المغاربة حرروا أوربا فاستعبدتهم وقتلت سلطانهم
هوية بريس – ذ. إدريس كرم
لما نشبت الحرب العالمية الأولى استنجدت فرنسا بدول العالم الإسلامي الموجودة تحت حكمها للمساهمة في الدفاع عن أوربا التي اجتاحتها الجيوش الألمانية بسرعة البرق، ومن المستنجد بهم المغاربة الذين كانوا ما يزالون يدافعون الغزاة الفرنسيين في أماكن مختلفة من المغرب، وقد استجاب عاهل البلاد مولاي يوسف للنداء الفرنسي، فوجه النداء التالي للمتطوعين المجندين تحت العلم الفرنسي لمجابهة ألمانيا وتحرير بلجيكا وغيرها، باعتبارهم جنوده وهو قائدهم:
“الحمد لله
خدامنا الأنجاد الأرضين، عساكر جنابنا الشريف، الذين هم بميدان الحرب بفرنسا؛
وفقكم الله وأعانكم وسلام عليكم ورحمة الله، وبعد:
بعدما قدمنا لكم كتابنا الشريف المضمن استنهاضكم وحثكم على التعاضد مع الجنود الفرنسوية وحلفائها، والكون معهم يدا واحدة في قتال أعداء الإنسانية والحرية والمدنية، وارتكاب ما يسمع عنكم في ذلك، أخبر جنابنا العالي بالله وزير الحربية الفرنسوية بواسطة سعادة المقيم العام بإيالتنا الشريفة بأنكم قمتم بالواجب في ذلك أتم قيام، وبرهنتم للحاضر من بين تلك الصفوف على اختلاف أجناسها عما لكم من المزايا التي لا تبليها مرور الأيام، وحققتم بذلك ما توسمناه فيكم من النجدة الموروثة خلفا عن سلف، والشجاعة التي ليس فيها مختلف، وأدخلتم به على أهاليكم وأقاربكم من الفرح والسرور ما لا تفنيه الأزمنة والدهور، وألبستموهم من حلل العز والافتخار ما يكسبهم كمال الاحترام والاعتبار، وأرضيتم بذلك سائر الأمراء والكبراء ورجال الدولة الفرنسوية حتى غبطكم فيه من إخوانكم من لم يحضر معكم في ذلك الميدان الذي تحليتم فيه بأسنى ما يتحلى به الشجعان.
ولقد استوجبتم بذلك رضانا الشريف، الكفيل لكم إن شاء الله لغاية التنويه والتشريف.
ونحن على يقين من أن الاعتناء الحاصل من ضباطكم وسائر الحكام زاد في حماستكم الجبلية وشجاعتكم الفطرية، ونأمركم أن تدوموا على ذلك، وتؤكدوا ما عرفتم به من الشهامة والإقدام، وتبرهنوا للحاضرين عما أحرزتموه من شرف الثبات أمام أعراقكم، وتحيووا لقدماء شجعانكم الذكر الجميل، وتخلدوا لأنفسكم المجد الأثيل، الذي يتوارثه أبناؤكم جيلا بعد جيل.
فاثبتوا وتعاضدوا وكونوا على قلب رجل واحد، واصبروا فإن الصبر عاقبته الفوز والظفر، وتيقنوا بأن ألوية النصر النهائي لابد ترفرف على صفوفكم لأنكم تحاربون أنتم وجميع الواردين من جل الأقطار الإسلامية إخوانكم في الدين، وكذا رفقاؤكم من جنود الاتحاديين، قوما اغتروا بأمانيهم وتجرأوا بكبريائهم حتى ضلوا وأضلوا غيرهم من المغفلين الأغمار، الذين لم يدركوا ما في عدم التدبر في البوائق والأخطار.
أما أنتم فإنكم تقاتلون على صميم الحق وحرية الأمم جمعاء، وعلى حفظ كيان السلم العام، ودوام الهناء وصلاح النظام.
حقق الله الرجاء وأحسن الختام والسلام.
في 5 محرم عام 1333″.
تقميش
إن المقارنة بين الأهداف السامية النبيلة التي يبرزها النداء الملكي لعساكره، وسامي الثناء الذي تحدث عنه، والتطلعات الإنسانية والقيمية والوطنية التي يعلق على المشاركة في تلك الحرب، لم تراع فيها الدول الغربية بعد تحريرها شيئا، فقد توسع غزو المغرب والسيطرة على مقدراته، وارتفعت وتيرة مخططات التفرقة بين المغاربة للاستحواذ على ثروات بلادهم وتحويلهم لعبيد داخل أراضيهم بعد انتزاعها منهم وإعطائها للمعمرين الأوروبيين، ثم العمل على الإجهاز على معتقداتهم الإسلامية بعدما تبين لهم أن الدين الإسلامي هو موحدهم وضامن كرامتهم واستقلالهم، فأرادوا تسخير عاهل البلاد مولاي يوسف في ذلك، ولما رفض ذلك تم تسميمه وقتله، فكان ذلك جزاءه على التضامن الذي ترجمه هذا النداء، لذلك وجب المطالبة برد الاعتبار للمغرب والمغاربة ملكا وشعبا مما لحقهم من أذى وخسائر.
ولنا عودة بحول الله للموضوع لنقدم تهنئة السلطان مولاي يوسف لعساكره المتواجدين بفرنسا ورفضه المتكرر المصادقة على الظهائر التفريقية بين سكان المغرب.
أنظر مجلة العالم الإسلامي شتنبر 1914 (ص:281).