المغرب، من أين؟ وإلى أين؟ وماذا بعد؟
هوية بريس – عبد المولى المروري
تعاقب على المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم (68 سنة) 3 ملوك، و6 دساتير (1962، 1970، 1972، 1992، 1996 و2011)، و12 برلمانا، و33 حكومة، و39 عملية اقتراع (6 استفتاءات دستورية و33 عملية انتخابية تشريعية وجماعية)، ومئات الوزراء..! فماذا كانت النتيجة؟
أمر غريب أن يعرف المغرب طيلة 68 سنة عشرات الحكومات والمشاريع الإصلاحية التي همت التعليم (أكثر من 17 برنامج إصلاحي) والفلاحة والاقتصاد وكل مجالات الحياة والعيش… ومع ذلك باءت وتبوء كلها بالفشل مع كل الحكومات والعهود السابقة.. وما يزال الفشل مستمرا وحليف ما يرضخ تحته الشعب من «إصلاحات» حالية تجثم على أنفاسه وتضغط على حياته.. حتى أصبح الفشل معاملا ثابتا في السياسة المغربية..
خلال الفترة نفسها، وخلال المدة ذاتها تقدمت دول أخرى كانت أدنى من المغرب في العديد من المجالات، ومتخلفة عنه، وأفقر منه على مستوى الموارد الطبيعية، نذكر منها على سبيل المثال ماليزيا، كوريا الجنوبية، تركيا، سنغافورة، البرازيل جنوب إفريقيا، وأخيرا إثيوبيا هذه الدولة التي عاشت أسوء فترات الجفاف والمجاعة والحروب التي لم تشهدها دولة مثلها.. وها هي اليوم تحقق معدلات مرتفعة في مؤشرات مهمة في النمو الاقتصادي والتنمية البشرية مقارنة بالمغرب..
فترتيب المغرب هو 120 على أساس مؤشر التنمية البشرية، و124 على أساس الدخل الإجمالي للفرد.
واحتل المغرب المرتبة 86 في مجال الصحة، والرتبة 122 في التعليم، أما البيئة الطبيعية جاء المغرب متأخرا في المرتبة 136.
وحل في المرتبة 89 على مؤشر الحوكمة، و95 على مؤشر الجودة الاقتصادية، والمرتبة نفسها بالنسبة لجودة الحياة. وتذيل المغرب في مجال الرأسمال الاجتماعي في المركز 162.
واحتل المغرب الرتبة 75 عالميا في مؤشر” جودة الحياة الرقمية لسنة 2023 “، وذلك من بين 117 دولة شملها التصنيف، مسجلا بذلك تراجعا بأربع درجات.
وأظهر مؤشر حرية الصحافة للعام 2023، تراجع المغرب الى المرتبة 144 من أصل 180 دولة، بعد أن فقد 9 مراتب (135 سنة 2022).
وهذا ناهيك عن ارتفاع معدلات الطلاق والجريمة، وارتفاع عدد السجناء المهولة قياسا مع باقي دول العالم، وتضاعف بناء السجون، وتراجع بناء المدارس والمستشفيات.. وارتفاع نسبة الهدر المدرسي والفوارق الاجتماعية، وضمور الطبقة الوسطى، واتساع دائرة الفقر والهشاشة.. وارتفاع المديونية إلى أرقام مهولة..
فكيف تقدمت تلك الدول؟ وكيف انتهى بالمغرب إلى الوضعية الحالية والمراتب المخجلة والكارثية في أغلب المجالات؟ ومن يتحمل مسؤولية كل هذا؟
فإذا كانت الدولة والأحزاب الإدارية الموالية والتابعة لها تتهرب من الجواب عن هذا السؤال، والأسباب معروفة طبعا.. فإن النخب السياسية وأحزابها الوطنية لا يشفع لها أي مبرر أو عذر من أجل الوقوف وقفة حقيقية وصادقة وشجاعة من أجل بحث أسباب متتالية الفشل التي راكمتها الدولة المغربية في حق الوطن والشعب.
يبدو أن الجواب عن هذه الأسئلة بالصدق والصراحة والشجاعة اللازمة محفوفة بكل أنواع المخاطر، الأمر الذي دفع بالفاعل السياسي النأي بنفسه عن خوض مغامرة البحث في الأسباب الحقيقية.. واكتفى بتوجيه سهام نقده ومعارضته على هوامش الأزمات، بسقف متدن جدا من الخطاب، ليساهم بذلك في حملة التضليل والإلهاء التي تُمارس على الشعب المغربي..
قررت كل النخب والأحزاب السياسية والثقافية التي اختارت عن طواعية المشاركة في المشهد السياسي العام – عن خوف وجبن، أو عن تواطئ وتآمر، أو عن عجز وضعف – الابتعاد والخوض والكلام عن أنوية الفساد ومراكز الاستبداد، لما يحمل ذلك من تهديد لها، وخطورة على حرية ومصالح بعض أصحابها.. تحت ذريعة «الإصلاح في ظل الاستقرار»!! أو عدم الجدوى!! أو عدم الاختصاص!! أو أي مبرر آخر يتم استعماله للتغطية على الجبن والعجز والخذلان.. والتخفيف من ألم الضمير..
فمعظم هذه النخب السياسية والحزبية التي كان لها نصيب من ممارسة «الحكم» ولو شكليا وفي حده الأدنى، اقتربت من العديد من المجالات التي من خلالها استطاعت التعرف على بعض أسرار الدولة وخبايا إدارتها.. فتكونت لها صورة قريبة من الحقيقة والواقع، حقيقة الفساد والاستبداد.. أنويتهما ومصدرهما ومنافعهما وقادتهما.. ورغم ذلك قررت الإحجام عن الكلام وامتنعت عن مصارحة الشعب بأصل وأسباب معاناته.. فأين يمكن أن نضع هذا الموقف وهذا التصرف؟ هل في خانته التعقل؟ أم في خانة النفاق؟ هل في خانة الحكمة والتبصر؟ أم في خانة الخيانة والجبن؟
لا داعي لأن نذكر بالوعود التي أعطاه كل حزب للشعب قبل وأثناء الحملات الانتخابية، ليتراجع عنها كلها عندما تسلم ما تيسر له من حقائب وزارية.. فبصرف النظر عن كون بعض الوعود كانت كاذبة وخادعة من أجل جلب الأصوات، وبعضها كان صادقا في تلك الوعود، حالما أو واهما في تحقيقها، فكل هذه الوعود اصطدمت بحائط الواقع الذي تحطمت عليه كل تلك الوعود والأحلام والأوهام.. ووجدت الأحزاب نفسها تطبق مشاريع وبرامج لا علاقة لها بها، ولا بما وعدت به الشعب، ولا بتلك التي قضى قادتُها وأطرُها الأيام والليالي الطوال في سبيل إنجازها وإخراجها للناس من أجل إقناعهم بالتصويت عليهم..
أنا أتساءل، كما يتساءل ملايين المغاربة؛ ما فائدة أن تنفق هذه الملايير من أموال الشعب على حملات انتخابية من أجل الترويج إلى برامج أصبح من المعروف أنها لن ترى النور؟ ومن أجل وعود أصبح معلوما أنها لن تتحقق؟ ومن أجل تشكيل حكومات أصبح من الثابت أنها لا علاقة لها لا بالحكم ولا بالسلطة؟ ويكفي الرجوع إلى تصريحات كل رؤساء الحكومات ما بعد دستور 2011 في هذا الباب..
لذلك، لابد أن تمتلك الطبقة السياسية والثقافية الشجاعة الكافية لطرح الأسئلة التالية؛ أين الخلل؟ وإلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وهل هذا الوضع طبيعي بالنظر إلى تاريخ المغرب العريق، وموارده الطبيعية، وثرواته البشرية، وموقعه الجيوسياسي؟ فمتى تأتي هذه الشجاعة؟ ومن أين لهم بها؟
المغرب تجاوز نصف قرن عن تحقيق استقلاله العسكري، واقترب من ثلاث أرباعه عن تلك المدة، دون أن يضع قدما واحدة كاملة في ساحة استقلاله الاقتصادي، وسيادته السياسية، وحريته الكاملة في مجالاته الترابية والجوية والبحرية، ولم يلتحق بعد بقطار النمو الاقتصادي على غرار الدول التي ذكرت، ولم ينجح في تحقيق مؤشرات مشرفة في مجالات التنمية البشرية وحرية التعبير والتعليم والصحة… فمتى يقف الجميع، ولا سيما الطبقة السياسية والثقافية الجادة، من أجل البحث الجاد والشجاع عن أسباب هذه الإخفاقات؟ ولماذا يتهرب الجميع من طرح الأسئلة المنتجة، ومحاولة إيجاد الأجوبة الصادقة والحقيقية؟ ألا تروا أن السبب الحقيقي هو الخوف، ولا شيء غير ذلك.. الخوف من التعرض لمكروه أو فقدان مصلحة..
خذ وقتك عزيز القارئ في التأمل، في التاريخ والواقع والمستقبل.. خذ وقتك قبل الجواب!