المدونة.. المرجعية الإسلامية تمثل لهم “عقدة أوديب” التي ما زالت جاثمة على قلوبهم
هوية بريس – متابعات
تفاعل د.محمد عوام مع الخرجات المثيرة لفاطمة التامني، البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، والبلاغ المشترك الصادر عن حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية.
وتحت عنوان “سؤال المرجعية” كتب عضو مركز المقاصد للدراسات والبحوث:
استمعت إلى إحدى المناضلات اليساريات في حوار مع الصحفي حميد مهداوي، كما قرأت البلاغ المشترك بين حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية، والقضايا التي يثيرونها حول إصلاح “جذري وشامل لمدونة الأسرة” على حد قولهم، كلها تنصب حول سؤال وقضية المرجعية الإسلامية، وتتعارض مع قطعيات الشريعة الإسلامية وثوابتها التي تجمع الأمة الإسلامية قاطبة عليها. فليس ما يثيرونه متعلقا بمسألة أو قضية تتباين حولها الآراء، وتختلف بشأنها الأنظار، ويعترك حولها أبناء الزمان، بناء على قواعد وضوابط معرفية ومنهجية، وإنما الخلاف الجوهري يؤول إلى سؤال مرجعي أساسي، وهو ما المدخل الأساسي المرجعي للنظر في إصلاح مدونة الأسرة هل هو الشريعة الإسلامية قرآنا وسنة أم المرجعية الغربية والمواثيق “الدولية” التي نزلها هؤلاء منزلة القرآن في التقديس؟
فالعلمانيون بطبيعة فكرهم ومنهجهم لا يرون في الشريعة إلا المعبر عن الفكر الماضوي الرجعي، الذي لم يعد صالحا لعصرنا، لذلك ما فتأوا يطالبون بمدونة جديدة للأسرة تقطع مع المقاربة المحافظة…” كما عبر البيان بوضوح. والمقصود بالمقاربة المحافظة عندهم قطع صلتها بكل ما هو إسلامي وشرعي، ورد في القرآن والسنة، وإن كانوا لا يعبرون بوضوح دون تلكأ ولا لف ودوران أنهم يقصدون الشريعة الإسلامية، بل إنهم لا يستعملون هذا المصطلح، لأنهم يعلمون أن المجتمع لن يقبل عن الشريعة بأي بديل أو طعن في شريعتهم.
غير أن المطالب التي ترفع، والقضايا الممثل لها بالتغيير والتبديل و”الإصلاح” تدل دلالة قطعية أنها هي التي وردت فيها نصوص قطعية، مثل الإرث، والمساواة المطلقة بين الزوجين، والتعصيب، وتعدد الزوجات، وغيرها.
فإذن الخلاف ليس في أمور اجتهادية، لأن مثل هذه منذ تأسيس أول مدونة للأحوال الشخصية إلى يومنا هذا، وتغشاها آراء اجتهادية، صادرة عن علماء محترمين ومقدرين، طبعا مع استشارة رجال القانون، بما يحقق مصلحة المجتمع، دون التنكر لثوابت الأمة، أو الذوبان في المنظومة الغربية باسم حقوق الإنسان، والزعم الكاذب أن المغرب صادق على المواثيق الدولية دون تحفظ.
فالمقاربة الحقوقية التي يستند إليها هؤلاء، ويرددونها في أورادهم وأذكارهم وترانيمهم، تلغي في حسبانها كل ما هو إسلامي، بل لا تعترف به قطعا، ولا تلقي له بالا، بل هو في خلفيتهم الفكرية “الماركسية اللينينية” رجعية وماضوية وتخلف، فما زال حنينهم العتيق إلى هذه الأفكار التي طاحت وسقطت في عقر دارها.
وسؤال المرجعية يجعلنا نتساءل أليست هذه الأفكار العلمانية المناقضة للمرجعية الإسلامية متعارضة مع ثوابت الدولة المغربية والشعب المغربي؟
أليست مناقضة لإسلامية الدولة وإمارة المؤمنين كما ينص الدستور؟
بلى وهو كذلك، لا ريب فيه.
فالدولة المغربية دولة مسلمة وشعبها شعب مسلم، لا يقبلون البتة بكل ما يمس إسلامهم، أو ينقض ويخالف عقيدتهم وثوابتهم الدينية والوطنية.
وإذا كان هؤلاء يشنفون الآذان بالمساواة كما يحلمون بها، فإنها غير متوفرة داخل أحزابهم ومنظماتهم، بل غير موجودة حتى عند الغرب الذي يسبحون بحمده وله يسجدون، فمجلس اللوردات ببريطانيا لا وجود لامرأة واحدة فيه، والرئاسة الأمريكية ينفرد بها الرجال دون النساء، وغيرهما.
أما تجريمهم لزواج القاصرات، فالذي يتجاهلونه، ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، أن جميع الدول فيها زواج القاصرات، استثناء من القاعدة، مراعاة لمصالح أبنائها وبناتها (أمريكا، وبريطانيا، وإسبانيا، وفرنسا،…).
نعم في الوقت الذي تطالبون فيه بتجريم زواج القاصرات، تشرعون الباب على مصراعيه أمام العلاقات الرضائية، غير الشرعية، وتدرجونها في الحرية الفردية، فلماذا لا تجعلون زواج القاصر، وتعدد الزوجات بالرغم من قلته (0,6%) حرية فردية، وحق للمرأة أن تختار شريك حياتها معددا؟!!
فالقضية عندكم ليست متعلقة بإصلاح المدونة وفق منطق الاجتهاد الشرعي، وانطلاقا من ثوابت الشريعة الإسلامية وقطعياتها، وإنما متعلقة بإزاحة الشريعة الإسلامية “الماضوية والرجعية” من التشريع، لأنها تمثل لديكم عقدة أوديب، التي ما زالت جاثمة على عقولكم وفكركم.
لهذا فالخلاف في إصلاح مدونة الأسرة خلاف مرجعي بين المرجعية الإسلامية الأصيلة والمرجعية الغربية الدخيلة، والاستقواء بالغرب لن يجدي نفعا.
وعلى العلماء وكل مجالسهم أن يتحملوا مسؤولياتهم الدينية والتاريخية ويبرؤوا ذمتهم أمام الله.
وختاما أذكر أبناء وطني العلمانيين بأن لا ينسوا مدونة الأحوال الشخصية اليهودية، فحق المواطنة يقتضي ذلك، فلينظروا في إرثهم وزواجهم ووو وليسقطوا عليها مطالبهم، وسأكون لهم من الشاكرين.