المشكل ليس في البخاري ومسلم إنما في العقل العلماني المتكلس
هوية بريس – رضوان نافع
في هذا المقال ستكون لي وقفات ورد علمي على هرطقات كويتب (آخر ساعة) التي ضمنها ما سماه بيان حقيقة ونشرته هسبريس وغيرها، ولخص فيه مبلغه من العلم فيما يدعيه من نقد للتراث.
أول ما أبدأ به مقدمة (بيان الحقيقة) والتي تظهر مستواه العلمي. ولا يشك عاقل أن القوة العلمية هي أول شرط في من ينصب نفسه ناقدا للتراث الشرعي لأمة بأسرها.
فمن لا يستطيع كتابة آية واحدة من كتاب الله، ولا يستدل بها بشكل صحيح كيف يمكن له أن ينتقد تراثا من آلاف النصوص وصل إلينا بآلاف الأسانيد؟! ومن المعلوم أنه لدراسة إسناد واحد منها يلزم التسلح بعدد من العلوم والمعارف.
استدل هذا الكائن بالآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات 6]، ثم دعا كل من رد عليه وغضب لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى العمل بمضمونها، ولمز أخانا الفاضل الأستاذ نبيل غزال بارك الله في قلمه؛ إذ كان هو أول ناقل لما قاءه هذا الجاهل وأول من رد عليه، ونحن نقول له نعم قد عملنا بمضمون الآية وفقهها الذي لن يصل إليه فهمك العلماني المتطرف، فالله أمرنا بالتبين فيما ينقله الفساق، ومفهوم المخالفة من الآية ألا حاجة للتبين فيما ينقله العدول، وأستاذنا نبيل ثقة عدل؛ وبالمناسبة ندعو جميع من يصله كلام هذا الجاهل أن يعمل بهذه الآية الكريمة، فالرجل ثبت كذبه وتدليسه في كتاباته، مما يوجب على كل من يصله كلامه أن يتبين فيه، فلا يؤتمن في نقل ولا عزو، وهو مع هذا جاهل يخبط خبط عشواء؛ وهذا ما ستراه أيها القارئ جليا في تتمة الرد.
لن أقف كثيرا مع شنشنته وادعائه المظلومية واتهامه لجريدة “هوية بريس” والقائمين عليها بارك الله فيهم؛ لأننا نصرّ على أنه هو المتهم المتعرض لجناب رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه بالشتم والتنقيص في تلك الجريدة التي تشاركه في جريمته، وكذلك في تدويناته على حسابه في الفيسبوك.
وللإشارة فقد سارع هذا الأثيم إلى حذف تدويناته الخبيثة؛ التي تدينه وتقضي على ادعائه المظلومية، وأنه مجرد ناقد، بل خرج علينا في فيديو مسجل له يدعي أنه يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبدى تحفظا ومرونة، ولا يخفى أن كل ذلك مناورة وتقية، وتكلف لكي يبرئ ساحته بعدما رأى ردود الفعل في المجتمع المغربي المسلم، وإلا فكلنا يعلم (طاجين العلمانية وغطاه). وقد ألقى في تسجيله هذا اتهاما خطيرا لهوية بريس بقرصنة حسابه ونشر تدوينات باسمه من أجل إدانته، وهذا اتهام خطير وكذب بل وسفالة علمانية.
كم أنتم جبناء أيها العلمانيون! تبطنون ما لا تستطيعون البوح به، فإذا ظهر شيء على فلتات لسانكم ارتجفتم وسارعتم إلى التخلص منه بكل وسيلة وادعيتم المظلومية.
عموما فصور تلك التدوينات الآثمة لا زالت موجودة، وهناك خبراء يستطيعون كشف ما إذا تمت عن طريق صاحب الحساب أو عن طريق قراصنة.
يقول هذا الجاهل في بيانه على أنه حلقات من سلسلته المثيرة للجدل من الحلقة 12 إلى الحلقة 15، والتي تناولها الاستاذ نبيل في رده الأول:
أولا: إسلام ضد الرسالة وحاملها:
بالطبع وكبداية يمكن القول أن “الإسلام السياسي” لم يتمكن من التحول إلى قوة سياسة فاعلة إلا من خلال تقنية وضع الأحاديث والتي كانت في حد ذاتها أول إساءة للرسول (ص) وللرسالة ككل…فالإساءة الأولى هنا، الواجب تسجيلها هي كون الكذب على الرسول، ومن ثَمَّ الكذب على الرسالة من أجل أهداف سياسية هي في حد ذاتها أكبر إساءة للنبوة وحين نتحدث عن الإساءة فنحن نتكلم ليس فقط عما أسلفنا من “شبهات حول الإسلام” بل نتكلم عن تفاهات قيلت في الأصحة على لسان الرسول ونتكلم عن تسييس تام وخطير للسيرة من أجل خدمة أهداف محددة ولعل تحويل النبي إلى مجرد متهافت على السلطة والشهوات الجنسية وحاكم باسمها ومجرد إنسان يحب اللهووالفجور الذي ينهى عنه الدين كان أخطر الإساءات إطلاقا لروح النبوة وروح الرسالة لأنها استباحت
(بالأحاديث) سلوكات مورست من طرف من ادعوا أنهم يطبقون للسنة (التي وضعها الفقهاء من أجلهم خضوعا بالأساس).“..انتهى
قلت: أول ما نسجله في مقدمته هاته استعماله للمصطلح الذي يلوكه العلمانيون كثيرا وهو “الاسلام السياسي”، ولا يخفى ما وراء هذا المصطلح، فهو له تعلق جوهري بحقيقة العلمانية؛ إذ العلمانية قائمة على نظرية فصل الدين عن الدولة، أو فصل الدين عن السياسة، والإسلام الذي يدين به المسلمون، وبلغه نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم دين كامل؛ كان أساسا لبناء المجتمع، وبناء دولة الاسلام عقيدة وشريعة وسياسة، فما من شيء مما يسمى اليوم سياسة إلا في دين الإسلام تشريعات تضبطه أو تضع إطارا عاما لضبطه؛ مع إبقاء المجال لاجتهاد كل أهل عصر في وضع تفاصيله، وكل ما يجعل الناس على صلاح في أمور دينهم ودنياهم أو يبعدهم عن الفساد فيهما فهو من السياسة الشرعية، وهذا مبناه على قواعد الشريعة في المفاضلة بين المصالح والمفاسد وتحري العدل والقسط.
ومصطلح الإسلام السياسي وإن كان ظهوره مع ثورة أبي العلمانية في الدول الاسلامية كمال أتاتورك إلا أننا نجد أنه اشتهر استعماله في العقود الأخيرة لوجود أحزاب ذات خلفية إسلامية تنافس الاحزاب العلمانية على الحكم لا سيما في زمن استفاقت فيه هذه الشعوب، وفقدت ثقتها في سياسة العلمانيين الفاشلة التي لم تبق للمسلمين دينا، ولم تبن لهم دنيا كما وعدتهم ومنتهم.
عموما فالعلمانيون يقصدون بالإسلام السياسي ما تستند إليه الحركات الاسلامية من مرجعية إسلامية لتطبيق الشريعة في الحكم وتسيير الدولة عموما، أو لنقل يقصدون به في الحقيقة أحكام الشريعة الإسلامية التي يستخدمها مجموعة من “المسلمين الأصوليين”، كما يسمونهم، ممن يؤمنون بأن الإسلام ليس عبارة عن ديانة فقط، وإنما هو عبارة عن نظام سياسي واجتماعي وقانوني واقتصادي يصلح لبناء دولة بمؤسساتها الكاملة.
يقول هذا الكائن بأن هذا الإسلام السياسي لم يقم إلا على وضع الحديث والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤكد كلامه بأن هذا الكذب موجود في كتب السنة الصحاح، وهو سماها (الأصحة) وما أدري من أين له هذا المصطلح الركيك الذي كرره في أكثر من موضع؟! ويقصد أن أصحاب الإسلام السياسي كذبوا على الرسول ليدللوا على صحة منهجهم وأن هذا الكذب موجود في البخاري ومسلم وغيرهما من الكتب التي حوت صحيح حديث رسول صلى الله عليه وسلم.
فنرى هنا أن هذا الدعي يرمي الأحكام جزافا، ويتهم أئمة الإسلام الذين كتبوا السنة بالوضع، وينسف علوم الأمة العظيمة التي بنى عليها العلماء تصفية الحديث، وجعل كل ما يخالف توجهه العلماني مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه من الأعاجيب المضحكات، لقد جعل لنا العلمانية المشؤومة هي الميزان، والمصفاة والغربال الذي ينخل به التراث الاسلامي.
وهذا يجب أن نسطر تحته بخط ثخين؛ فهذا الناقد النحرير لم يستند إلى القواعد العلمية والجدلية في نقد التراث كما يدعي، وإنما بنى نقده على الاتهامات العريضة لأئمة المسلمين وعلمائهم بالكذب واختلاق الحديث، وجعل العلمانية هي الكاشف لهذا الكذب إذ يزعم كما يزعم غيره من العلمانيين أنه ليس في الإسلام ما يتعلق بالسياسة والحكم، وأن ما يستند إليه من يدعي خلاف ذلك إنما هو مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولتستسيغ العقول الساذجة هذه النظرية كان لزاما عليه أن يأتي ببعض ما يظنه كافيا لزعزعة ثقة المسلمين في كتب السنة الصحاح، وعلى رأسها البخاري ومسلم، لأنه إذا أسقط الصحيحين سقط ما دونهما.
فأورد أحاديث وقمش من هنا وهناك ما يظنه أحاديث مشكلة تسيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها ما دامت تسيء إليه فلا يمكن أن تكون إلا مكذوبة عليه صلى الله عليه وسلم، ولو كانت في البخاري ومسلم؛ فإذا سلمنا بهذا فالبخاري ومسلم فيه موضوعات تسقط قداستهما من القلوب، ونقبل معها نظرية وجود أحاديث موضوعة لخدمة الإسلام السياسي؛ بل ويدعي هذا الافاك أن كل ما وصلنا من السيرة النبوية مما له تعلق بالسياسة فهو مكذوب ومسيس، والدليل عليه تصوير النبي صلى الله عليه وسلم بأنه (متهافت على السلطة والشهوات الجنسية وحاكم باسمها ومجرد إنسان يحب اللهو والفجور..) كما يزعم هذا الأثيم، بل وزعم أن ما صدر من بعض الملوك وحكام المسلمين من سلوكات معوجة إنما يستندون فيه إلى هذه السيرة والأحاديث التي وضعها لهم الفقهاء على حد تعبيره.
يظهر جليا من مقدمته هاته أن الرجل والعلمانيين من خلفه يراهنون على إثبات أن هناك أحاديث في الصحيحين وغيرها من كتب السنة المعتمدة تسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك علامة وضعها، وهذا يؤسس لفكرة أن في الصحيحين أحاديث مكذوبة وموضوعة، وهي التي يستند عليها أصحاب الإسلام السياسي، فالأفاك ليس غرضه أصلا تنزيه الرسول عما يسيء إليه كما يزعم في تسجيله الأخير، وإنما غرضه ضرب الإسلام السياسي، وهذا يؤكد أن مقالاته هاته تندرج في خطة عمل الحزب العلماني الذي أسس هذه الجريدة التي يكتب فيها، وهذه المقالات إنما هي إملاءات سياسية تلقاها هذا الجاهل، وحقيقته أنه مجند لإلياس العماري وزمرته.
لكن هيهات هيهات أن تقبل منكم الأمة هذا الطرح النثن، أفتسقطون أصح الكتب التي يعتمدها المسلمون في دينهم، وتسيؤون لنبينا صلى الله عليه وسلم، وتطعنون في أئمة الإسلام، وتتهمونهم بخيانة الله ورسوله وتواطئهم عبر العصور على ذلك، وتسقطون علوما عظيمة اعتمدها العلماء لتصفية السنة وغربلتها من الضعيف والمكذوب، تفعلون كل ذلك لخدمة مآربكم السياسية الحقيرة.
ومآل كلامهم إنكار الشريعة جملة، وهو ما بدؤوا يصرحون ببعضه في مقالاتهم الأخيرة بجرائدهم المتطرفة.
وإن شاء الله سيأتي أهل الخير على بنيانهم من القواعد فينهار، ويخر عليهم سقفه من فوقهم، وذلك بالوقوف مع كل ما يسودونه، وهذا المقال هو سهمي الذي أضرب به مع إخواني ذبا عن دين الله وعن نبي الله صلى الله عليه وسلم وسنته.
سأقف مع ما أورده هذا الكويتب، والذي ليس إلا رأس حربة للعلمانيين يؤزونه أزا في هذه المواجهة، فقد قامت قيامتهم جميعا لما رأوا هذا الزخم الإعلامي، والتحرك الشعبي الذي أثاره طرحهم البئيس، وسقوط هذا المتعنت سقوط لهم جميعا إن شاء الله.
وسأقف مع أدلته المزعومة بتفصيل لنبين كذب ادعائه بوجود الموضوعات في الصحيحين، وسنبين تدليسه وجهله وكذبه الصريح في غير ما موضع بما لا يدع الشك لقارئ أن هذا المخذول والعلمانيين من ورائه إنما ينفخون في رماد، وأن طرحهم الفاشل منتقض البنيان.
هل في إثبات سحره صلى الله عليه وسلم إساءة أو تنقيص؟!
أول دليل استدل به هذا الكائن، مما يزعم أنه موضوع لأنه يسئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هو حديث سحر اليهودي لبيد بن الأعصم للنبي صلى الله عليه وسلم..
فـ”عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى كان ذات يوم دعا، ودعا ثم قال: أشعرتِ أن الله أفتاني أن ما فيه شفائي؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: “لبيد بن الأعصم. قال: فيما ذا؟ قال: في مشط ومشاقة، وجف طلعة ذكر. قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان، فخرج إليها النبي صلى الله عليهم وسلم ثم رجع فقال لعائشة حين رجع: نخلها كأنه رؤوس الشياطين. فقلتُ استخرجته؟ (أي السحر) فقال: لا، أما أنا فقد شافاني الله، وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرا، ثم دُفِنَتْ البِئْرُ”..
ثم علق هذا الكويتب منتفشا:
لاحظوا معي هنا أنه وعلى الرغم من مناعة الرسول (ص) من الشياطين (حسب أحاديث أخرى صحيحة) فهو يتعرض هنا لسحر أوقعه به يهودي ورمي به في بئر… (فكروا في الشعوذة وأنتم تقرؤون هذا الحديث الصحيح)..
قلت: أولا حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح، وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، وتلقاه أهل السنَّة والجماعة بالقبول ولم يروا فيه إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم ولا تعارضا مع القرآن وصحيح السنة النبوية.
وأنقل هاهنا كلاما لبعض الأئمة يوضح بجلاء بأن هذا الحديث ليس فيه منقصة للنبي صلى الله عليه وسلم، والإشكال الذي تصوره فيه بعض الناس لا وزن له في ميزان العلم والشرع.
قال المهلب: “صون النبي صلى الله عليه وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده، ففي الصحيح أن شيطاناً أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه، فكذلك السحر، ما ناله من ضرره لا يدخل نقصا على ما يتعلق بالتبليغ، بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام، أو عجز عن بعض الفعل، أو حدوث تخيل لا يستمر، بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين” اهـ.
وقال ابن القيم رحمه الله: “قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنُّوه نقصاً وعيباً، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سُحِر رسول الله حتى إن كان ليخيَّل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن، وذلك أشد ما يكون من السحر) قال القاضي عياض: والسحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا يُنكر، ولا يَقدح في نبوته.
وأما كونه يخيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله: فليس في هذا ما يُدخل عليه داخلة في شيء من صدقه؛ لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز أن يطرأ عليه في أمر دنياه التي لم يُبعث لسببها، ولا فُضِّل من أجلها، وهو فيها عُرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أنه يخيَّل إليه مِن أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان” انتهى. “زاد المعاد” (4/124).
من خلال هذين النقلين وغيرهما كثير نعلم بأن العلماء لا يرون في هذا الحديث إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ السحر لا تأثير له على تبليغه للرسالة والوحي، وأما ابتلاؤه صلى الله عليه وسلم بمثل هذا ففيه حكم لا تدركها العقول العلمانية المنتكسة.
فإصابته بالسحر من دلائل كونه بشرا يعتريه ما يعتري الناس، وهذا يصد ضعاف العقول والإيمان عن إطرائه صلى الله الله عليه وسلم بما يخرجه عن بشريته، أو يضفي عليه صفات الألوهية كما فعل بإخوانه من الأنبياء عليهم السلام.
ومن الحكم كذلك رفع درجة النبي صلى الله عليه وسلم، ومضاعفة أجره لما يقدره الله عليه من أنواع البلاء.
ومن الحكم كذلك بيان جواز وقوع السحر، وأن له حقيقة لا كما يدعي المنكرون، ومن الحكم أيضا بيان أن ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء ولو كان سحرا؛ وهذا الحديث يبعث الرجاء والأمل في قلب كل مسحور، ويبعد عنه القنوط من شفاء الله له، ويحفزه لطلب الشفاء، ومن الحكم تعليم الأمة أن الرقية تنفع في فك السحر، وقد ذكر العلماء أن سحره من أسباب نزول المعوذتين، وأنه صلى الله عليه وسلم رقى بهما، وهذا من أهم الحكم فقد كانت تعرض للنبي صلى الله عليه وسلم أمور كثيرة مرتبطة ببشريته ليشرع للأمة -بوحي من الله طبعا- ما يلزمها فعله حيال هذه العوارض، وهذا هو مقتضى الشرع والعقل، فالذي يشرع للبشرية لا بد أن يراعي بشريتهم بكل عوارضها الظاهرة والباطنة.
ومن الحكم كذلك ابتلاء الناس بهذا وفتنتهم به، وقد كانت تعرض للنبي صلى الله عليه وسلم أمور كثيرة امتحن بها الناس، فتزعزع من في قلبه زيغ وثبت من رسخ الإيمان بقلبه، ولا زالت هذه العوارض فتنة للناس إلى يوم القيامة فهي وقود للشبه التي تشربها كثير من المفتونين من أمثال هذا الكاتب.
وسأذكر هنا مسألة دقيقة وفائدة فتح الله بها أرجو من العقل العلماني المسكين أن يعيها وهي مسمار ثخين في نعش هذه الشبهة المتهافتة.
يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم) [الحج 52].
يقول البغوي رحمه الله: “أكثر المفسرين قالوا: معنى قوله: (تمنى) أي: تلا وقرأ كتاب الله تعالى. “ألقى الشيطان في أمنيته” أي: في تلاوته، قال الشاعر في عثمان -رضي الله عنه- حين قتل: تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر”.
وأنا أقول لئن جاز أن يلقي الشيطان في شيء من الوحي ما يأذن الله به -وهذا محاولة من الشيطان للتسلط على الانبياء بلا شك- ثم ينسخ الله ما يلقي الشيطان وينفيه عن وحيه ويحكم آياته، فجواز تسلط الشيطان على ما هو دون الوحي من أحوال الأنبياء من باب أولى، ثم ينسخه الله هو الآخر ويدفعه عن أنبيائه وله في كل ذلك حكم بالغة.
فيظهر مما سبق أن سحر النبي صلى الله عليه وسلم ووروده في الصحيحين شبهة باردة، ولا حجة فيها لعلماني ولا لغيره للطعن والقول بأن فيهما موضوعات.
وهذا اول حجر ننقضه في بنيان شبهات هذا المتطرف العلماني.
هل صحت قصة مارية القبطية؟؟
الدليل الثاني الذي أقامه على دعواه المتهافتة هو ما ساقه بسنده دون أن ينسبه إلى قائله وهذا حال أصحاب نسخ ولصق الذين يهرفون بما لا يعرفون قال:
(أخبرنا أبو نصر: عمر بن عبد العزيز بن قتادة، أخبرنا أبو منصور النضروي، الهروي، حدثنا أحمد من نجدة حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، أخبرنا بن عبيدة، عن ابراهيم وجويبر، عن الضحاك: أن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها زارت أباها ذات يوم وكان “يومَها” (أي دورها في النكاح). فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يرها فأرسل إلى أَمَتِهِ مارية القبطية فأصاب منها (أي ضاجعها) في بيت حفصة فجاءت حفصة على تلك الحالة فقالت: يا رسول الله أتفعل هذا في بيتي وفي يومي، قال: “فإنها علي حرام، فلا تخبري بذلك أحدا” فانطلقت حفصة إلى عائشة فأخبرتها بذلك (فبلغ ذلك رسولَ الله) فأنزل الله عز وجل في كتابه “يا أيها النبي لما تحرم ما أحل الله لك” إلى قوله “وصالح المومنين” فأمر أن يكفر عن يمينه ويراجع أَمَتَهُ، وبمعناه ذكره الحسن البصري مرسلا، وأيضا الدارقطني (تحت رقم) 4058″..
قلت: فهذا الحديث الذي ساقه بسنده لم يذكر من رواه موهما القارئ -وغالب من يقرؤون الصحف وخاصة تلك التي تنشر لهذا المدلس لا باع لهم في العلم الشرعي البتة- أن هذا من رواية البخاري أو مسلم، وهذا الحديث بالسند المذكور في سنن البيهيقي كتاب (الخلع والطلاق)، باب (من قال لأمته أنت علي حرام لا يريد عتاقا).
وهذا الحديث لا يصح عند الحفاظ مرفوعا، وأما المرسل الذي ذكره البيهقي عن الحسن فلا يخفى أن المرسل من أصناف الحديث الضعيف لا سيما أنه جاء عن الحسن رحمه الله قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: “مراسيلُ الحسنِ عندهم واهيةٌ، لأنه كان يأخذُ من كلِ أحدٍ” ا.هـ.
فلا يصح هذا الحديث مرفوعا والواقعة ليست سببا لنزول الآيات من صدر سورة التحريم.
قال الخازن: “قال العلماء الصحيح في سبب نزول الآية أنها في قصة العسل لا في قصة مارية المروية في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح”.
قال النسائي: “إسناد حديث عائشة في العسل جيد صحيح غاية” انتهى.
وهو في الصحيحن وغيرهما وقد أعرض عنه هذا الكاتب بقصد أو بغير قصد، ويغلب على الظن جهله به وبموضعه فهو أهل لذلك.
ولكن للأمانة العلمية ننقل هنا كلاما لابن حجر رحمه في التلخيص الحبير: “وبمجموع هذه الطرق يتبين أن للقصة أصلا، أحسب، لا كما زعم القاضي عياض أن هذه القصة لم تأت من طريق صحيح، وغفل -رحمه الله- عن طريق النسائي التي سلفت فكفى بها صحة، والله الموفق.” اهـ.
وما أشار إليه الحافظ من رواية النسائي هو ما رواه عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة، وحفصة حتى حرمها على نفسه، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} إلى آخر الآية. رواه النسائي. قال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد.
لكن نشير هنا إلى أنه حينما يقول العلماء أن للحديث أصلا فهذا يعني أن بعض المعنى في الحديث ثبت في رواية صحيحة، لا أن كل ما بهذا الحديث ثابت، والأصل الصحيح هنا رواية النسائي، ويظهر جليا أن ما ادعاه ذلك الأفاك من الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير موجود بهذه الرواية.
وأنا أخاطب هذا الكويتب: إن كنت تدعو الناس إلى اعتبار هذا الحديث ضعيفا لإساءته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالحمد لله العلماء قد ضعفوه ولم ينتظروا افتئات العقلية العلمانية على علوم الشريعة.
وإن كنت إنما تريد الطعن في البخاري، وهذا غرضك الحقير حتما فهذا الحديث ليس في البخاري ولا في مسلم ولا في كثير من كتب الصحاح، وتدليسك فضحك؛ فخاب سعيك وسلمت الصحاح وأرغم أنفك يا جاهل.
ثم نتنزل فنقول إن صحت الرواية التي استدل بها -مع التدليس في عزوها- فإنه لا إساءة فيها، فغاية ما فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم تسرى بجارية يحل له وطؤها، واعتذاره صلى الله عليه وسلم لزوجه حفصة ليس إلا جريا على سجيته صلى الله عليه وسلم في حسن خلقه، وطيب معشره بأبي هو وأمي، وطلبه عدم إخبار باقي زوجاته مراعاة لغيرتهن لا لكونه وقع في محرم. وجعل هذه الحادثة سببا لنزول الآيات في صدر سورة التحريم يشهد لهذا..
ذكر بعض العلماء منهم الحافظ ابن حجر أنه لا مانع من أن تكون للآيات سببان للنزول: الأول ما أورده البخاري ومسلم من قصة العسل، والثاني قصة مارية رضي الله عنها التي يستدل بها هذا العلماني المدلس، لهذا قلنا إن صح كون القصة سببا لنزول هذه الآيات فإنه ليس فيها أدنى إساءة للجناب الشريف صلى الله عليه وسلم، كما أن فيها حكما وترتب عليها نزول وحي وتشريع من رب العالمين تدين به الأمة إلى يوم القيامة.
فشرع الله عز وجل تحلة اليمين لمن حرم امرأته على نفسه، ولتعلم أيها القارئ أن التحريم الذي نطق به النبي صلى الله عليه، وشهد به القرآن هو تحريم امتناع لا تحريم اعتقاد كما يظن البعض؛ وهو قبيح لا يجوز في حق النبي صلى الله عليه وسلم.
وبين الله في الآيات حكم الإيلاء والطلاق، وبين قدر نبيه وحذر نساءه من مخالفته والمظاهرة عليه، فكان ذلك تربية لهن وتقويما؛ وهذه كلها حكم وثمرات لهذه الحادثة إن قلنا بصحتها؛ لكن العقل العلماني لا يرى إلا محل الشبهة ولا يتطلب إلا ما يشغب به على الشريعة السمحة، ويزعمون أنهم يحسنون صنعا.
ومما لا بد من الإشارة إليه أن هذه الحادثة إن سلمنا بوقوعها، فهي أمر مباح ووقعت مرة واحدة في عشرات السنين من عمر النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يحملها الكائن العلماني كل هذه الحمولة من الإساءة المتوهمة وكأنها وقعت عشرات المرات!!
كذب هذا الكاتب الأثيم على عائشة أم المؤمنين
ونستمر في سرد شبهات هذا الكائن والرد عليها، يقول هذا الكاتب:
“كانت عائشة رضي الله عنها والتي نقلت إليها حفصة الواقعة كما هو ثابت من الحديث أجرأ نساء النبي في مصارحة النبي بالغيرة التي تستولي على قلوب زوجاته إلى درجة أنها ألمحت إلى كون القرآن من “صنعه” وليس وحيا إلهيا من خلال حديث في البخاري تحت رقم: 4788 يقول بالحرف:
3) “حدثنا زكريا بن يحيى، حدثنا أبو أسامة، قال هشام: حدثنا عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها، قال: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقول: أتهب المرأة نفسَها؟ فلما أنزل الله تعالى “ترجئ من تشاءُ منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) قلتُ: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك”.
ثم اردف بحديث زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب طليقة زيد بن حارثة وتكلم عنه بكلام فيه نوع تعريض بالنبي صلى الله عليه وسلم ويؤكد ذلك بما ختم به مقاله البئيس.
يدعي هذا الكويتب أن الحديث الذي في البخاري وغيره الذي يتضمن قول عائشة رضي الله عنها (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) يفيد أن عائشة ترمي النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الوحي، وهذه شبهة نصرانية باردة تلقفها هذا الكاتب، ويخيرنا بين أن نعتقد أن هذا الحديث وهو في الصحيحين مكذوب، وبين أن نقر بمضمونه وما فيه من إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن إثبات لقول كفري صادر عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها..
وكما قلت سابقا هذا الكاتب كذاب ومدلس، ويطلق أحكاما عظيمة جزافا، ويريد منا أن نحكم عقله العلماني في الحكم على الأحاديث، بل وعلى كتب السنة بأسرها.
إن قول عائشة رضي الله عنها ثابت وصحيح، لكن لو سمعه أعجمي خالط العرب لما فهم منه إساءة بله عربي فصيح يعرف أساليب العرب وبلاغتهم.
فقول الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) توصيف لحال النبي صلى الله عليه وسلم، ومنزلته عند ربه حيث أن الوحي نزل بما يحبه ويميل إليه من الخير والمباح، فالله سبحانه وتعالى خص نبيه من بين سائر المؤمنين بأن أي امرأة وهبت نفسها له فله أن ينكحها. فعند نزول الآية المذكورة قالت عائشة: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. ومعناه كما قال ابن حجر: (أي ما أرى الله إلا موجداً لما تريد بلا تأخير، منزلا لما تحب وتختار).
والهوى في كلامها رضي الله عنها على أصله في لغة العرب، وليس فيه أي تنقيص أو إساءة، إذ يطلق ويقصد به ميل القلب المطلق، والنبي لا يميل إلا إلى خير ومباح صلوات ربي وسلامه عليه.
قال ابن رجب -رحمه الله-: «وقد يطلق الهوى بمعنى المحبة والميل مطلقًا، فيدخل فيه الميل إلى الحق وغيره، وربما استعمل بمعنى محبة الحق خاصة والانقياد إليه» (جامع العلوم والحكم).
قلت: بل كلامها هذا رضي الله عنها يقيمه العلماء دليلا على هذا المعنى إذ هي ممن يحتج بكلامه.
ويعرف ابن الجوزي -رحمه الله- الهوى بأنه: “ميل الطبع إلى ما يلائمه، وهذا الميل قد خلق في الإنسان لضرورة بقائه، فإنه لولا ميله إلى المطعم ما أكل وإلى المشرب ما شرب، وإلى المنكح ما نكح وكذلك كل ما يشتهيه، فالهوى مستجلب له ما يفيد، كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذي، فلا يصلح ذم الهوى على الإطلاق”.
خلاصة القول أن كلامها رضي الله عنها ليس فيه أي إساءة أو لمز للرسول صلى الله عليه وسلم كما يدعي الأفاك، وينقل عن أساتذته النصارى.
ومما يؤكد هذا الأمر ويزيل أدنى شك أو احتمال لصحة دعواه قولها في الحديث الذي أورده بعد هذا الحديث، ورقم له بالرقم 4، وفيه قصة زواجه من زينب بنت جحش طليقة زيد بن حارثة. ففي ختامه قالت عائشة رضي الله عنها: (لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه)، تقصد قوله عز وجل: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ).
وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه قال مثل قولها.
فهل من تقول مثل هذا تتهم بعده أنها تلمزه صلى الله عليه وسلم بوضع الوحي؟!
كبرت كلمة تخرج من أفواهكم يا أبواق العلمانية.
وهذا الكويتب ذكر قصة زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب رضي الله عنها، وسباقها من كلامه ولحاقها أيضا في آخر المقال يوحي بأنها تقع محل الشبهة من قلبه، وذاك أن أساتذته النصارى يطعنون في النبي صلى الله عليه وسلم ويلمزونه بأنه وقع في حب زوجة زيد بن حارثة، وأنه كان يخفي ذلك في قلبه، وهذه فرية على النبي صلى الله عليه وسلم؛ يبنون عليها الطعن في الوحي، وسأنقل كلاما شافيا للعلامة الشنقيطي رحمه الله، وقد ذكر القرطبي وغيره كلاما نحوه في تأويل الآيات المتعلقة بالحادثة من سورة الاحزاب.
قال الشيخ الشنقيطي -رحمه الله-: “التحقيق إن شاء اللَّه في هذه المسألة: هو ما ذكرنا أن القرآن دلَّ عليه، وهو أن اللَّه أعلم نبيّه صلى الله عليه وسلم بأن زيداً يطلّق زينب، وأنه يزوّجها إيّاه صلى الله عليه وسلم، وهي في ذلك الوقت تحت زيد، فلما شكاها زيد إليه صلى الله عليه وسلم قال له: “أمسك عليك زوجك واتق اللَّه”، فعاتبه اللَّه على قوله: “أمسك عليك زوجك” بعد علمه أنها ستصير زوجته هو صلى الله عليه وسلم، وخشي مقالة الناس أن يقولوا: لو أظهر ما علم من تزويجه إياها أنه يريد تزويج زوجة ابنه في الوقت الذي هي فيه في عصمة زيد.
والدليل على هذا أمران:
الأول: هو ما قدّمنا من أن اللَّه جلَّ وعلا قال: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ)، وهذا الذي أبداه اللَّه جلَّ وعلا، هو زواجه إياها في قوله: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا)، ولم يبدِ جلَّ وعلا شيئًا ممّا زعموه أنه أحبَّها، ولو كان ذلك هو المراد: لأبداه اللَّه تعالى، كما ترى.
الأمر الثاني: أن اللَّه جلَّ وعلا صرّح بأنه هو الذي زوّجه إياها، وأن الحكمة الإلهية في ذلك التزويج هي قطع تحريم أزواج الأدعياء في قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ)، فقوله تعالى: (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ): تعليل صريح لتزويجه إياها، لما ذكرنا، وكون اللَّه هو الذي زوّجه إياها لهذه الحكمة العظيمة صريح في أن سبب زواجه إياها ليس هو محبّته لها التي كانت سبباً في طلاق زيد لها -كما زعموا-، ويوضحه قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً) الآية؛ لأنه يدلّ على أن زيداً قضى وطره منها، ولم تبقَ له بها حاجة، فطلّقها باختياره، والعلم عند اللَّه تعالى” أضواء البيان (6/582-583).
وهذا النقل كاف وشاف في دحض هذه الشبهة، وأضيف إشارة مهمة وهي: أن بعض المفسرين ممن يحيلون الناس على أسانيدهم فيما ينقلونه من أمثال ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم، قد ذكر عن بعض السلف أنه قال بأن النبي صلى الله عليه قد أخفى حب زينب، وهذه النقول كلها لا تصح عن أحد من السلف، وإنما كان من منهج هؤلاء المفسرين جمع كل ما وصلهم صحيحا كان أو ضعيفا، ويحيلون الناس على الأسانيد، وفي المقابل نجد المحققين من المفسرين أعرضوا بالكلية عن تلك الآثار الواهية.
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: “ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم هاهنا آثاراً عن بعض السلف -رضي الله عنهم- أحببنا أن نضرب عنها صفحاً؛ لعدم صحتها، فلا نوردها”. (تفسير ابن كثير 6/424).
هل كانت خولة بنت خالة للنبي صلى الله عليه وسلم؟!
وأورد هذا الجاهل بعد ذلك حديثا في البخاري له تعلق بما سبق ورقمه بالرقم 5،وهو حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.
لقد أورد هذا الحديث وأردفه بكلام انتفش فيه انتفاشة الطاووس، يزعم من خلاله أنه جاء بشبهة خطيرة تنسف البخاري؛ وفي حقيقة الأمر هذه شبهة واهية لا تعد أن تكون قشة أو هباء نرسل عليه أثير العلم والحجة، فينجلي وينقشع، ويبقى البخاري صقيلا لامعا؛ يقطع بما يحويه من نور السنة لسان كل علماني حاقد.
يقول هذا الجاهل بعدما ذكر حديث البخاري، ونورد كلامه بأخطائه:
“الخطير في الأمر هنا فليس غيرة عائشة على وهب النساء أنفسهن للرسول (ص)، واتهامها له بكون الله يوافق هواه في أسباب نزول الوحي بل فيما رواه “أحمد” في “مسنده” عن طبيعة علاقة “خولة بنت حكيم” بالنبي والتي يدعي الحديث الصحيح في المسند تحت رقم 28073 أن خولة هذه لم تكن سوى خالة الرسول (ص)، مما يعني ذلك من استحلال واضح ل”زنى المحارم… الحديث في مسند أحمد يرد باللفظ التالي:
6) حدثنا عبد الله حدثني أبي، حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، وحجاج، قال: حدثني شعبة، قال سمعت عطاء الخراساني يحدث عن سعيد بن المسيب أن خولة بنت حكيم وهي إحدى خالات النبي (صلى الله عليه وسلم) سألت النبي عن المرأة تحتلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتغتسل“..
قلت: الشبهة التي وقرت في قلب هذا الجويهل، والتي يريد منا لأجلها إسقاط البخاري، والإقرار بأن فيه موضوعات هي أن خولة بنت حكيم خالة للنبي صلى الله عليه وسلم فكيف تهب نفسها له؟! وكيف يقرها النبي صلى الله عليه وسلم؟ والخالة من المحارم بالإجماع.
نقول لهذا الكويتب: “ثبت العرش ثم انقش”.
إن خولة بنت حكيم ليست خالة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما عليه رواية البخاري، وإنما كانت خالة لسعيد بن المسيب الذي روى عنها هذا الحديث، فوهم أحد الرواة ويرجح أنه عطاء الخراساني، فجعلها خالة للنبي صلى الله عليه وسلم.
فسعيد بن المسيب أمه نسيبة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي.
وخالته هي خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي.
ويؤكد هذا الأمر ويوضحه رواية ابن أبي عاصم والدارمي رحمهما الله للحديث.
يقول ابن أبي عاصم: “حدثنا أحمد بن منيع ثنا حجاج بن محمد ثنا شعبة قال سمعت عطاء الخراساني يحدث عن سعيد بن المسيب عن خولة بنت حكيم قال وهي إحدى خالاتي أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلتغتسل” الآحاد والمثاني:ج6/ص58 ح3264
وقال الدارمي: “أخبرنا أبو الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن عطاء الخراساني قال سمعت سعيد بن المسيب يقول: سألت خالتي خولة بنت حكيم السلمية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم فأمرها أن تغتسل” سنن الدارمي:ج1/ص214 ح762.
يتضح من خلال الروايتين أن خولة بنت حكيم هي خالة لسعيد بن المسيب، وليست خالة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن زعم خلاف ذلك فعليه إثبات خؤولة خولة للنبي صلى الله عليه وسلم اعتمادا على الانساب التي اثبتها أصحاب السير والتراجم وكتب الانساب، إذ لا مجال لأثباتها بمجرد العقل والسفسطة.
قال ابن حبان في “الثقات” في نسب أم النبي صلى الله عليه وسلم: “وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ولم يكن لها أخ فيكون خالا للنبي صلى الله عليه وسلم إلا عبد يغوث بن وهب، ولكن بنوزهرة يقولون إنهم أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت منهم، وأم آمنة بنت وهب اسمها مرة بنت عبد العزى وأمها أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي وأمها برة بنت عوف هؤلاء جدات رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أم أمه”.
وفي شأن خولة بنت حكيم قال ابن سعد رحمه: “خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ثعلبة بن ذكوان بن امرئ القيس بن بهتة بن سليم وأمها ضعيفة بنت العاص بن أمية بن عبد شمس وكان مرة بن هلال قدم مكة فحالف عبد مناف بن قصي نفسه وتزوج عبد مناف ابنته بنت مرة فهي أم هاشم وعبد شمس والمطلب بني عبد مناف أخبرنا هشام بن محمد عن أبيه قال كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فأرجأها وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها عثمان بن مظعون فمات عنها” الطبقات الكبرى ج8/ص158.
فلا يثبت من جهة النسب إلا أن خولة هي خالة سعيد بن المسيب راوي الحديث عنها، وقد صرح بعض رواته بتلك الخؤولة كما في رواية الدارمي وابن ابي عاصم، فحصل وهم من أحد الرواة فقال “إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم ” فأدرج تلك العبارة خطأ.
وعلى فرض صحتها وأن الراوي قصد معناها فتحمل الرواية على أنه قصد الخؤولة البعيدة، فخولة من أخواله صلى الله عليه وسلم لأبيه نسبا وحينئذ فلا إشكال، وبعض العلماء ذكر أن التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة أخرى ليست هي خولة بنت حكيم، وهذا مردود برواية البخاري وغيرها من الروايات التي تبين أن خولة هي بنت حكيم السلمية امرأة عثمان بن مظعون، ولا حاجة إلى تكلف القول بكونها أخرى، فإن سلمنا بصحة ما ورد في رواية الإمام أحمد من كونها إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم، فليس القصد بأنها أخت لوالدته وإنما هي من أخواله لأبيه نسبا.
وها هي الشبهة تنقشع ويبقى البخاري غصة في حلوق العلمانيين.
وهذا الحديث على نقيض ما يزعمه العلمانيون وأساتذتهم النصارى من كونه يحوي إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ دليل على عفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم شهوانيته، لأن الله أباح له أي امرأة تهب نفسها له، وجاءه كثير من النساء وعرضن أنفسهن عليه وردهن، ومنهن خولة بنت حكيم.
وقد أخرج الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له. قال ابن حجر في الفتح: “وإسناده حسن، والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبت نفسها له، وإن كان مباحاً له، لأنه راجع إلى إرادته لقوله تعالى (إن أراد النبي أن يستنكحها)”.
هل في إثبات طواف النبي على نسائه بغسل واحد إساءة إليه؟!
ويستمر العلماني الجاهل في إيراد شبهه معرضا بالجناب الشريف صلى الله عليه وسلم أو طاعنا في ناقلي سنته صلى الله عليه وسلم. قال:
“طبعا لا تكتمل قصص الغرابة عن النبي (ص) في علاقته بالنساء وانشغاله الدائم، إبان دعوته للإسلام، بالجميلات ولا نكاد طبعا نجد وسيلة أفضل للتغاضي عن ذكر أحاديث أخرى مغرقة في “الإساءة” إلا الختم بحديث دال شامل ورد في البخاري تحت رقم 268 يقول بالحرف:
7) حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثنا أبي عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل أو النهار، وهن إحدى عشر. قال وقلت لأنس: “أو كان يطيقه؟ قال كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين رجلا في الجماع. وقيل أربعين”.
قلت: هذا الجاهل الحاقد يؤز القارئ ويدفعه إلى اعتقاد أن هذه الاحاديث تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن همه إلا النساء والشهوة، ويصور ما جاء في هذه الأحاديث من وقائع على أنها حال دائمة ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعبيره الأثيم (..وانشغاله الدائم…) يفيد هذا، وهو مغالطة وتعريض خبيث.
فالذي نقل عنه صلى الله عليه وسلم من هذه الوقائع أولا هي على تأويلها الحسن كما هو الشأن عند أهل العلم، لا كما يصورها العلمانيون وأساتذتهم النصارى من أن فيها إساءة، وثانيا هي وقعت في عشرات السنين من عمر النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيحان اللذان يطعن فيهما لوجود مثل هذه الأحاديث التي تعد على الأصابع، فيهما الآلاف من أحديثه صلى الله عليه تتناول كل أحواله الدينية والدنيوية، من جهاد وسفر وحضر وصلاة وصوم وتعليم ودعوة وقيام بشؤون المسلمين، وغير ذلك مما هو في هذين السفرين العظيمين، فكيف يستخف هذا الجويهل بعقول الناس، فيسوق بعض الأحاديث يتأولها على هواه ثم يجعل مفادها ملازم للنبي صلى الله عليه وسلم أيامه ولياليه كلها.. ما هذا السفه والجهل..؟!!
لقد أورد هذا الجويهل حديث طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد، وقال بأنه مسيء إليه مما يدل على وضعه، وإن كان في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة وأنس رضي الله عنهما، وهذا الحديث يورده أساتذة هذا الكويتب من النصارى في شببهم على الإسلام مما يؤكد تأثره بهم وتقميشه من كتبهم ومنتدياتهم.
وهذا الحديث عند العقلاء قبل العلماء ليس فيه أي إساءة أبدا، فالنبي صلى الله عليه وسلم جعله الله أسوة للأمة في كل شيء إلا ما اختص به، قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)، فما كنا لنعلم جواز وطء الرجل لنسائه بغسل واحد لولا هذا الحديث، ولثبوت الحديث، فقد أطبق العلماء على العمل به. وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على جواز الطواف على الأزواج بغسل واحد.
قال ابن بطال رحمه الله: “لم تختلف العلماء في جواز وطء جماعة نساء في غسل واحد على ما جاء في حديث عائشة، وأنس..” انتهى من شرح “صحيح البخاري” لابن بطال (1/381).
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالوضوء للعود للجماع، فيغلب على الظن أنه توضأ في طوافه على نسائه لكل جماع.
وهناك من يورد إشكالا أو شبهة على الحديث متعلقة بالقسم بين النساء وأن الفقهاء متفقون على أن أقل القسم ليلة، فكيف يطوف على نسائه في ليلة واحدة؟!
وجوابه من وجهين:
أحدهما: أن هذا كان برضاهن، ولا خلاف في جوازه برضاهن كيف كان.
والثاني: أن القسم في حق النبي صلى الله اختلف في كونه واجباً عليه.
فبعض العلماء ذهب إلى أنه لم يكن واجباً، وإنما كان يقسم بالسوية، ويقرع بينهن في سفره تكرماً وتبرعاً لا وجوباً، وعلى هذا القول يخرج فعله صلى الله عليه وسلم.
وخير ما قيل في توجيه ذلك أنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يفعله حين قدومه من أسفاره، وقبل أن يبدأ القسم بينهم.
قال ابن عبد البر رحمه الله: “وهذا معناه في حين قدومه من سفر أو نحوه، في وقت ليس لواحدة منهن يوم معين معلوم، فجمعن حينئذ، ثم دار بالقسم عليهن بعد -والله أعلم- لأنهن كن حرائر وسنته -عليه السلام- فيهن العدل في القسم بينهن، وألا يمس الواحدة في يوم الأخرى” انتهى من “الاستذكار”(1/263).
وهذا التوجيه حسن جدا، فهو يدل على أن هذا كان قليلا في فعله ليس كما يصور هذا الأثيم أنه حاله الدائمة، ثم إن فيه حكما منها: أنه حين قدومه صلى الله عليه وسلم تكون أزواجه مغيبات وتستوين في هذا كلهن، وقد تتشوف كل واحدة منهن لمبيته صلى الله عليه وسلم عندها، فكان طوافه عليهن في ليلة من حسن العشرة، ومراعاة المصلحة.
وما كانت الأمة لتعرف جواز هذا الفعل لولا أن فعله أسوتنا صلى الله عليه وسلم.
وهذه التوجيهات والحكم لا يدركها العقل العلماني، بل لا يبحث عنها ولا يتطلبها، إنما يبحث عن الشبه، وما يمكن أن يطعن به على السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
الرد على طعنه في معاوية وأئمة الحديث
في آخر مقاله ينثر هذا الأثيم اتهامات وأكاذيب للطعن في الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه والتشكيك في فضله الثابت في الأحاديث مدعيا أنها أحديث وضعها المحدثون إرضاء لبني أمية، فلا يجد هذا العلماني الكذاب غضاضة في الطعن في أجلة أئمة الحديث من أمثال الأمام أحمد والبخاري ومسلم، ولا شك أن أساتذته في هذا أعداء الإسلام من المستشرقين الحاقدين، والروافض الضالين الذين كان كل همهم إسقاط السنة.
فوجهوا سهامهم إلى رواة الحديث ورجاله، في محاولة منهم لنقض الأساس الذي قام عليه علم الرواية في الإسلام، بدءاً من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من أئمة الحديث.
أورد هذا الأثيم ثلاث أحاديث في فضل معاوية رقم لها على التوالي بالأرقام 8 و9 و10 الأول رواه الترمذي والثاني رواه أحمد والثالث رواه البخاري ثم عقب على تلك الأحاديث بقول غاية في السوء والقبح؛ تجنى فيه على تراث الأمة، ومآل كلامه الخبيث إسقاط السنة النبوية بالكلية.
يقول هذا الكذاب الأشر:
“بالنسبة لأحاديث فضل معاوية وروعة بني أمية فهي لم ترد بكثرة في البخاري ومسلم والسبب مفهوم حتما لأن كلا منهما جمع الحديث على عهد بني العباس، أما بن حنبل الذي ذاق الأمرين على أيدي “المأمون” ابن هارون الرشيد فقد حفلت مرويات سيرته بالاحتفال ببني أمية حتى كان مسنده الأكثر ذكرا لأفضالهم على الإسلام والمسلمين.. والسبب هنا واضح، فتلك كانت الطريقة الوحيدة التي بقيت لأحمد بن حنبل للانتقام من “ظلم بني العباس” في ظل تشبته ب”نظرية” عدم الخروج على الحاكم مهما كان ظالما.. (وهي ذاتها الفكرة التي نشأت في ظل الحكم الأموي وتقوت حتى صارت ركنا من أركان الدين (وليس السياسة وحسب).. المهم بالنهاية هوتثبيت عضد حكم بني أمية وفي مقدمتهم معاوية بن أبي سفيان وأفضل طريقة للقيام بذلك هي ابتداع أحاديث (بعضها ورد في الصحيحين) والبقية في أصحة من ناصر بني أمية وحكمهم السياسي العضوض…
ما الذي فعلته السياسة في الدين هنا؟… لقد اختلقت دينا جديدا….اختلقت سلسلة من المقدسات لا زلنا نعتقد أنها من عمق الدين فيما الحقيقة أنها جزء من “فقه سياسي”.
قلت: هذا الطرح الخبيث الذي تلقفه من المستشرقين من أمثال “جولد زيهر”.
ومن الروافض الذين طفحت كتبهم بمثله، مبناه على وجود تأثير أموي على السنة، مع أن جل دواوين السنة إنما صنفت في العصر العباسي.
لن أقف كثيرا عند لمزه للصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه كاتب الوحي، وخال المؤمين، وقد أبلى بلاء حسنا في الإسلام، وكان ممن شهد غزوة حنين، وغزوة الطائف ولذلك يذكر شيخ الاسلام أن هذا من أجل فضائله؛ لأن الله عز وجل قال: (لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى).
فالله وعد من أنفق وقاتل بعد الفتح بالحسنى وهي الجنة، ويدخل فيهم معاوية رضي الله عنه..
وهذا المدلس قال بأن ابن تيمية رحمه الله قال بأن معاوية في الجنة على وجه التعيين، وهذا تدليس وكذب على ابن تيمية، فهو لم يقل ذلك، وإنما أخبر أنه يدخل فيمن وعدهم الله الجنة من الصحابة على وجه العموم.
لن أقف كثيرا عند إثبات فضائل معاوية، لكن نرد إفكه ورميه للأئمة بأنهم وضعوا الحديث لبني أمية، فإذا ثبت كذبه في هذا، فقد ثبتت فضائل معاوية رضي الله عنه وعن باقي الصحابة.
يقول هذا الافاك أن سبب عدم ورود فضائل معاوية في الصحيحين بكثرة أنهما كانا على عهد بني العباس، ولا حاجة حينها لوضع الحديث لهم وهذا سفه وسفالة، فإذا لم يجد ما يطعن به عليهما في الباب ادعى أن موجب الوضع في هذه النقطة منتف، وأعرض عن شيء مهم وهو السبب الوحيد لعدم إخراج البخاري ومسلم أحاديث في فضائل معاوية، وهي كون هذه الأحاديث ليست على شرط كتابيهما.
فالبخاري في صحيحه أفرد بابا لمعاوية رضي الله عنه في “كتاب فضائل الصحابة” قال: (باب ذكر معاوية رضي الله عنه)، وذكر فيها ثلاثة أحاديث قصار، فلو كانت أحاديث فضائل معاوية على شرطه لأثبتها، وهذا يؤكد صدق هذا الإمام وجلالة قدره في العلم والفضل والعدالة لا كما يصور هذا الكذاب، ويتهمه بالوضع، والذي يؤكد أن السبب في عدم تخريجه لفضائله رضي الله عنه هو عدم كونها على شرط كتابه، أنه روى فضائله في باقي كتبه ومن أمثلة ذلك:
ما أخرجه بسند صحيح في التاريخ الكبير (5/240): عن أبي مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن (الصحابي عبد الرحمن) بن أبي عميرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية: «اللهم اجعلهُ هادِياً مَهديّاً واهده واهدِ به».
وأخرج أيضاً بإسناد صحيح في تاريخه الكبير (5/240) عن عبد الرحمن بن أبي عميرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم علم معاوية الحساب وقِهِ العذاب».
وهناك أحديث غيرها منثورة في كتبه رحمه الله.
وأشير هنا إلى فائدة متعلقة بتبويب البخاري في صحيحه لفضائل معاوية حيث لم يذكر لفظ فضيلة أو فضائل واكتفى بقوله (باب ذكر معاوية رضي الله عنه ) فهناك من جعلها شبهة، وقال بأن هذا نفي منه لفضائله، وهذا كذب على البخاري وجهل بكتابه، فيكفي أن يرجع إلى باقي الأبواب من كتاب (فضائل الصحابة) ليجد أنه بوب لفضائل عدد من الصحابة الذين أطبقت الأمة على تعدد فضائلهم بنفس التبويب، ومن ذلك: (باب في ذكر ابن عباس رضي الله عنهما)، و(باب في ذكر مصعب بن عمير رضي الله عنه)، و(باب في ذكر أسامة بن زيد رضي الله عنهما)، و(باب في ذكر طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه)، وغيرهم من الصحابة كالعباس وجرير البجلي وحذيفة رضي الله عنهم.
وأقبح ما قاءه هذا المفتري ما قاله في شأن الأمام أحمد رحمه الله، قال بأنه لم يجد طريقة ينتقم به من العباسيين الذين امتحنوه إلا وضع الحديث في فضائل بني أمية، ألا لعنة الله على الكاذبين.
أيضع الإمام أحمد الحديث وقد صبر على ما لا يصبر عليه أحد من السجن والجلد والتعذيب ليقول كلمة واحدة (القرآن مخلوق)، وكان يسعه أن يأخذ بالرخصة فيعرض كما عرض غيره من الأئمة، أو يصرح تصريح المكره كما صرح غيره، لكنه صبر على بلاء عظيم حتى لا يقول على الله ما لا يعلم، وكان يردد إئتوني بآية من كتاب الله أو شيء عن رسول الله أقول به.
فكان يضرب رحمه بالسياط، حتى يسقط، فإذا أفاق يلُعن ويسُب، ويسُحب على وجهه، وخلعت يداه بشدهما إلى خشبتين! وهو مقيد في كل هذه الأحوال، بل إنه كان دائم الصيام رحمه الله. هل من صبر على كل هذا لكي لا يتقول على الله بغير علم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمدا ؟؟!!.
حاشاه حاشاه، وقد كان يكفي هذا الدعي الرجوع إلى ترجمة الإمام أحمد ليعلم جلالته وعظم قدره في العلم والديانة، التي يحال معها الإقدام على جرم عظيم كالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكن عقلية العلماني الذي تربى على الرذيلة وكل أنواع الخنى ومسقطات العدالة، قياس الناس على حاله. ثم لوكان الإمام أحمد رحمه الله واضعا شيئا من الحديث؛ لوضعه في ذم من آذوه وامتحنوه، لا في فضائل غيرهم.
وأختم ردا على هذه الفرية بالقول بأن إمامة الأمام أحمد والبخاري مسلم وأصحاب السنن قد أطبقت عليها الأمة، ولم يرمهم أحد قط من أهل العلم بما رماهم به هذا الأفاك، وذلك أن نقد الرجال والحديث له قواعده وعلومه ورجاله. فكان هؤلاء الأئمة نجوما في سماء العدالة والمروءة بل والإمامة في الدين، فلم يغمز فيهم أحد بشيء يخرم مروءتهم بله عدالتهم.
وأما أن يخرج علماني حاقد يضرب بعلوم الحديث كلها عرض الحائط ويعرض عن المنهج العلمي في نقد الحديث والرجال، ثم يخرج علينا بزبالة عقله العفن المتشبع بشبه وافتراءات أساتذته النصارى؛ فلا شك أنها لا وزن لها وهي غمز وطعن في قائلها، ولولا أنه بث هذه الفرى وسط الناس لما رددنا عليه.
وأنا اتحدى هذا الأثيم وكل العلمانيين والنصارى والروافض، وليكن بعضهم لبعض ظهيرا، أن يثبتوا أن حديثا واحدا مما أورده هذا الاثيم من الصحيحين موضوعا، لكن على طريقة العلماء بالحديث والسنة.
أو أن يثبتوا أن أحدا من الأئمة الذين طعن فيهم هذا الكذاب الأشر وضع حديثا واحدا.
نحن نعلم يقينا أن هذه السهام الموجهة إى الأئمة هي في الحقيقة موجهة إلى السنة، وإسقاطهم إسقاط للسنة، وإسقاط السنة إسقاط للإسلام..
لكن هيهات هيهات قد كان لك أيها الأثيم سلف عبر العصور، فخيب الله سعيهم، وحفظ دينه، ومعلوم أن السنة من الوحي وهي بيان للقرآن، والله وعد بحفظ القرآن ومن لوازمه حفظ السنة، فأنى لك ولغيرك أن يسقط ما تكفل الله بحفظه.
وأختم درء للإطالة فقد ظهر المقصود لكل عاقل واصبحت حجة هذا العلماني داحضة
والحمد لله رب العالمين.
من يريد ان ينتقذ كتاب البخاري رحمة الله عليه يجب عليه أولا ان يكون على درس هذا العلم ذراية ورواية …فكيف ، بجاهلاً باللغة جاهلاً بالفهم جاهلا بمنهج البخاري في صحيحه .وربنا عز وجل قد تكلف بحفظ القران وحفظ سنته بأن وكل لها رجالها .
والله ردّك لم يقنعني… كثير من القدح و من التناقض..
تريد إحتكار حب الرسول عليه السلام…
والله قراءتك غير موضوعية..ولو تخليت عن أحكامك المسبقة وأعملت عقلك بتجرد لاقتنعت.
ثم لو سلمنا لك بالقدح فأين هو يأخي وجه التناقض ؟! وأين ما يدل في المقال على احتكار حب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟أنت يأخي تقبل قدح من يقدح (بجهل مزدوج) في البخاري ومسلم وأحمد، ولاتقبل من يسفه تطاوله ويعري تعالمه؟
اللهم ارزقنا العدل واﻹنصاف.
والله تعقيبك لم يقنعنا .
ممكن تعطينا اين يوجد التناقض
اعطنا مكان واحد من الكثير
اما القدح فقد كان موجها لمن قدح في نبي الله
فما لك وله ..
أردت أن أدعم تعقيبك على التعقيب رقم 2 بوضع رمز? لكن أخطأت ووضعت رمز ? سهوا. وحاولت حذفه ثم تصحيحه لكن لم يسمح لي البرنامج بذلك. لذلك كتبت هذه الملاحظة.
ما الحديث المشار إليه فرواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه وسعيد بن منصور والدار قطني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منزل حفصة فلم يجدها وكانت قد خرجت إلى منزل أبيها، فدعا مارية إليه، وأتت حفصة فعرفت الحال، فقالت يا رسول الله: في بيتي وفي يومي وعلى فراشي، فقال: إني أسر إليك سراً فاكتميه. فنزل قوله تعالى: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ {التحريم: 1}. وفي لفظ من حديث عمر عند الدارقطني: دخل النبي صلى الله عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة… ثم ساق نحوه. قال الحافظ في تلخيص الحبير: وبمجموع هذه الطرق يتبين أن للقصة أصلاً. اهـ. والحديث إن صح لا يدل على طعن في النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان منه ما كان من القول إرضاءًَ لزوجه حفصة وليس لكونه أمراً منكراً حاشا لله من ذلك.