المستشفى العمومي في المغرب

هوية بريس – د.زهير لهنا
لا يقصده سوى الفقراء وضعيفي الحال. فكل من يملك تغطية صحية، أو قليلًا من المعارف والأصدقاء أو يصادف بعض المحسنين، يتوجه مباشرة إلى المصحات أو في الآونة الأخيرة، إلى المستشفيات الخاصة.
منذ عامين، أحاول التنسيق مع دكتور شاب في مستشفى إقليمي لترتيب عمليات جراحية نوعية للنساء المريضات والمستضعفات في الإقليم. أغلبهن من القرى، ويعانين في صمت من هبوط الرحم المصحوب بالسلس البولي وآلام أسفل البطن والظهر. وأخريات يعانين من الأورام الليفية التي تسبب لهن النزيف وفقر الدم، ومنها فقدان القوة للقيام بأبسط أعمال حياتهن اليومية.
عامان ونحن نسعى لتنظيم أسبوع جراحي. لماذا؟
لأن طبيب النساء يشتغل وحده في القسم، بدل ثلاثة أطباء كانوا فيه قبل سنوات قليلة، ولا يوجد إلا طبيب واحد للتخدير والإنعاش يلبّي احتياجات جميع الجراحين، ويسهر على قسم الإنعاش أيضًا, فالمستشفى بأكمله يصبح يعمل بعد الظهر والليل و كذلك في نهاية الأسبوع لمستوصف كبير.
يضطر أطباء المستعجلات وهم الوحيدون الذين يعملون 24 ساعة طوال الأسبوع ببرنامج مناوبات لإرسال كل الحالات الحرجة إلى المستشفى الإقليمي الذي يبعد ساعة تقريبًا، وهو الآخر يعاني من خصاص في الأطر والمستلزمات الطبية. وكذلك الحال بالنسبة للقابلات مع الحالات التي تحتاج إلى عمليات قيصرية. وهذا كلّه يسبّب ضياعًا للجهد والوقت والمال، وأحيانًا ضياع الأرواح.
هذه السياسة المعتمدة غير مفهومة إطلاقًا. وإن اجتهدنا في تفسيرها، نقول إنها سياسة تسير بالمغرب نحو خوصصة قطاع الصحة، كما حدث في التعليم، وبتأثير من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ليكن…
ولكن هذه السياسة لا يمكن أن تنجح عندما يكون ثمنها حرمان عدد كبير من المواطنين البسطاء من حقهم في العلاج، وإضعاف المجتمع والأسر، ومنع العاملين في القطاع العام من أداء مهامهم كما تليق بهم وبالمرضى الذين يقصدونهم.
وسط كل هذه الضغوط وظروف العمل القاسية، يفقد عدد كبير من الأطباء والممرضين الشباب شغفهم، وبعضهم يصاب بالاكتئاب.
ولا أريد أن أتحدث عمن يستفيد من هذا الخلل المبرمج ليستغل الناس ومرضهم. فلولا فساد المنظومة لما فسد بعض الأفراد.
من واجبنا أن ننقذ ما يمكن إنقاذه، و ان نوفر للعاملين في قطاع الصحة العمومية وسائل جيدة و محفزة و للمواطنين حقا كاملا في العلاج. كيفما كانت حالتهم المادية و وجودهم الجغرافي…



