المسؤول والثقة في المؤسسات

20 أبريل 2025 20:24

هوية بريس – عبد الواحد رزاقي

السياسة في عرف العامة وما نشاهده واقعا في الغالب نفاق وخيانة الأمانة وتدليس وغش ونهب للمال العام واستغلال للنفوذ وغير ذلك من سيء الخصال وقبيح السلوك. وهي كذلك إذا كانت مجردة من خشية الله وتأنيب الضمير ومحاسبة النفس واليقين بأن المرء محاسب على أفعاله أمام بارئه يوم العرض عليه.

السياسة لغة واصطلاحا:

ساس يسوس سس مصدر سياسة

ساس الدواب : اهتم بتربيتها وترويضها والاعتناء بها

ساس أمور الناس بالحق: تدبرها ، تولى تدبيرها وتصريفها. 1

عرّف ابن خلدون السياسة الشرعية بأنها ” حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة ، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع  في حراسة الدين وسياسة الدنيا به ” انتهى من “مقدمة ابن خلدون” 2

ومن تعريفات المتقدمين تعريف ابن عقيل، فقد عرفها بقوله : “السياسة ما كان من الأفعال، بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم  ولا نزل به  وحي”.  3

وهذا التعريف من أقدم وأشهر وأوفى ما عرف به هذا المصطلح. وهو يفيد أن السياسة الشرعية غير مقتصرة على ما نطق به الشرع  فحسب، بل تشمل أيضا ما لم يرد فيه نص.
ومن تعريفات المعاصرين تعريف الشيخ عبد الوهاب خلاف فقد عرفها بأنها: “تدبير الشؤون العامة للدولة الإسلامية، بما يكفل تحقيق المصالح ودفع المضار، مما لا يتعدى حدود الشريعة وأصولها الكلية وإن لم يتفق وأقوال الأئمة المجتهدين” .  وهذا التعريف من أجود التعريفات المحددة لمصطلح السياسة الشرعية.4

من خلال هذه التعريفات يتبين أن ممارسة السياسة فعل نبيل يروم تحقيق المصلحة العامة والمنافع الفضلى للأمة ويتم درء المفاسد من خلالها.

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير ممارس للسياسة في تاريخ البشرية عندما أسس الدولة الإسلامية في المدينة فأصدر الوثيقة لتنظيم العلاقات بين سكان المدينة تبين الحقوق والواجبات. فكانت بمثابة الدستور الذي ينظم الحياة، كما بعث السفراء لحكام زمانه يبلغهم رسالة الإسلام فانتشر العدل وعم نور الدين سائر الأرجاء.

وليس هدفي من وراء المقال استقصاء تجارب المسلمين في ممارستهم السياسية، ولكن الغرض هو النظر في الممارسة السياسية في واقعنا المعاصر وتصحيح بعض الاختلالات التي تشوب العمل السياسي وتكون انعكاساتها سلبية وخيمة، تفضي إلى العزوف عن تعاطي الشأن العام وتعمل على فقدان الثقة في المؤسسات.

-حين يتم الجمع بين المال والسلطة يتم تخريب قطاع المال بغياب المنافسة الشريفة والتوجه لسياسة إغناء الغني وإفقار الفقير، وتسود الأنانية ويقتل الحس الاجتماعي ويتم تخريب السلطة بسن القوانين على المقاس والتشريع الذي يخدم رجال الأعمال الحاكمين.

-قد يصرح المسؤول الحزبي عمرو بأن التحالف مع مسؤول آخر زميل له خط أحمر ولا يمكن أن يلتقيا على أية أرضية مشتركة ، وخاصة لما يكون النظام الانتخابي عصيا عن إفراز أغلبية مريحة تمكن الفاعل السياسي من تدبير تحالفاته.

هذا مع العلم أن المجال الإنساني ليس فيه حتميات أو معادلات حسابية صارمة،

مما يحيل على المفهوم الذي أعطي للسياسة وهو فن الممكن.

-أو حينما يصرح أحدهم أنه لا يقبل أن يكون فلان رئيسا يتحكم فيه ويخضع لتعليماته ويقول في ذمته المالية ما لم يقله مالك في الخمر، وفي آخر المطاف تجده مرؤوسه ووزيرا في حكومته متحالفا بل ومتعانقا بالأحضان معه أمام وسائل الإعلام !!.

-حينما يصرح المسؤول أن المسؤولية مربوطة ومشروطة بالمحاسبة، وتجد مجموعة من البرامج والمخططات رصدت لها ميزانيات ضخمة وتكون حصيلتها هزيلة أو لم تحقق الأهداف المرجوة منها، ثم لا يفتح تحقيق لمعرفة مكامن الخلل والتقصير لترتيب الجزاءات.

-عندما يطلق المسؤول تصريحات وردية تعد الناخبين بالنعيم وتحقيق الرفاهية وتأمين الحياة الكريمة، ثم يحيل حياتهم جحيما غلاء في الأسعار وصعوبة في الحصول على أغراضهم الإدارية ومستحقاتهم الاجتماعية لحظة وصوله إلى سدة الحكم.

-عندما يكون المسؤول الحزبي في المعارضة تجده في صف الشعب دفاعا عن مطالبه وحقوقه منكرا على الحكومة توجهها الليبرالي المتوحش. لكن عندما تأتي به رياح الانتخابات إلى موقع التدبير الحكومي تجده منصاعا لإملاءات المؤسسات المالية الدولية تلميذا نجيبا لتوجهاتها في التقليل من الإنفاق العمومي والنقص في نسبة المديونية.

-عندما يعمد المسؤول إلى اعتماد الولاء والقرابة عوض الكفاءة والاستحقاق في تولي المناصب والمسؤوليات ويقدم الدروس في النزاهة والتجرد.

لما تجد الفاعل الحزبي يقدم مرشحين ضالعين بالاتجار في المخدرات وتبييض الأموال وشراء الذمم نوابا للأمة ويتم إقصاء الشرفاء المشهود لهم بالاستقامة.

عندما تعمل بعض الأطراف في السلطة على وضع قوانين على المقاس بما يؤدي إلى إقصاء أو تقليل حظوظ جهة ما غير مرضي عنها عبر وسائل ناعمة لتدبير الانتخابات أو يتم وضع العصا في عجلة المسؤول الحزبي النزيه الذي يحافظ على المال العام ولا يستجيب لجهات فاسدة تبغي الاستفادة من الريع وتعتبر الميزانيات بقرات حلوب يجب استغلالها لاكتناز الثروة وإغداق الأرصدة البنكية بمال الشعب ، وفي المقابل تعمل على تقريب المسؤول الضعيف الذي ينقاد لمخططاتها ويكون رهن إشارتها …

هذه أمثلة فقط لبؤس الممارسة السياسية في بلدان يقال عنها أنها تمر بعملية الانتقال الديمقراطي فما مدة هذا الانتقال؟ ومتى نجد أنفسنا في الضفة الديمقراطية بجميع شروطها ومستلزماتها؟

إحالات:

1– معجم المعاني

2–  مقدمة ابن خلدون.

3– كتاب ابن القيم، (الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية) صفحة 17 طبعة 1977 القاهرة.

4– موقع إسلام ويب.

 

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
18°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة