المغاربة يلقّنون درسا قاسيا للحيطي في قضية الأزبال الإيطالية
هوية بريس – بدرالدين الحميدي
لقد عبّر المغاربة الغيورون على وطنهم عن موقف وطني عظيم وعي كبير فيما يتعلق بقضايا الحفاظ على البيئة. ومن سوء حظ الوزيرة الحيطي أن استيرادها لأزبال إيطاليا تزامن مع الحملة التمشيطية الناجحة التي تقوم بها حكومة غلاء الأسعار. ففضيحة الحيطي تتحمل مسؤولسيتها الحكومة بكاملها لأنها جاءت تكرس “السياسة التشاركية” رغم أنها لا تلتزم بها إلا فيما يعرف بالنقاش أو “بالمعيور” البرماني.
ففضيحة الحيطي تعبّر بصورة واضحة عن تناقض الحكومة مع نفسها بحيث تفعل الشيئ وضده؛ فالمغاربة كلهم يعلمون أن المغرب على موعد مع الملتقى الدولي حول البيئة الذي سينعقد في مراكش سنة 2022. فالذي يفترض في الحكومة أن تعمل على تهيئة المناخ الوطني للنقاش البيئي الذي أصبح محط اهتمام العالم؛ نظرا لمشكلة ارتفاع الاحتباس الحراري الذي تسببت فيه الطفرة الصناعية التي يعرفها العالم.
فلقد سجلت قضية الحيطي تجاوبا شعبيا واسعا للمغاربة من خلال حجم المقالات التي نشرت في الصحف الوطنية والتي شجبت بقوة الفعل الحيطي الذي ما احتاطت صاحبته من رد فعل المغاربة القوي تجاه القضية. كما يظهر ذلك من النقاش الحاد الدائر على نطاق واسع في المواقع الاجتماعية بين مختلف طبقات وأطياف المجمتع المغربي. وتجاوبا مع قضية أزبال الحيطي، خرج كثير من الخبراء يلوحون بكون الأزبال المستوردة من إيطاليا –بموجب صفقة التي لو ضخت في صندوق التقاعد لحل العجز الذي تلوح به الحكومة من أجل رفع الأسعار- تحمل فيروسات قد تُسبّب السرطان للمغاربة، وخاصة الأطفال منهم. والمسلمون انطلاقا من ثقافتهم الشرعية يؤمنون بأن كل الأفعال الضارة بالإنسان يجب منعها وتجريمها وتحريمها. وفي هذا السياق، فالعقلاء ينبغي دائما أن يقرؤا أفعالهم ويقيسوها في ضوء “مبدأ اعتبار مآلاتها” ونتائجها المقرّر عند المقاصديين والأصوليين من علماء الشريعة الغرّاء، فهل درست الحيطي قضية النيفايات الإيطالية من جميع جوانبها وأبعادها؟
وانطلاقا من المرجعية الدينية للمغاربة التي منها يحاكمون الفعل السياسي للحيطي، أود أن أتساءل عن موقف الاجتهاد الفقهي المالكي من صفقات الأزبال النّافعة للفلاحة، فأقول: فهل يجوّز الفقه المالكي -الذي تدين به الحكومة ربها- عقد صفقات حول الأزبال؟ فبالبحث في كتب التراث الإسلامي المالكي، نجد أن ابن عاصم الغرناطي تحدث عن هذه القضية بكل وضوح في قوله:
ونجَس صَفقته محظورة…..ورخَّصوا في الزبل للضّرورة
فهذا البيت من التحفة يعبّر بكل وضوح عن الموقف المشهور في الفقه المالكي فيما يتعلق بصفقة النجَس من الأعيان. وبالقياس على هذا الرأي الفقهي الدائر حول بيع الأعيان النجسة، انجر الخلاف والتباين في الرأي الفقهي إلى موضوع الأزبال والنفايات. والمعنى أن أكثر الفقهاء1 في المذهب المالكي يتبنون موقف حظر الصفقة حول الأشياء النجسة لذاتها كالميتة وجلودها. بينما موقف آخر من الفقه المالكي نفسه يرى أن ذلك لا يجوز معللين رأيهم هذا بالضرر الذي يصيب الإنسان جراء استعماله للأعيان النجسة2. كما أنهم عللوا ذلك بكون هذه الأعيان لا تقبل التنظيف والغسل بخلاف المتنجس من الأعيان كالثوب إذا سقط عليه خمر فإن ذلك مما اتفق حوله الفقهاء في جواز التعاقد والتبايع حوله.
والأزبال التي رخّص فيها جانب من الفقه المالكي يقصد بها تلك النفايات والإفرازات الحيوانية المستعملة في الإنتاج الفلاحي والتي ثبت بالتجربة أنها نافعة لهذا القطاع. إذن، فمحل خلاف الفقهاء في الجواز وعدمه إنما دور حول ما كان نافعا من النفايات والأزبال. أما ما ثبت ضرره بالإنسان، فإن الفقهاء مجمعون على عدم جواز التعاقد حوله. وحيث إن الخبراء في المجال البيئي يِؤكدون أن النفايات المستوردة من إيطاليا عديمة الجودى، كما أنها مضرّة بصحة المواطن المغربي المناضل، فإن ما قامت به الوزيرة ينبغي أن يقع تحت طائلة رأي الفقه المالكي المانع لهذه الصفقة التي لا تجر إلا الوبال على بيئة البلد ومن يقطن هذه البيئة من المواطنين. فما هي إذن الضرورة التي ألجأت الوزيرة لإدخال نفايات سامّة حسب رأي الخبراء البيئيين؟
هذا وإذا أردنا أن نقرأ الفعل الذي قامت به الحيطي في إطار البعد الوطني، فإننا نجده عاريا عن كل معاني الوطنية التي تعني فيما تعنيه حب الخير الاقتصادي والاجتماعي للبلد ومواطنيه. وعقد صفقة بموجبها يصاب المواطنون -بحسلب رأي خبراء البيئة- بأمراض سرطانية أمر معاكس للمفهوم الذي أشرت إليه آنفا لمعنى الوطنية في صورتها البسيطة والبعيدة عن التعقيد الفلسفي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- هذا فهم أكثر فقهاء المذهب لرأي الإمام مالك في المدونة. انظر محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير. دار الفكر، الجزء الثالث، ص:10.
- انظر: محمد بن أحمد بن محمد عليش، أبو عبد الله المالكي. منح الجليل شرح مختصر خليل. دار الفكر، بيروت لبنان. 1989م، الجزء الرابع، ص:452.