المطامع الأوربية في المغرب 1903م
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
المطامع الأوربية في المغرب 1903 أو (المسألة المغربية بالخارج) هو المقال الذي نشرت مجلة إفريقيا الفرنسية سنة 1903 لكاتبه المركيز دو سيكونزاك (1867-1962) الضابط المستكشف الفرنسي الذي قام برحلات استكشافية بجهات مختلفة فيه سنوات 1899 و1900 و1901 و1904 واعتبر من منظري الحركة الاستعمارية للمغرب.
وهو في هذا المقال يبين تجاذبات الدول الأوربية على تقاسم المغرب، ورغبة فرنسا في الاستيلاء عليه بأي شكل من الأشكال، كما عرفنا منه أن الألمان أسسوا (الجمعية الألمانية للدراسات المغربية) قبل الفرنسيين الذين انتظروا لغاية 1906 كي يؤسسوا نظيرا لها بطنجة باسم (البعثة العلمية)، والباحث المقارن يجد في المقال بغيته في تتبع مدا تحقق مجريات تخريجات الفرنسيين والألمان من عدمها، في تسلسل الوقائع التي عرفها المغرب، وهو ينتقل من الاستقلال، للحماية، ثم الاستقلال، الذي توفي فيه المركيز، راصدا ما تحقق من تصور بين 1903 و1956.
نص المقال:
دخلت اللعبة اللامتناهية التي تم لعبها من نصف قرن على رقعة الشطرنج المغربية مرحلة جديدة وحاسمة
لحد اليوم سعى كل من الشركاء لتحقيق هدفه الشخصي، وإرضاء مصالحه دون الاهتمام بتضارب المصالح ودون أي فكرة للمصالحة، ومن هنا جاءت هذه الخلافات التي انتهت بعرقلة جهود الجميع، وجعلت المسألة المغربية بلا حل.
الحدث الجديد في المسألة هو تجمع المتنافسين في معسكرين: معسكر القوى التي لا تمتلك في الإمبراطورية الشريفة مصالح اقتصادية أو سياسية، ومعسكر القوى التي تريد الاستحواذ عليه والتوسع فيه، المعسكر الأول يجمع فرنسا، إنجلترا، روسيا، إيطاليا، النمسا، بلجيكا، البرتغال، والثاني يضم ألمانيا وإسبانيا.
من المثير للاهتمام مقارنة برامج هذين المحللين حول هذه المسألة، محللنا السيد إيتيان زعيم الحزب الاستعماري الفرنسي، والمحلل الألماني اثيوبالد فيشر.
إيتيان رسم لنا بشكل قانوني ما تريده فرنسا، وهو الحفاظ على سلامة المغرب وحرمته، لأنها قبلت التكلف بتربية ورعاية جارها البربري، وهي تطالب فقط بسيادة سياسية ودينية في شمال افريقيا، من طرابلس إلى المحيط الأطلسي.
في المقابل التزمت بعدم المساس بأي التزام مسبق للمغرب مع البلدان الخارجية الأخرى ومصالحها أو منتجاتها، وفتح موانئه لدخول منتجات باقي الدول بشكل متكافئ، وعدم تهديد حرية المرور في مضيق جبل طارق بأي شكل من الأشكال.
وللتفاوض مع إسبانيا بعقل متفتح تصالحي وتعويضي، يعطي للقوى الأخرى الحق في إنشاء مستودعات الفحم، اللازمة على ساحل المحيط، لفائدة أساطيلها التجارية والعسكرية لكن تعارض هذا الاقتراح المحدد مع مطامح إسبانيا ومزاعم ألمانيا.
إسبانيا تريد كل المغرب الشمالي محددا من الجنوب بخط الرباط فاس وجدة، لم ننس الظروف التي أخذتنا في ظلها كمؤتمنين على مشاريعها، ولأنه كان ذلك في يناير الأخير..
تابعت إسبانيا حلمها البطولي، تريد دفع الإسترداد -(حرب الاسترداد، هي الحرب التي استعيدت بها الأندلس)- إلى قلب الإسلام، وإنجاز آخر حملة صليبية ضد المُور، عن طريق زرع علم صاحب الجلالة الكاثوليكي فوق مآذن مدينة فاس.
تأتي ادعاءات الحزب الاستعماري الألماني معروضة ومكشوفة من قبل رئيس الجمعية الألمانية للدراسات المغربية ثيوبالد فيشر، في أحدث أعماله (المنجزة سنة 1901) ولا يمكننا أن نفعل أفضل من الاستشهاد حرفيا باستنتاجاتها، وإظهار جاذبية العمل الأوربي في المغرب.
قال السيد فيشر لأبناء وطنه:
إن المسألة المغربية ساخنة للغاية، يمكن للوضع المحفوف بالمخاطر في تلك البلاد، أن يضع القوى الأوربية في واجب التدخل، وكل واحدة منها لديها وسائلها الخاصة بها جاهزة، مما سيحفزها على التدخل في الوقت المناسب.. القوات الموضوعة عند السلطة المغربية ضعيفة، لدرجة أن قوات أوربية صغيرة جيدة التنظيم، لن تجد مقاومة أمامها، سوف يخدم عملها كراهية السكان لما نسميه مخزن، وهذا الكره جد قوي مثل نظيره الكاثوليكي، الجيش الغازي سينجح في تحرير المغرب المخفي في الوقت الحاضر، وهو ناضج مثلما كانت تونس في عام 1881 وسيكون ذلك العمل الذي ستمليه الظروف مثمرا.
المغرب الواقع على أبواب أوربا بلد غني، ذا كثافة سكانية عالية، حيث يجري إنشاء كل شيء، ..من خلال موقعه الجغرافي وثرائه الطبيعي، فهو إلى حد بعيد أغنى مناطق الأطلس الثلاث، وسوف يصبح في يد قوة أوربية سلة خبز أوربا، ومنجم ذهب، ومصدر قوة للأمة التي ستنتقل به من مرحلة بربرية القرون الوسطى، إلى الحضارة الحديثة.
إن المغرب ليس ثريا فحسب، بل له قيمة استراتيجية لا تضاهى: موقعه الاستراتيجي حاسم، ليس فقط كدولة متوسطية، تقود أحد أكبر طرق التجارة في العالم، ولكن أيضا كدولة أطلسية.
وعلى هذا الأساس فهو محطة توقف قيمة على طرق غرب إفريقيا، وأمريكا الجنوبية وقناة بنما. ومحطة توقف مثل هذه لازمة لألمانيا أكثر من أية قوة أخرى!
السيد فيشر يحذر بلاده من محاولاتنا الاستيلاء عليه، فأرضه غنية، وقيمتها كبيرة جدا
لدرجة أنها ستؤدي إلى تفاقم القوة العالمية لمالكها لدرجة لا يستطيع أي منافس الاعتراف بها.
ما هي الحلول التي يمكن أن تتمناها ألمانيا بعد ذلك؟
يبدو أنه يمكن تبني حلين فقط لمنع المغرب من أن يكون في المستقبل القريب سبب اندلاع حريق عام: أو في الواقع سوف تتحد القوى الثلاث المعنية، فرنسا وانجلترا وألمانيا إغلاق المغرب أمام أي دولة أجنبية للتدخل فيه، وإلا فإن هذه القوى نفسها ستقسم المغرب إلى ثلاث “مجالات اهتمام”
على الرغم من أن هذا التقسيم يجب أن يكون تقليديا بحتا،
يبدو أن اتفاق القوى الثلاث ضروري، وسيكون نجاح مثل هذا التفاوض شرفا لرجل دولة عظيم
ثم يفحص المؤلف كل هذين الحلين: إذا ما حدث إغلاق المغرب أمام كل التدخل الأجنبي كما حدث مع الصين وإنجلترا وألمانيا سيكون ذلك أفضل لفرنسا،
في الواقع أن إنجلترا وألمانيا لديهما مصلحة أساسية في الحفاظ على وحدة واستقلال المغرب، إنهم يريدون إصلاحات هناك، لكنهم سيستغنون عنها لو لزم الأمر، وهو أمر محفوف بالمخاطر تقريبا، لأن الضمانات التي يوفرها الوضع الحالي لشؤونهم قد تكون كذلك.
إن نزاهة المغرب لن تخدم مصالح فرنسا، التي تخشى بحق أن ترى هذا الجار القريب يهجرها
ويغرق أكثر فأكثر في الفوضى التي ستعاني من تداعياتها، ففرنسا تعيش مع فكرة أن الجزائر ستضم المغرب، ذات يوم كما فعلت بتونس
هذا الاستيلاء الفرنسي على المغرب حسَبَ فيشر أظهر لنا الخطر السياسي، وسنظهر الآن الخطر الاقتصادي
المصالح الحيوية لإنجلترا وألمانيا تتعارض مع أن يصير المغرب كله يوما ما فرنسيا، وهذا ليس بسبب تنامي القوة التي ستكتسبها فرنسا منه، ولكن بسبب الوسائل التي ستجدها فيه كما تم لها في الجزائر وتونس وكل مستعمراتها، بعدما دمرت بها التجارة الخارجية، عندها سيصاب التجار والصناع الألمان المتطلعون للمستقبل بالإحباط والخيبة، وفي اليوم الذي تدرك فيه فرنسا أنه من المستحيل عليها أن تضع يدها على كل المغرب، فإنها ستقلع عن وهمها وتنظر في حلنا التالي ألا وهو تقسيم المغرب
وهذا عرض لوجهة نظر ألمانيا في حال التقسيم:
التقسيم النهائي للمغرب يحكمه بطريقة ما التكوين الجغرافي للبلد، فما يسمى في أوربا عادة المغرب، هو المنطقة التي تغطيها خرائطنا بلون موحد تقليديا، إنه ليس بدولة وأقل أيضا من دولة، إنه عبارة عن تكتل من الأراضي التي يخضع جزء ضئيل منها -يصل الربع- وبالتحديد سفح الأطلس، لسلطان المغرب، وسكان هذا الجزء الخاضع يبذلون جهودا متواصلة للتخلص من اضطهاد حكامهم، أما بقية البلاد فمستقلة تماما (مثل البربر في الناطق الجبلية) أو تخضع فقط ظاهريا للنفوذ المغربي، وما وراءها يمتد لمنطقة، لا يعترف فيها إلا بسيادة السلطان الروحية، باعتباره قائدا دينيا للمغرب.
جوهر هذه المجموعة هو سفوح الأطلس، إلا أنه مركزا غير متماسك، فهو خال من الوحدة السياسية كما يعترف بذلك المغاربة أنفسهم، فالجزء الشمالي الملقب بالغرب، وعاصمته فاس، يفصل عن الجزء الجنوبي بالحوز وعاصمته مراكش، وهذا الجزء عبارة عن منطقة جبلية، يصعب الوصول لها، يسكنها بربر ما يزالون متمردون.
بيد أن هذا التقسيم للبلد لا يعني أنه خال من الوحدة السياسية، إذ لا يمثل عدم التوحد بأي حال من الأحوال انقساما لا جغرافيا ولا ثقافيا.
إذا كانت فرنسا في حالة عمى، لا تدرك أن عدوها الحقيقي هو انجلترا، وأنه لا يوجد خلاص إلا في التقارب مع ألمانيا، فسيكون من واجبنا المطالبة على الأقل بالمنطقة الجنوبية من المغرب، أي الحوز مع عاصمتها مراكش، والممتدة من الرباط إلى الجنوب بما فيها سوس، المواقع الساحلية، لهذه النواحي، التي تم تحويلها لموانئ ومحطات توقف على طريق غرب إفريقيا وأمريكا الجنوبية والبحر الأبيض المتوسط، يمكن لألمانيا بعد ذلك أن تتخلى لفرنسا عن كل البلدان الواقعة أسفل الأطلس من المحيط إلى البحر الأبيض المتوسط بما في ذلك الريف.
لكن من المؤكد أن إنجلترا ستبذل قصارى جهدها للحصول على تنازل عن شمال المغرب، أو على الأقل من النتوء الشمالي مع طنجة، فإذا تم التوصل لاتفاق مع فرنسا ألمانيا فإن سفوح الأطلس بما في ذلك طنجة ستكون المانية.
سبتة والرؤوس الإسبانية الأخرى يجب أن تسقط عاجلا أو آجلا في يد فرنسا، لأنه على حد علمي ليس لدى إسبانيا أي مستقبل في هذا الجانب، فهي غير قادرة تماما على التدخل في المغرب، لدعم ما يسمى حقوقها التاريخية فيه، ولم يعد لها أي مصالح حقيقية بالمغرب، كما لم تعد الإمبراطورية الشريفة بالنسبة لها سوقا تحصل منه على امدادات تموينية بثمن بخس.
سنحرص على عدم تغيير الدقة الحتمية المشتركة للبيان الألماني بأي التزام، وسيحسن الإسبان صنعا إذا تأملوا في النتائج الجادة للبروفسور فيشر.
الدرس فيه بعض المرارة، ولكنه لا يخلو من ربح، سوف يتعلمون هناك ما يستحق التقدم اللطيف حتى لشريكهم الجديد في الوقت الحالي
فيما يتعلق بألمانيا فهي تدرك أن الحفاظ على سلامة المغرب هو اقتراح تدافع عنه وتعلنه بنفسها بما يتوافق مع مصالحها، إنها تود التوقف مرة أخرى عند هذا الحاجز.
يمكن للمغرب المتكامل أن يتنازل لها فقط عن الاستخدام المجاني لمخازن الفحم المبنية على سواحله، لكن حلفاءه الإسبان لديهم أشياء أفضل يفعلونها معه: جزر الكناري قريبة.. وقد اقترح ديبرازا في مقابلة حديثة معه فكرة صفقة من شأنها أن ترضي تطلعات ألمانيا وحاجات إسبانيا.
لا شك أن المستعمرين الألمان لن ينصحوا أنفسهم بإجهاض حلمهم الجميل، لكن بالنسبة لهم فإن التفكير في تحقيق مشروعهم لم يكن سوى هذا الاستيلاء على المغرب الذي استنكر خطورته زعيمهم، كما أن هذه المزاعم لم تحظ بأي تشجيع رسمي.
يبدو على العكس من ذلك أن الحكومة الإمبراطورية سعت دائما لإثبات ذلك بحكمة وتقدير موقفها، أنها تنوي أن تلعب دورا اقتصاديا بحثا فقط.
في بداية تمرد بوحمارة في الآونة الخيرة أبلغ الوزير الألماني جميع رعاياه ومسؤوليه وتجاره الأمر بالعودة للساحل، تاركا قناصل فرنسا وإنجلترا لمراقبة الأزمة السياسية وحماية المصالح الأوربية المنخرطة في المنطق الداخلية من البلاد.
لذلك نتعهد بإخلاص بضمان سلامة المغرب والضمانات الاقتصادية والتسهيلات وحريات الملاحة التي طالبت بها ألمانيا، سيكلفه ذلك فقط التضحية بوهم حتى يكون حل هذه المشكلة المغربية البغيضة -بدلا من أن تكون علامة اندلاع حريق عالمي- مناسبة لتفاهم ودي ومثمر بين جميع دول أوربا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماركيز دو سيكونزاك ص:214-216 مجلة إفريقيا الفرنسية 1903