المغربي (1/2)

25 يونيو 2024 18:58

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

** تعريف إجمالي:

الإنسان المغربي ليس جسدا بسيطا، بل هو مزيج من عنصرين أساسيين هما: الأساس البربري، ومساهمة الإسلام، ويختلف تماما حسب استقائه من المدينة أو من لَبْلاد، بحيث تكون من الأخيرة أقرب للخلفية البربرية من المستقاة من المدينة، التي تكون أكثر تأثرا بمساهمة الإسلام، بيد أنه لا يمكن فصل العنصرين عن بعضهما، فالمسألة تناسبية فقط.

دعونا نأخذ الخلفية البربرية، حيث تبدو بارزة أفضل في المناطق التي هدأتها قواتنا، في زوايا الجبال النائية، حيث لم تظهر بعد الأسلمة والتعريب، ودعونا نضع هذه الشخصية في إطارها البدائي.

تخيل هذه المناظر الطبيعية القاسية، في الأطلس المتوسط، أو الكبير، هذه الجبال الجرداء، المتعرجة بقساوة، التي تغطيها الثلوج طيلة أشهر الشتاء الطويلة والتي لا تترك للحياة الحيوانية والبشرية، سوى أماكن بائسة، ومهددة باستمرار.

أنظر إلى أسفل المنحدر ترى قصبة القايد الفاخرة، وعند قدميها، القرية الصغيرة، المبنية بالطين اللبن المدكوك، حيث يختلط الرجال والحوانات.

نحن لا نخرج إلا مسلحين: الحراث الذي يدفع محراثه، والراعي الذي يراقب قطيعه، والرجال الذين يذهبون إلى السوق، والبنادق بأيديهم، فلا يسعنا إلا أن نرتجف قليلا في البداية، عند اللقاء المفاجئ بهؤلاء الرجال الملتحين، طوال القامة، النحيفين، نحافة الكلاب السلوقية، المدبوغين، مثل الطين، بعون الطيور الجارحة، المشتعلة.

نحن هنا بعيدون عن مسلمي المدن، الممتلئين والمبتسمين، والمخنثين، نحن بين رجال المغامرة، بين محبي البارود والعراك، نحن في زمن حروب يوغرطة،

ما يهيمن عند هذه الكواسر -الكل يدل على ذلك- هو الحيوية، وأعتقد أن هذا قبل كل شيء، هو ما يجبرنا على التعاطف.

بالنسبة للعمل اليومي، فهم مزارعون محليون، مزارعون من مناطقنا الأكثر حرمانا، وهذا يوضح كل شيء، ستراهم يحرثون يزرعون، يحصدون، تحت أشعة الشمس القاسية يفرشون محصولهم في مصاطب على سفوح الجبال، ويقطعون الكيلمترات للوصول للسوق.

إنه مشهد القوة والضمور الذي يأسرك، شيوخ ورجال، نساء وأطفال، الجميع يعمل حسب قدرته، بل فوق قدرته، أحيانا بصمت، وأحيانا وهم يرددون الأغاني، شعائر زرعت فيهم، أو جلبت لمواقع عملهم، من سوس أو الأطلس، سواء كان العمل في البناء أو الطرق، أو السكك الحديدية، في المغرب المتحضر، إنه نفس الحماس للعمل، ونفس التطبيق النشط.

كل شيء فيهم، يتنفس عادة المجهود البدني: عضلاتهم مفعمة بالحيوية متل الينابيع، وافتقارهم إلى السمنة، وملابسهم المكونة من بعض خرق، مما يترك الجدع نصف عار، ويكشف عن الركبتين.

وحتى في طريقة استراحتهم، فإنهم يختلفون عن سكان المدن المستعربة، إنهم يجلسون على الأرض، مثل سكان المدن، ولكن بينما كان سكان المدن الذين يتدربون على تلك الجلسة، أثناء إقامتهم في المدرسة القرأنية، وفي الصلاة، حيث يجلسون على أرجلهم المنحنية، مثل الخياطين، فإن بربر القرية يجلسون بطريقة فلاحينا، الركبتين على مستوى الذقن، والأيدي مشبوكة في الأمام.

علاوة على ذلك، فإنهم لا يسيئون استخدام هذا الموقف غير المريح، وعندما يضمنون الحصاد، وعندما تترك لهم أشغال الأرض، أو تربية الماشية، بعض أوقات الفراغ، يكرسون أنفسهم لمهن أخرى لا تقل أهمية:

الحرب وقطع الطرق، وهما بشكل عام عمل واحد، ونفس العملية، فتتحول طاقتهم إلى عنف، إلى صبر، إلى شجاعة، لا أعتقد أنه يمكنك العثور على شعب أكثر شجاعة من هؤلاء، وجنودنا المساكين، يعرفون ذلك جيدا.

إنها حرب صعبة هذه التي تتواصل على سفوح الأطلس؛حرب الكمائن، في هذه البلاد الرهيبة، التي هي بامتياز ؛بلاد المزالق والعقبات، والرجال الجريؤون غير المتخيلين، الذين يصعب صدهم.

ولكنها أيضا؛ هي حرب انقضاض، وصراع حتى الموت، ضد الرجال الذين يدفعونهم لأعلى مرتبة الإستخفاف بالحياة، عرايا تماما، والخنْجرُ بين أسنانهم، يزحفون ليلا تحت الأسلاك الشائكة، ويأتون لطعن حراسنا، عند إشارة إشعال النيران على القمم، إنهم يتجمعون بسرعة لا تصدق، ثم ينقضون على القوافل، يسيرون تحت وابل رشاشات المدافع، ويثبون كالمجانين على الذبابات فهم مخيفون أكثر من كونهم خطرون، فهل يحضون بالسلام من جانبنا؟

إنهم يخوضون حربا من قبيلة لقبيلة، حتى في النواحي الخاضعة لنا، السلطات المحلية أحيانا-بكثير من الأسف- تستمر في إخفاء تحركهم المسلح.

*** نساء المغربي:

النساء لسن أقل حماسة من الرجال، فأثناء الحرب، تقمن بنقل الجرحى والمصابين، وإيصال الذخيرة والمؤن، للمقاتلين والمراقبين، والتقاط علب الرصاص الفارغ، لإعادة حشوه واستعماله، وعندما يظهر الجبن على أحد الرجال، تعيرنه، وتقرعنه، وتصبغن لباسه بالحنى وتربطن كومة من القش بذيل حصانه، وترددن أغاني الحرب، أغاني الغضب، والكراهية والدم، فيرضع الأطفال طعم الحرب في حليب أمهاتهم.

ومن الطبيعي أن تؤدي هذه العادات القتالية على المدى الطويل، إلى تكوين شعور قوي بشرف الحرب عند البرابر، التي يستمدون منها الشجاعة، المتحولة في بعض الأحيان، لعادة نكران الذات؛ إنه حقا خلق نبيل.

لكن في عمق هذه الحيوية -سواء تجلت في شكل حراثة الأرض، أو في شكل قتال العدو- تكون المنفعة المادية هي الغاية المراد تحقيقها.

فالحرب بالنسبة لهم، من حيث المبدإ، ليست سوى مشروع اقتصادي، كالحرث والري.

دعونا لا نتسرع في الحديث، أو لنحتاط في التوصيف.

-الأقوياء كعبد الكريم، أو جان دارك، أو الكاهنة-

حرب الاستقلال التي بالفعل يغيب عنها الشعور الوطني، في نهاية التحليل، هي حرب قطاع الطرق التي تتعرض مشاريعهم للتهديد، بسبب السلام الفرنسي، وخير دليل -وهو في الواقع أمر يثير الدهشة- أنه بمجرد ظهور تفَوُّق الخصم على الوجه المطلوب، وإشباع كبرياء المحارب، يصبح المتمردون رعايا خاضعين تماما.

تاريخنا بالمغرب لم يسجل ثورة واحدة علينا، ، وسيكون سادجا، من يعتقد بأن ذلك من ثمار إدارتنا.

بل الأفضل من ذلك بكثير، هو البحث في الكيفية التي جعلت المنشقين عنا في اليوم السابق، حلفاء مخلصين لنا، وخاضعين لأمرنا، بشكل مثير للإعجاب، ومن يوم لآخر، يأتون إلى جانبنا، ويقاتلون من أجلنا، ضد زملائهم الذين ما يزالون في حالة انشقاق.

إنه في الواقع المصلحة، هي الوحيدة التي على المحك،

وتتمثل في:

ضمان ملكيتهم للأرض، واحترام عاداتهم، ومن غير هذين المحددين، لا شيء يحركهم.

هؤلاء البرابر سواء في الجبال، أو الغابات أو الهضاب الوعرة، ذوي الوجوه المُحَفَّرَة، المُحيطة بِلِحًا رفيعة، قصيرة الشعر كالعِقْد، حسهم العملي في بعض الأحيان، يجعلهم يتسَلَّوْن بعقد مقارنة، بين من تتحقق مصالحهم المباشرة معه.

فمن المؤكد على الأقل، أن خصوصية البربر التي نجدها عبر تاريخهم، والتي حتى اليوم تجعل عملنا من أجل التهدئة ممكنا، هو أن اهتمامهم ينصب باستمرار على مصالحهم المباشرة، في القانون الذي نقترحه عليهم، فهم يبحثون على الفور، في الضوابط التي ستفرض عليهم -لقيام مجموعة موسعة-مقدار تقييدها لحريتهم في العمل، أي حريتهم في الكسب.

في الماضي قام البربر في كثير من الأحيان بمساعدة الطامحين للتّـسلْطُن، في التمرد على السلطان القائم لانتزاع السلطة منه، لذلك فقياد الحرب عندهم بصفة عامة، سريعوا الزوال، محدودوا السلطة، وخاضعون للمراقبة الدقيقة، وعندما يكتسب القايد أهمية، ويستمر في منصبه، فذلك لأن الخطر ما يزال قائما، وأن شخصيته تتجاوز المستوى المتوسط، ويتعين عليه الإستمرار في القتال، يوما بعد يوم، وخطوة بعد خطوة، للحفاظ على سلطته سليمة.

وفي حياتهم الإجتماعية، يسود نفس المبدإ؛ حيث تتم مناقشة المصالح العامة، أو الخاصة، بحدة في العديد من المجالس، من قبل كبار السن بمفردهم، ولكن تحت أعين الجمهور، وهذا هو بالضبط ما ينبغي إدراكه، عن موضوع ديموقراطية البربر، إنها مختلفة تماما عن ديموقراطيتنا، فهي لا تقوم على الشعور بالقيمة الإنسانية، والكرامة الفردية، لأنها ليست سوى مظهر من مظاهر عدم الثقة، واحتياطا ضد شهية الجيران، وهو ما يسمح لنا بتطبيق كلمة توكفيل “إن الشغف بالمساواة ليس إلا شغفا سريا وعميقا، بعدم المساواة”.

واستنادا لقوة هذا المعنى العملي، نقول بأنه مايزال بإمكاننا أن نفسر جزئيا وضع المرأة، المختلف تماما عن ذلك الوضع الذي عند العرب.

*** المرأة البربرية:

المرأة البربرية ليست منعزلة، ولا حتى محجبة، تمشي بحرية، وتعمل في الحقول، وتذهب أحيانا وحدها للسوق، وتتبع الرجال للحرب، إنها فخورة بتألقها، ورائعة بمجوهراتها الكبيرة الحديدية، وتاجها البسيط، ولفائفها الثقيلة، إنها كائن مختلف تماما-كائن من نوع آخر-عن القطة الصغيرة البيضاء، والوردية لحريم فاس، والرباط السمينات باللحم المقدد، المتخومة بالحلويات، المزينات بألوان زاهية، تحت الغطاء السميك للحجاب، دوات الدلال الطفولي.

للمرأة البربرية أهمية في الأسرة، بخلاف تلك الفتنة الأنثوية بالمدن، فهي تشارك في الحياة الإجتماعية بأكملها، تتحدث بصراحة، ويتم الإستماع لها، وما يكسبها هذا الدور الهام بلا شك، هو الخدمات التي تقدمها، إنها حيوان رائع للخدمة، والحمل، والبربري ليس غبيا بما يكفي، حتى يخفض إنتاجه، فيغلق على نسائه في غرف الحريم.

نحن نرى أن النسوية عند البربر غير نقية أبدا، لكنها هي نفسها، إذا ما قارنا تجلياتها الحالية مع العادات العربية،

ولا داعي للإصرار على أهمية الوضع الأخلاقي للنساء، في أداء الوظيفة المجتمعية.

*** صفات البربري:

لندهب بعيدا: هذا شعب خصوصي، هذا شعب حماسي، يحارب باستماتة، وهو في أعماقه، وفي الأوقات العادية، ليس متعصبا، ولا كارها للأجانب، لأنه يعرف جيدا بأننا مختلفون عنه، ولا نفكر مثله، طالما أننا لا نزعجه، وبصورة معقولة تماما، حينما يمكننا أن نكون مفيدين له، ويجب أن نتذكر هنا، الطريقة التي يأتي بها المنشقون، للانضمام إلى المنتصر.

هناك بالتأكيد القليل من هذا التخدير، وفقدان الذاكرة عند البدائيين، مما يمنع الضغائن الطويلة لذيهم، لكن هناك خاصة الحالة الذهنية للرجال، الذين لا يغرقون في المشاعر، والذين يبحثون في جميع المناسبات على مصلحتهم الخاصة، لأن التعصب والتزمت، متـى وُجِد وحَيـَى، وتُجُوهِل أو غُضَّ عنه الطرف، انطوى على تضحيات غير محدودة، وهو ما لايكاد يتوافق مع مجريات الواقع، فضلا على أنه ليس في متناول الجميع.

لذلك فالبربري متحمس للقتال، لأنه يقاتل من أجل أهداف معينة، لكنه غير متعصب، بأي حال من الأحوال.

إن ذكاءه المحصور في دائرة ضيقة من الإهتمامات المادية، لن يجعله يركب السحاب، أو يتداخل معه أبدا، إنها اهتمامات لا تعتمد على مفاهيم واسعة، أو تجريدات، وتأملات، تجعله يحلم ويتخيل، تعبيراته القصيرة والجافة، تثبت بشكل واضح، أن اللغة العربية عنده مشروع بطولي؛ وأن تعلم اللهجة البربرية ما يزال أيضا أمرا جديرا بالتقديرعنده، ولكنه على كل حال أقل صعوبة.

بقليل من الخيال، ليس هناك قلامة رغبة لتشييد أفكار، ولا قدرة على التفكير الموسع :فقط كل ما يجب التفكير فيه هو العمل الفوري والتقليدي، وبالمقابل ودائما بفضل نفس الميول العملية، وسهولة الإدارة المواكبة أحيانا، وحيوية الذكاءالتي تجذب؛اهتمامات البربري باختراعاتنا الأوربية كثيرا، فهو لم يجرب التقدم الآلي، هذا العجب الجذاب، ، هذا التأثير الديني، ولا هذا الخضوع الذي يفرضه عليه، من غير أن يفهم أبدا بم يتميز.

مثلا بعض السكان السود في إفريقيا الغربية، أو الوسطى بمجرد انتهاء الخوف الأول من الآلة، يقتربون منها ليروا ما يمكن أن يجدوه فيها ليستوعبوه، وسرعان ما يهتدون لأسلوب، يبذلون جهدهم فيه، لامتلاك تقنية استخدامها، لكن بحذر وتوجس، يحد من سرعة تبييئها، لأن التغيير الذي نستعجله يتطلب جهدا لا يكون دائما مناسبا للبيئة التي نريد فرضه عليها، ولا تستحق بالضرورة هذه الأساليب التقليدية.

هذا هو الحال بالنسبة للإبتكارات الفلاحية، التي يكون عدم الترحيب بها بحماس محقا، فهو يفهم أفضل مما نعتقد، إذ من السهل عليه أن يجد الوسيلة للإنتقاد، ولا يسير إلا مع ما هو مؤكد، لأن ذكاءه يتوقف عند ذلك الحد، ولا يقوم بمجهود عقلي إذا تُرِك لنفسه، فيسقط بدوره في التقدم الذي أحرزه بالمحاكات، في خناديق التقليد الثابتة، فيقوم بتثبيتها وبلورتها، ولا يعمل على تطويرها، وكأنه ينتظر تدخلا خارجيا جيدا، يقوم بتكييفها، وهنا أيضا ينقصه الخيال، الذي يشله ويمنعه ليس فقط من الإبداع، بل من الإستمرار فيه، ولذلك لاتقوم أقوى الثورات الفكرية، والأخلاقية، والعلمية، والتقنية، أبدا عند البربر إلا كاستيقاض عابر، يضيعون في جفاف حضارتهم، كما تضيع مياه واد في الرمال، كل ما تدفع به، قليل من الإخضرار، وهو كل شيء، ثم يستعيد الجفاف سيادته.

يظهر هذا النقص في الخيال الإبداعي بشكل جيد في الأدب البربري، لأن هناك أدبا بربريا، حصريا شفهيا، وهذه حقيقة، ولكنه حي ونسبيا غزير.

بل إن هناك شعرا بربريا ذو طابع شعري واضح، بتقنياته وإيقاعاته، وطوله وقصره، وتركيبه ومفرداته ويتكون بشكل أساسي من أغاني الشعائر: ليلة الزفاف، أغاني الإحتفالات الموسمية، أغاني الجنائز أغاني العمل، أغاني الحرب، وهي عموما مقطوعات قصيرة، يرتجلها رجال أو نساء، ثم يتم تثبيتها، ولكن في الإلقاء غالبا ما يتم توجيهها أحيانا من قبل قائد أركيسترا، رايس، قد لا يكون بالضرورة محترفا، إنما قد يكون مغنيا عاديا، موهوبا أكثر من الآخرين.

نحن هنا أمام شعر شعبي حقيقي، معبر جدا عن الروح الجماعية، -لكنه على الرغم من من بعض الحتميات الموجودة- هو شعر قصير جدا، وجاف جدا، والذي نادرا ما يرتقي.

وفي نهاية المطاف، نجد أكبر ميزة في الأدب البربري، ليس هو الشعر، ولكن الحكي والأساطير، حكايات رائعة، ذات طبيعة سحرية، أساطير تاريخية، وسير الأولياء وخاصة حكايات مبتذلة حول النساء، حول المتدينين حول المرابطين المزيفين، حول السذاجة، حول الحماقة الإنسانية، عن مغامرات القبايل المشهورة بغبائها: على سبيل المثال أولئك الذين يأتون إلى مراكش يشترون الصابون، ويفكرون في شراء العسل، ودون تفتيش الخ فهو إذن أدب خرافات، وأحيانا فجٌّ، تحركه سخرية متوحشة، مما يجعلنا نقول، بأنه يفتقر لنكهة مميزة، لكنه من الأرض وإليها، غير مسبوك، وقح، مُقَمَّط بحس عملي، وقلق فوري، مثل كل ما يأتي من الإنسان البربري.

ومثل الأدب البربري، يتمتع الفن البربري الخالص على وجه التحديد، بصفات راسخة، لكنه بشكل عام يفتقر إلى التحليق، لافتقاره للخيال، إنه نفس الفن القروي، يقتصر على المفيد، والثابت لحد ما، وخاصة المطبق على المواد الموجودة في الموقع، السجاد والفخار، والأسلحة والمجوهرات، إن زخرفة كل هذه المنتجات، من الفن البربري، مميزة للغاية، وهو ينتج عن تجاوز الزخارف الهندسية، في نطاقات متحدة المركز او موازية، الأسنان والصلبان، الزخارف الخشبية، والمثلثات والمربعات الخ، والتي عموما، تقصي جميع صور المتحركات، والمعمار حتى في النواحي أو كل المنازل المبنية بالحجارة، يتم اختزالها إلى أبسط أشكالها: أربعة حيطان وسقف، دار القايد تقوى بقصبة، لا تخضع خصائصها إلا لمتانة بنائها، وبساطة جدرانها التي لا تحمل تفاصيلها زخارف، إذ هي نادرة بها للغاية، وفي المجمل تبقى قريبة من الصناعة التي نهواها، من خلال مظهرها البدائَي، أكثربكثير من اكتشافاتها للأشكال والأنساق.

ونحن نتوقع أن المظهر العظيم الآخر للروح الجماعية وهو الدين، الذي سوف يظهر نفس المحدودية، فقد كان البربر مسيحيون، في وقت كانت فيه كنيسة إفريقيا قوية، لكنهم كانوا أيضا يهودا قبل وأثناء وربما بعد ذلك، واليوم هم في الغالب مسلمون على الأقل بالإسم.

خاصة أن البربري موهوب، بشكل ملحوظ، في تحويل الأديان التي يتبناها إلى بدع، يستوعبها بطريقته الخاصة حتى اليوم، على الرغم من أنه من المؤلم له أن يعترف بذلك، فالبربر هم شعب فرنسي منشق…

يتبع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنظر: جورج هاردي: le marocain

في: annales de geographie n:202/1927

(ص:636-340)

ملاحظة: العناوين الداخلية، من وضع المُترجم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M