هوية بريس – شريف عبد العزيز
حسم الأمر، وانتهى الحزبان الديمقراطي والجمهوري من اختيار المرشح النهائي في خوض السباق الرئاسي في نوفمبر القادم، ولكن المعركة على الولايات المتحدة 2016 تختلف عن كل المعارك الانتخابية السابقة. ففي هذه المرة سيحدث لأول مرة تصويت عكسي، حيث سيبقى الكثير من الجمهوريين الأثرياء في البيت، أو حتى سيصوتون للمرشحة الديمقراطية.
وهذه المرة كثير من الديمقراطيين الفقراء سيصوتون للمرشح الجمهوري. وفي هذه المرة كثير من العقلاء والمثقفين وأبناء الأقليات سيصوتون لكلينتون ليس عن قناعة ، ولكن انطلاقا من شعور غير مسبوق بأن الديمقراطية الأمريكية في خطر. وفي هذه المرة سيصوت البيض بشكل غير مسبوق كما لو أنهم مجموعة أقلية مهددة ومجندة لصالح ترامب.
أمريكا اليوم حائرة مضطربة بين ظواهر متضاربة منها تراجع الحلم الأمريكي بسبب الرأسمالية المتوحشة ، الأمر الذي يغير العدالة الاجتماعية المطلوبة للحفاظ على المجتمع الحر والمتحد والمستقر، والذي يقدر على العمل. ووضع العمال نسبيا أسوأ مما كان عليه في عهد آيزنهاور أو نيكسون ، وأبناء الطبقة الوسطى لا يشعرون بالأمن وأن الغد سيكون أفضل من الأمس وسيكون لأبنائهم أكثر مما كان للآباء. ومنها شعور الأحقية قد أصبح أقوى من شعور الواجب. في هذه المرة: أمريكيتان مختلفتان لا تفهمان بعضهما البعض ولا تستمعان لبعضهما البعض ، ولا يتفقان في شيء إلا في أمر واحد : دعم إسرائيل المطلق ، وعداوة المسلمين الدائمة . وسواءاً ترامب أم كلينتون لا فرق بينهما في ذلك الأمر ترامب الحصان الجامح:
ملياردير مهووس بالأضواء والشهرة والبرامج الترفيهية، صاحب علاقات اقتصادية واسعة، جزء كبير منها مع الدول العربية المسلمة، غير معني بالعمل السياسي حتى شهور قليلة ماضية، وفجأة يدخل العمل السياسي من أصخب أبوابه وبما يناسب طبيعة شخصيته المتقلبة والسينمائية، من باب التصريحات المتطرفة حيال عدد من القضايا معظمها يصب في اتجاه “كراهية المسلمين”، ومغازلة اليهود، فضلاً عن النزعات المتطرفة الصادرة عنه بين الحين والآخر، كان آخرها تصريحاته ضد الأمريكيين من أصول إفريقية. خطابه الصريح إلى حد الوقاحة والفجاجة بدا غير مألوفا على ساسة وصلوا إلى هذا المستوى من الأهمية والحساسية، لكن الواقع هو أن الظاهرة التي يجسدها والواقفين خلفها من القواعد الشعبية للحزب الجمهوري ما هي إلا تعبيرا سوسيولوجيا عن هواجس وتطلعات طبقة واسعة بالفعل من الطبقة الوسطى البيضاء والمحافظة. غير أن أبرز ما في خطابه كان الكراهية الواضحة للعرب والمسلمين.
فقد كشف الملياردير الأمريكي عن كراهيته للعرب والمسلمين مبكرًا في أكثر من تصريح، والبداية تعود لما قاله إبان أحداث 11سبتمبر 2001، حيث زعم مرارًا أن الآلاف من العرب الأمريكيين كانوا يحتفلون في ولاية نيوجيرسي بعدما اصطدمت طائرتان ببرجي التجارة العالمي في هذا اليوم، كما أنه صاحب مقترح مراقبة مساجد المسلمين بالكاميرات، وإعداد قوائم خاصة بالمسلمين المتواجدين بالولايات المتحدة.كما أنه كان صاحب التصريح الأكثر تطرفًا في تاريخ الولايات المتحدة منذ نشأتها، والمتعلق بمنع العرب والمسلمين من دخول أمريكا، وطرد وترحيل المتواجدين بها، وذلك في أعقاب ما تعرضت له الولايات المتحدة من هجمات إرهابية مؤخرًا، فضلاً عما تلفظ به في حق المسلمين ووصفهم بالتطرف والإرهاب والهمجية والفوضى، وبالرغم من موجة الاستنكار التي قوبلت بها هذه التصريحات إلا أنها وجدت لنفسها صدى ورواجًا عند الكثير من المتطرفين.
هذه العقلية المتطرفة والنفسية المهووسة بالعداء ضد العالم الإسلامي جعلت من ترامب خيارا مفضلا عند حكومة نتنياهو، وهو ما تمثل في الدعم المطلق الذي حصل عليه ترامب من “شيلدون أديلسون” والذي يعتبر الحاكم الحقيقي للكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، وهو أحد أغنياء العالم وصاحب أكبر الكازينوهات في الولايات المتحدة الأمريكية، معروف في أمريكا باسم ملك الكازينوهات، وثروته الضخمة سخرها لخدمة إسرائيل، هو الراعي الرسمي لبنيامين نتنياهو ، تولى تقديمه لعالم السياسة في إسرائيل منذ عشرين سنة، وما زال يدعمه ماليا وسياسيا بكل قوة. وشيلدون من المناصرين المتعصبين لإسرائيل بكل قبحها وعنصريتها ووجه الحقيقي، إسرائيل المتسلطة، المتعجرفة، العنيفة، المتمددة، الاستعمارية.
بالجملة ساهمت مواقف ترامب المعادية للمسلمين والعرب، وأفكاره الداعمة لليمين الليكودي المتطرف، في رفع أسهمه لدى الحكومة الإسرائيلية، وهو ما أكد عليه عمدة نيويورك السابق رودي جولياني في تصريحات صحفية له نقلتها صحيفة “معاريف” الإسرائيلية خلال المؤتمر الجمهوري في مدينة كليفلاند الأسبوع الماضي، قال إنه تحدث مع مسئولين بارزين في الحكومة الإسرائيلية وأخبروه أنهم لا يريدون أن تصبح كلينتون رئيسة للولايات المتحدة، ملفتًا أنه قد التقى الربيع الماضي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومسئولين آخرين بحكومته، وتابع: “تحدثت مع مسئولين بالحكومة، أعرف من يريدون وصوله للبيت الأبيض، ليست هيلاري كلينتون”. هيلاري السياسية المحاربة:
على طرف النقيض من ترامب في كل شيء ، هيلاري صاحبة الخبرة السياسية والعسكرية الطويلة التي تؤهلها عن جدارة واستحقاق لأرفع المناصب في أمريكا، وعلى عكس ترامب الذي لديه مواقف متغيّرة وخطط سريّة مزعومة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، كلينتون لديها سجل حافل على أساسه يمكن للمرء أن يقيّم مواقفها المحتملة. باستخدام أي مقياس منطقي، يمكننا وصف كلينتون بأنها من الصقور أو المتشددين. على الرغم من أنها عارضت استخدام القوة التي تعتقد أنها كانت فكرة سيئة، إلّا أنها أيّدت باستمرار بدء حروب جديدة وتوسيع حروب أخرى، ومن يتتبع تاريخ هيلاري السياسي خلال عملها كعضو في الكونجرس ثم وزيرة للخارجية يجدها لا تقل عنصرية وراديكالية عن ترامب مع مزية الخبرة السياسية.
في عام 2002، بصفتها أحد أعضاء مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك، صوّتت هيلاري كلينتون لاستخدام القوة العسكرية في العراق. وفي بيان لها، ادعت أن الهدف من ذلك هو ضمان أن الرئيس بوش كان في وضع أقوى لقيادة بلادنا في الأمم المتحدة أو في الحروب وإظهار أنَّ البلاد كان موحدة. ثم عادت وتنصلت من هذا التصويت ، ثم عادت وأعلنت في المناظرة الرئاسية في يناير عام 2008: أنا أؤمن بالدبلوماسية القسرية. وبغض النظر عن الأسباب أو الأعذار وراء تصويتها، كانت حرب العراق والسياسة الخارجية كارثة جيوسياسية.
وفي عام 2009، دعمت هيلاري كلينتون زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان.عندما طلب الجنرال ستانلي ماكريستال، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، أربعة ألوية من القوات الأمريكية الإضافية في صيف عام 2009، أقرّت كلينتون نشر ثلاثة منهم (ما يعادل تقريبًا 30 ألف جندي).وعادة ما كانت تفضّل إرسال المزيد من القوات على عكس موقف وزير الدفاع روبرت جيتس. وعندما كانت هيلاري وزيرة للخارجية شنت أمريكا 407 غارة جوية عن طريق الطائرات بدون طيار في باكستان، مما أسفر عن مقتل 3089 شخصًا. وعلى الرغم من رفض هيلاري لمثل هذه العمليات سابقا أثناء عضويتها في الكونجرس، إلا أن هذا الرفض اختفى بمجرد تعيينها وزيرة للخارجية الأمريكية.
في عام 2011، كانت هيلاري كلينتون من أشد المؤيدين لتغيير النظام في ليبيا. ولكن ينسى الكثيرون أنَّ المبرر الأساسي الذي طرحته كلينتون للدور العسكري الأمريكي في ليبيا كان لرد دين الحلفاء لما فعلوه في أفغانستان.أي أن التدخل في ليبيا لتغيير النظام كان قرارًا دعمته إدارة أوباما على الرغم من تضليل الشعب الأمريكي في الوقت الذي لم يكن هناك أي هدف.
الأهم من ذلك أن هيلاري كلينتون لها اتصال استثنائي بالجيش من خلال الوظائف المدنية المتعددة التي شغلتها ، مما قد يجعلها على استعداد للعمل كقائد عام أكثر مما كان زوجها في عام 1993، عندما كان يجد صعوبة بالغة في قيادة الجيش. وكسيدة أولى، كانت كلينتون تتعرض بشكل روتيني لمناقشات التدخل العسكري بين كبار المسئولين، بشأن هايتي، والبوسنة، وأفغانستان، كما عملت لمدة ست سنوات في لجنة الخدمات المسلّحة في مجلس الشيوخ وأربع سنوات كوزيرة للخارجية. وبالإضافة إلى ذلك، طوّرت كلينتون علاقات وثيقة مع ضباط الجيش المتقاعدين مثل الجنرال جاك كين، الصقر العسكري الذي نادرًا ما رأي دولة لا يمكن تحسينها من خلال القوات البرية الأمريكية والغارات الجوية . قد تحدثت عن كلينتون مع حفنة من الضباط العسكريين الذين خدموا في إسلام أباد وكابول، وشاركوا بشكل روتيني في المؤتمرات معها كوزيرة للخارجية. وجميعًا وصفوها بأنها كانت المشاركة الأفضل استعدادًا في كل الاجتماعات وكانت تقرأ جميع المذكرات والتقارير التي يتم إرسالها كمادة تحضيرية. وأضافوا أنَّ كلينتون لديها فهم دقيق للعقيدة العسكرية، ومختصرات وزارة الدفاع الأمريكية، ومبادئ التخطيط العسكري ولم تكن خائفة من الضغط على كبار القادة لتوضيح مسارات العمل والهدف النهائي المقصود من أي تدخل عسكري.
أيًا كان مَن سيُنتخب يوم 8 نوفمبر القادم، سيكون رئيسًا يميل إلى الحرب على العالم الإسلامي منذ اليوم الأول، مع السلطة والاستقلالية لتنفيذ البرامج المزعزعة للاستقرار، وهجمات الطائرات بدون طيار، وغارات العمليات الخاصة وتعميق التدخلات العسكرية في أقاليم العالم الإسلامي ، سيجد المسلمون أنفسهم في النهاية بين مطرقة ترامب وسندان كلينتون.