يمثلها في أفلامه ومسلسلاته، وفي لباسه وكلامه، فهل سيكون لهؤلاء التلاميذ ناصحاً أميناً؟؟
إن الواجب اليوم على الدولة والآباء ورجال ونساء التعليم إعادة النظر في تصحيح المسار الذي تسير عليه مدرستنا المغربية، فلا يمكن أبدا التعويل على جيل ممسوخ الفطرة، غارق في مستنقعات الإلحاد والشذوذ، واليوم نرى أكبر دولة شيوعية في العالم -الصين- تنهج سياسة صارمة داخل مدارسها ومؤسساتها العسكرية لصيانة الرجولة من الشذوذ حتى يبقى الجندي رجلا مؤهلا للدفاع عن وطنه.
إن عملية الإصلاح الحقيقية للتعليم المغربي ليست فقط في المناهج الدراسية، بل أيضا في تطهير الإعلام العمومي من المادة الدخيلة على قيم المغاربة، وكذا تطهير الحياة العامة من التطبيع مع كل مظاهر الانحراف الفكري والأخلاقي، وهنا يجب أيضا على وزارة التربية الوطنية أن تشرك معها المؤسسة العلمية بفتح أبواب مدارسها أمام العلماء للمشاركة في توعية النشء وإعداده الإعداد الأمثل كما فعل الرعيل الأول من علماء المغرب.
ثم إن إصلاح المدرسة المغربية لا يعني إغفال وضع الأسرة المغربية، فهي المدرسة الأولى للطفل، فيها يقضي جل وقته، وهي الأساس الذي يبنى عليه كل شيء، فما مصير أبناء الأسر التي تفككت بسبب الطلاق؟؟
فلا يخفى على عموم المغاربة أن نسبة الطلاق في ارتفاع كبير سنة بعد أخرى، مذ إقرار مدونة الأسرة الجديدة، واليوم هناك دعوة لإعادة النظر في بنود هذه المدونة، فيجب على القائمين على هذه العملية مراعاة تفكك الأسرة المغربية، ووضع مدونة مغربية أصيلة مبنية على ديننا وأخلاقنا العريقة، لتبقى الأسرة مدرسة طاهرة ترسل إلى المدرسة طفلا متعلما للأخلاق والقيم، وليس العكس.
الكلام كثير والحديث ذو شجون…والله المستعان..