المغاربة والانحياز لقضايا الأمة: وقفة مع الأسس والمظاهر والنماذج
هوية بريس- محمد ابراهيمي
امتاز المغاربة عبر التاريخ بالانحياز لقضايا الأمة والدفاع عن ثوابتها، وعبروا عن ذلك في مختلف المحطات التاريخية بمختلف أشكال التضامن والتآزر والدعم، ويرجع ذلك لاعتبارات إنسانية وشرعية، وهو ما ستوضحه هذه الأسطر التي ستسلط الضوء على بعض منطلقات ومرجعيات هذا التضامن، وبعض مظاهره ونماذجه التاريخية.
1: في الأسس والمظاهر:
رسخ الخطاب القرآني والنبوي أسس التضامن والتعاون في الإسلام، وجعله مدخلا للارتقاء في مراتب التقرب والتعبد، ووسيلة للفوز بنعيم الدارين، وهو ما تؤكد الكثير من النصوص الشرعية الثابثة في هذا الباب، ومنها وقوله تعالى “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”
وقوله تعالى ” “وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ”.
وقوله عز وجل”ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا”
وقوله تعالى ” يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم”
فالنصوص ناطقة بظاهرها ودلالتها أن التضامن أصل في الإسلام، وحق للمسلم وواجب عليه تجاه كل مستضعف كان مسلما أم غير مسلم، فالأصل في التضامن حاجة المستضعف للدعم والنصرة للاشتراك في أصل الإنسانية، ويزداد الأمر تأكيدا مع إضافة القرابة العقدية والانتماء لنفس الدين والمرجع والمصير لقوله صلى الله عليه وسلم “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة” وقوله صلى الله عليه وسلم ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”
وتتنوع مظاهر التضامن التي يبديها المغاربة بين تضامن معنوي يتجسد في الشعور النفسي المتمثل في الانحياز للمظلوم والشعور بألمه، والتأثر بأثره، والحزن لحزنه، والفرح لفرحه، والدعاء له، وحب الخير له، لقوله صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” فالشعور بمحبة الخير للمؤمن أصل من أصول الإيمان، ودلالة على صدقه.
وتضامن مادي ببذل المال والوقت لنصرة المظلوم ومساعدته؛ للتغلب على ما حل به، ونصرته ودعمه.
فقد أبان الشعب المغربي عن انحيازه لمختلف القضايا الإنسانية العادلة وفي مقدمتها قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين، حيث انخرط في حملات التضامن وقادها معنويا وماديا، من خلال المظاهرات والمقاطعة للظلمة ومناصريهم، ومن خلال تسيير قوافل الدعم، والأمثلة أكثر من أن تحصر، ويأتي في مقدمتها المظاهرات المليونية وبيت مال القدس والمستشفيات الميدانية..
2: نماذج من التاريخ:
عرف تاريخ المغرب والمغاربة نماذج مشرقة في دعم المستضعفين ونصرتهم، والانحياز لهم، ومد يد العون لهم، ومن أبرز هذه النماذج انخراط المغاربة في تحرير القدس في عهد الفاتح صلاح الدين قبل أكثر من ثمانية قرون، حتى أنه اقتطع لهم حارة في القدس الشريف، وقال في حقهم “أسكنتُ هنا من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يُؤتـَمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة”
ومن هذه النماذج نجدة يوسف ابن تاشفين لملوك الطوائف حيث تشير المصادر أن 13 من ملوك الطوائف وقعوا رسالة يطلبون فيها العون من يوسف بن تاشفين، الذي استجاب للدعوة بعد استشارته عددا من رجال الدين، ففي سنة 1086 عبر بجيشه من مدينة سبتة، وتوجه إلى الجزيرة الخضراء وعسكر بها، وقد كان ابن تاشفين حريصا على قيادة الجيش بنفسه، فانتصر على جيش ألفونسو السادس الذي أعد جيشه بمساعدة مجموعة من المماليك المسيحية في معركة الزلاقة، وكان نصرا عظيما أمد في عمر حضارة المسلمين في الأندلس.
والتاريخ حافل بالأمثلة والنماذج المشرقة التي تظهر حجم التضامن الذي أبداه المغاربة في حق إخوتهم في الإنسانية وفي العقيدية الإسلامية، والتي تثبت أن الانحياز للحق ثابت في ضمير المغاربة، وأصل أصيل لا تؤثر فيه العوارض والأحداث العابرة، ولا تفسده الإكراهات الطارئة، بل الأصل هو رفض الظلم والانتصار للمظلوم، فكيف إن كان المظلوم يجمعنا به وحدة المرجع والعقيدة والمصير.