المرأة بين التكريم الرباني والاستغلال الإنساني
هوية بريس – أحمد المتوكل
مقدمة
كثر الكلام والجدال في السنوات الأخيرة من قِبل الهيآت السياسية والثقافية والحقوقية عن حقوق المرأة، وكثُر الضجيج حول إصلاح شؤونها ومساواتها بالرجل في كل شيء، وتحسين أوضاعها وتحريرها، وإذا تأمَّلنا في أهداف وتوجُّهات أغلب هذه الهيآت، نجد أنها تريد تحقيق أهداف وأغراض تتنافى مع حرية المرأة وحقوقها المكفولة لها في الإسلام، ويجهل هؤلاء أن الإسلام اهتم بها اهتمامه بالرجل، فأنصفها ورفع من قدرها وأعلى من شأنها وانتشلها من الظلم الذي مورس عليها، وحررها من الاستبداد والاستعباد، وفي هذا المقال سنقف عند بعض مظاهر التكريم الذي نالته المرأة عند مجيء الإسلام.
الإسلام وتكريمه للإنسان عامة وللمرأة خاصة
إن المتأمل بإنصاف في نصوص الوحيين -القرآن والسنة- التي تكلمت عن المرأة يجد أنها كرَّمتها وشرفتها وأولتها عناية خاصة، وتقديرا واهتماما زائدا رائدا لا مثيل له في القوانين الوضعية والأنظمة الإنسانية، ولنرى بعضا من ذلك في بعض نصوص القرآن والسنة.
يقول الله عز وجل: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء}1، وقال سبحانه:{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم}2، إن الله جعل إنسانية المرأة مساوية لإنسانية الرجل في الأصل والمنشإ، وقرر مساواتها للرجل في العمل والجزاء والمصير، فقال الله عز وجل: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى، بعضكم من بعض، فالذين هاجروا وأُخرِجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقُتِلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله}3، وقال الحق سبحانه: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهمُ أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}4، ولقد ساوى الله عز وجل بين الرجل والمرأة في المسؤوليات العامة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم مبينا ذلك: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها))5، فالإسلام جعل المرأة إنسانا كالرجل لا يُنقَص من إنسانيتها شيئا، فالذكر والأنثى سيان عند الله، فهو رب الجميع، وخالق الجميع ورازق الجميع، ومجازي الجميع بقانون واحد في الثواب والعقاب، يجري على المرأة ما يجرى على الرجل، إلا ما تختص به طبيعتها من مستثنيات خففها الله عنها رحمة ورأفة بها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنما النساء شقائق الرجال))6.
روى الترمذي عن أم عمارة نسيبة بنت كعب الصحابية المجاهدة أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تتحدث باسم جماعة من نساء أهل المدينة وتدافع عن حقوقهن قائلة: يا رسول الله ما أرى كل شيء إلا للرجال فما أرى النساء يذكرن بشيء، فنزل القرءان الكريم يقرر حقوق المرأة ويعلن بمساواتها للرجل، {إن المسلمين والمسلمات والمومنين والمومنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهن والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}7.
إن الإسلام كَرَّمَ المرأة تكريما خاصا حتى فاتت الرجل في بعض الأحيان، كرمها إنسانة وأمّا وأختا وبنتا وزوجا، وجعلها شقيقة الرجل وشريكته وعضوا كامل العضوية في المجتمع، ولقد أعطى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الكيفية التي يجب أن تُعامل بها المرأة، حماية لكرماتها، وصيانة لحقوقها، حتى كان آخر ما قال قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى: ((الصلاة الصلاةَ، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم))8، وقال في حجة الوداع: ((اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، إن لكم عليهن حقا، ولهن عليكم حقا… ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))9، فلقد أكد الرسول عليه الصلاة والسلام في كلمات وجيزات على حقوق النساء حتى لا تُهمل ولا تُهضم وتضيع، وليكون المسلمون في كل عهد على بينة منها.
إن الإسلام بتشريعاته الحكيمة الرحيمة أعلى من شأن المرأة ورفع مقامها ووهبها الحرية التي تضمن لها الشرف والكرامة وتحميها من كل اعتداء أو استغلال أو إذلال، وبالغ في الوصية برعايتها والعطف عليها منذ الولادة إلى أن تودِّع هذه الحياة لأنها إنسانة مكرمة مفضلة، فحث ديننا الحنيف على حسن تربيتها والإحسان إليها منذ الصغر، وجعل ذلك من أسباب دخول الجنة قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه)) 10.
وفي خطبة الوداع كان الرفق بالنساء والوصية بهن من أبرز ما قاله ووصى به صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((ألا فاستوصوا بالنساء خيرا)). وذات مرة جاء رجل إليه عليه الصلاة والسلام فقال يا رسول الله: مَنْ أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم مَنْ؟، قال: أمك، قال ثم من؟، قال: أمك، قال ثم من؟، قال أبوك))11.
ولقد أزاح الإسلام عن المرأة كل أنواع المضايقات التي كانت تحيط بها عبر سنين الجاهلية ورفع عنها الأغلال التي كانت عليها، ومنحها حقوقها كاملة، المدنية منها والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وساوى بينها وبين الرجل في حق التمليك وحق التصرف فيما تملك، وجعل لها حقها في الميراث بعدما كانت في الجاهلية محرومة، حيث كانت تورث كما يورث المتاع، فكانت المرأة إذا مات زوجها، فأهل الرجل أحق بامرأته من أهلها، فكانوا يرثونها كما تورث البهائم والأمتعة إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها وأخذوا مهرها، وإن شاءوا أمسكوها في البيت دون تزويج حتى تفدي نفسها بشيء، وكان من عادات الجاهلية إذا توفي عن المرأة زوجها، جاء ولي زوجها فألقى عليها ثوبا فيمنعها من الناس، ويحوزها كما تحاز الغنيمة، فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت قبيحة حبسها حتى تموت فيرثها، أو تفتدي نفسها بالمال، وكان بعضهم إذا طلق المرأة اشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد، حتى تفتدي نفسها بالمال الذي كان أعطاها، وهذا ما يؤكده واحد ممن شهد مظلومية المرأة في الجاهلية عمر ابن الخطاب حيث يقول: “كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا، وفي رواية: ما نعد للنساء أمرا، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقا”12، فلما جاء الإسلام دين العدل والإنصاف حرَّم أن يمارس عليها هذا الظلم، وأبى أن تورث كما تورث السلع والعقارات، فمنحها حريتها، وخلَّصها من هذا الإجحاف، ووضع النصُّ القرءاني حدا لهذا التصرف الظالم فكان مما نزل:{يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما ءاتيتموهن إلا أن ياتين بفاحشة مبينة، وعاشروهن بالمعروف}13.
النظر إلى حقوق المرأة بمعزل عن حقوق أفراد المجتمع خطأ كبير
إن الإسلام جعل المرأة والرجل من نفس واحدة، فلا ينبغي أن تُصان حقوق الرجل وتُهمل حقوق المرأة، ولا ينبغي أن يُنظر إلى قضيتها بنظرة أحادية الجانب، وبمعزل عن قضية الرجل، فمجتمعاتنا الإسلامية تعاني من كثير من الأزمات على عدة المستويات، وحقوق كثير من أفرادها ضائعة، حقوق الرجل والطفل والمرأة على السواء.
صور من إذلال المرأة في عصور المناداة بحقوقها:
تعاني المرأة اليوم كما يعاني أخوها الرجل من الظلم والحيف، ولقد بدأت معاناتها وضاعت حقوقها، لَما ظهر الاستبداد السياسي، وحين أُهمِل تعليمها وتربيتها، وحينما جهلت حقوقها وواجباتها، وازدادت معاناتها لمَّا حكم العلمانيون، فأهينت وضُربت، واغتُصبت وانتهكت حرمتها، وضاع شرفها وأُنْسيَت دينها وهو أعظم ما ضُّيِّعت فيه.
إن الذين يدَّعون الدفاع عن حقوقها اليوم من جهال الدين يريدون سلخها من دينها وإبعادها عن طريق الله وإعادتها إلى الأخلاق الجاهلية، يريدون الظفر بها واستباحة كرامتها والتمتع والتلهي بها، يريدها بغاة الشهوات بائعة لجسدها، خادمة لأسيادها جالبة للزبناء تسقيهم مشروبات وخمورا في المقاهي والبارات، وترقص لهم في المراقص الليلية والحفلات، وتغني لهم وتسليهم في الفنادق ودور الدعارة، ويريدها أرباب المال مستخدمة في المعامل والمزارع والمصانع، مضيفة في الفنادق وعلى متن الطائرات جالبة للزبناء محققة للأرباح تعمل بأجور ضئيلة لساعات طويلة بهيئات جذابة جميلة، فتُؤذى وتهان، وتعمل أكثر مما في طاقتها لتعود إلى بيتها منهوكة القوى هاملة لواجبات البيت من حقوق الزوج والأبناء والأسرة والأهل، حتى إذا عجزت عن العمل أو عيَتْ أو طالبت بما ضاع من حقوقها شُرِّدت وفُصِلت من عملها ورُمي بها في الشارع بلا شفة ولا رحمة.
إننا نسمع اليوم في عصر حقوق الإنسان الكثير من معاناتها، وتألمها وشكواها، نراها تُغتَصب وتُضرَب وتستغل وتبكي ولا مجيب ولا مغيث من البشر.
ما فقدت المرأة حقوقها إلا عندما حكم خصوم الإسلام، وما أهينت إلا عندما تنفَّذَ أدعياء حقوق الإنسان، وما حصل لها من انتهاكات للحقوق التي خولها الإسلام لها إلا بسبب طغيان الرجل وبُعدِه عن أخلاق الدين حيث أصبحت تصرفاته بعيدة عن ضوابط الشرع، فتدهورت أوضاعها وساءت أحوالها، مما نتج عنه تفكك الكثير من الأسر، فهل سينصفها هؤلاء أكثر مما أنصفها الإسلام؟، وهل يسعون إلى إسعادها وتكريمها حقا؟، أم يسعون في إشقائها وتعاستها؟، وهل يمكن لهم أن يشرِّعوا لها حقوقا أكثر مما أعطاها الحكيم الخبير؟.
إن هؤلاء في الحقيقة إنما يسعون إلى سلخها من دينها، وإبعادها عن أسباب عزها ويَوَدُّون تحريرها من الحشمة والحياء والوقار، ويريدون الزج بها في مواقع الرذيلة والمنكر والعار، ويدافعون عن حريتها لتزني وتصاحب من تشاء وعن حقها لتُجهض حملها ولتتزوج بدون وليّ، وتتمرد على الزوج وفي شقاء لها وإضرار بها في العاجلة والآجل.
ألا فليكن لنا يقين أن المرأة لن تكرَّم إلا في ظل الإسلام وتعاليمه السمحة، ولن تتحرر ولن تسعد إلا به وفي ظلاله، فهو القانون الإلهي العادل الذي لو طبقه الحكماء الرحماء العادلون لرُفع عنها كل حيف ولأسعدها ولردَّ لها الاعتبار والتكريم المفقود، ولسعدت الإنسانية جمعاء.
الهوامش:
1- الآية الأولى من سورة النساء
2- سورة الحجرات الآية: 13
3- سورة آل عمران الآية: 195
4- سورة النحل الآية:97
5- رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر
6- حديث صحيح رواه أبو داود عن عائشة
7- سورة الأحزاب الآية:35
8- رواه أبو داود عن علي بن أبي طالب
9- رواه مسلم في كتاب الحج وأبو داود
10- رواه مسلم عن أنس بن مالك
11-11رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة
12- رواه البخاري في كتاب اللباس
13- سورة النساء الآية:19