المغربي (2/2)

28 يونيو 2024 00:03

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

البربر شعب فرنسي منشق!!!!؟؟؟

…فإن البربر هم شعب فرنسي منشق، ولم يأخذوا من دين المسلمين إلا المظهر الخارجي، وليس الشريعة، في حين، أن مبدأ هذه العقيدة نفسه، هو الاتحاد الحميم بين الشريعة والممارسة، إلا أن الممارسات في أغلب الأحيان، تتدنى للحد الأدنى.

ففي العديد من الأماكن التي لا يوجد بها مساجد، ولا تقام فيها الصلاة، ما يزال هناك الكثير ممن يرفضون تبني الشريعة الإسلامية، واتباعها بشدة، كجوهر مختلف تماما، يعيش خارج تعاليم القرآن، فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، ونظام الميراث، والمعاملات، مما يجعلنا نصفهم بأنهم متأسلمون، وليسوا مسلمين.

وسواء كان البربر متأسلمون أم لا، فإن أساس تدينهم هي: الروحانية، السحر، والشعوذة، عبادة الحجارة، والأشجار، والحيوانات، والاعتقاد بالعمل المستمر للجن، مثلما نجد ذلك حيا بشكل فريد، في كل العناصر الأساسية للأديان الروحانية.

وفي نفس السياق، تحتل عبادة الأولياء، عند البربر مكانة كبيرة، إنها رسالة حقيقية، موجهة للأولياء المتوفين، وإلى أولئك الذين يعتمدون على المزايا الأكثر تنوعا: العِلْم، الأعمال الصالحة، والسمعة بالعدل، والزهد، والممارسات، لكن أيضا الجُنون، وكذا الحماقة.

هناك عدد لا يحصى من المقدسات في البلاد، وغالبا ما تكون مصاحبة لمنبع، أو صخرة، أو كهف، مما يشهد على العلاقة الوثيقة والمستمرة، بين كل العناصر الأساسية للأديان والروحانية.

في كل هذا، هناك القليل جدا من العاطفة، ولا يوجد أي انفصال ذاتي، حتى عن الخيرات الدنيوية، بل بالعكس من ذلك، هناك التقاط للقوة الخارقة، لتسخيرها من أجل مصلحة الفرد، أو المجموعة الاجتماعية، وجعلها بإجمال، ديناَ جدُّ عمَلي للناس.

ونحن نرى أنه بعد هذه الشدة، وقساوة طبيعة البرابر، يبقى مكانا قليلا لوجود الحساسية، لذلك هناك جرائم عاطفية عند البرابر، وحتى جد متكررة، لكنهم ليسوا عاطفيين على ما يبدو.

يجب البحث عن الأصل في خداع الملاكين، بالمصالح الدنيوية، وليس في المشاعر البحتة، وللسبب نفسه، البربري يصعب عليه تملك الشفقة والرحمة، فهو شرس عن طيب خاطر، عبر استخدام العنف، بدلا من السادية، والمظهر الوحيد للحساسية الذي يهمه حقا، بصرف النظر عن المشاعر العائلية، والإحساسات الفياضة، إنها شهية المتعة المادية، التي تظهر في الوهلة الأولي بالنسبة لي كشهوانية فائضة، في الملذات العاطفية، لذلك لا تبدوا قسوة الحياة، دائما واضحة للوهلة الأولى، لكنها تتضح بمجرد أن نتعرف عليه قليلا.

ومن الواضح أن هذه السمة البربرية، ليس لديها ما يمكن أن نسميه، الروح المشرقية، أو الروح الشامية.

نحن هنا في أقصى الشمال الغربي من إفريقيا، بمنطقة معزولة، والروح التي ولدت، والتي ترعرع غرسها، في هذه العزلة القوية، أتت إليها من أعماق المشرق، كهَبَّة قوية، إنه الإسلام، فكيف ستتصرف معها ؟

سيكون من الصعب للغاية تحليل التكيف الغامض للحياة الإفريقية، التي تشكل مضمون الإسلام، ومع ذلك، فإن القليل من الأديان، تظهر مثل هذه القدرة على التوسع، وتتمسك بقوة أكبر، بأولئك الذين تمَّ لمسهم فقط.

ومن ناحية أخرى، لا يمكن لأي تأثيرات مساهِمة، أن تكون أكثر اكتمالا، أو أكثر تماسكا، أو أكثر إغراء، لأن الإسلام دين بسيط، وجذاب، وقانون مدني، وقانون عقوبات، وسياسة خارجية، وأخلاق، وفلسفة مقْنعة،

وأنماط تفكير، تضفي طابعا محددا على العلم، وحضارة مادية مكتملة.

الإسلام ليس مجرد دين، بل هو عالم، ويبدو أن أولئك الذين يصلون إليه، ملزمون بالانغماس فيه، وقد تحقق ذلك بقدر كبير في المغرب، وخاصة المغرب الحضري، أي المغرب المسلم حقا، وهو في كل الأحوال، الانطباع الذي يتركه الاتصال الأول.

عندما تصل إلى المغرب، وتتجول في شوارع المدن القديمة، تعتقد أنك تسافر في قلب الإسلام.

كما تجد مسجدا عند كل منعطف، مع منارته المبلطة بالزخارف، والنظرة التي تلقيها من خلال الباب نصف المفتوح دائما، تجعلك تدرك فجأة، غرابة هذا الدين، ترى على الأرض المغطاة بالحصير، أعدادا من الناس تسجد، أو تتلوا القرآن، وآخرون يدخلون للصلاة، وآخرون يخرجون من المسجد، بعد أن أدائها، متأبطين زرابي الصلاة، تحت أذرعهم، وهكذا هم دائما ذهابا، وإيابا، منه وإليه.

ألف أنشودة، تنعش البيت الإلهي، بعيدا، أكثر، هناك هدير المدارس القرآنية، حيث يجلس الأطفال الصغار القرفصاء، حول المعلم، ويحفظون عن ظهر قلب، آيات الكتاب العزيز القرآن.

وهناك المقابر في العمق، مؤثرة بشكل لا يصدق، حيث يسير حشد من ذوي السلاهيم، يتجولون بينها في أيام الجمع، كما في الحدائق، ويجلسون على المقابر الحجرية، ويتحدثون بهدوء.

هناك شهر رمضان، وعيد الأكباش، وتدافع الناس حول السلطان، وهم ملتزمون بالشعائر بدقة، أما أولئك الذين يتهربون من الصيام، والذين يشربون الخمر، فإنهم يعاقبون ويهانون.

لنأت إلى المرأة؟ علبة مغطاة بقماش مثقوب من جهة الوجه، كنافذة ضيقة، حيث تشرق منها عين قلقة.

الأطفال؟ رجال صغار جادون، يتحركون في كل مكان، لكن في نظام مُحبَّب.

التجار الذين ما زالوا يشعرون أنهم في المسجد، واقفون. الحرفيون الذين أغلقت مشاغلهم، يتصرفون بانتظام شديد، كأداة للذهاب إلى الصلاة.

في كل مكان أيضا لمسة للفن، والرفاهية، والزهور والطيور، والموسيقى، والعطور، والألوان – لغاية الزاوية الأكثر فَقْرا.

احترام العِلم، وتهَيُّب العالِم، والفقيه، وهما مسمى واحد.

والإيماءات الجميلة، وقبلة اليد السريعة، الموجهة إلى العَالم، أو الوزير، الجالس على بغله، أدب رائع يخترق الهواء دائما، كتحليق طائر مألوف :باسم الله، الله يجيب، الله اينوب، “مع السلامة، إلى اللقاء!” إن شاء الله.

ومع ذلك، حتى في هذا الجو الديني، الإسلام المغربي، يبقى أيضا أكثر مغربية، من كونه إسلاميا.

لقد عانى الإسلام بالمغرب من رد فعل البربر، بيد أنه: تكيف، تموقع، ولم يقل شيء عن الروح المغربية، طالما أننا لم نبرز القيمة العددية، التي تشكل المسلمين في البلاد.

تفاعل الشلوح مع الإسلام:

لنتذكر أولا، أن الإسلام لم يغز كل المغرب، وفي كل الأحوال، حتى في النواحي التي حل بها، فإن تأثيره فيها كان على درجات.

أما شلوح الهضاب والجبال، فبقوا ملتزمين صراحة بالروحانية، والممارسات السحرية، وعلى الرغم من اعتناقهم الإسلام، إلا أنهم لم يتخلوا مطلقا، عن معتقداتهم القديمة، فهل الإسلام أطهر في المدن؟

صحيح أن جماهير السكان تبدوا بالكاد، وكأنها يحركها الإيمان الصادق، ولكن بالرغم من أنها تظهر نفسها أنها وفية للشعائر، فإنها تبقى جد مرتبطة قبل كل شيء بإخوانها الدينيين، ذوي الميول الصوفية، التي لا يوافق المسلم المتعلم على روحها وممارساتها، وخاصة الاعتقاد في قدرة الأولياء، والجن، على تحقيق الرغبات وتلبية الطلبات، في أكثر أشكال الأنثربولوجيا سذاجة، التي تصاحبها ممارسات سحرية، أكثر تطورا وحيوية من كل ما تبقى منها في شمال إفريقيا.

دون الحديث عن طقوس السحر الأبيض أو الأسود، المتسربة في باقي التعاويذ، التي يمكن ملاحظتها بشكل هام في كل وقت، مرتبطة أكثر بالاعتقاد في الجن والسحر، ومهيمنة على الحياة اليومية.

على سبيل المثال، يحدث كل يوم أن تنزعج السيدات الأوربيات من البطء، والحماقة، التي يمارسها الخدم المحليون، في تنظيف الشقق، تمر المكنسة فوق الأرض، بالكاد تلامسها، ولا تحظى الزوايا، وخاصة الزوايا، بالمراعاة اللازمة في العناية بها أثناء الكنس.

بالنسبة لمنظفة نشيطة، وحذرة نوعا ما، هناك سبب ما للغضب، لأن كل الملاحظات لا تجدي شيئا معها، فالمغربية لا تستجيب، وتفعل ما يحلو لها، لأنها تعرف بأن الأوربي لا يعرف شيئا مما تعرفه، فهي تعرف أن في البيت جن غير مرئـي، لكنه حاضر مختبئ في زوايا البيت التي يفضلها على غيرها، تخيل أن ضربة مكنسة مؤسفة أصابتهم بجروح، ماذا سيقع في البيت من أضرار لساكنيه، إذ سيكون انتقامهم قاسيا، ولهذا السبب يتعامل مع المكنسة مثلما يتعامل مع المروحة، بيد خفيفة ولطيفة.

الحياة كلها، حتى أصغر تفاصيلها يحكمها شعور بوجود خوارق للطبيعة، نحن محاطون بكائنات دقيقة، ودُودَة بشكل عام، ولكنها مؤذية عن طيب خاطر، وفوق كل شيء انتقامية، لا يمكن للمرء أن يتخذ الكثير من الاحتياطات تجاههم، تحالف فريد نراه، هو تحالف هذه العقيدة الإسلامية الواضحة والعريقة، وهذه القاعدة الأرضية التي يحافظ عليها عند البربر، في ظل هذه القضايا والتي تسمح لنا بالحديث عن إسلام مغربي حقيقي.

لكن حتى يكون الأساس الديني القديم الباقي على قيد الحياة، تحت اليد الثقيلة للإسلام، فلا بد من وجود شيء آخر، غير النتيجة الطبيعية للتقليد.

في الواقع إن ما يتفاعل بقوة وبشكل دائم، ضد التأثير الأخلاقي للإسلام، هو طبيعة العرق ذاتها، وهو ما يمكن أن يطلق عليه الحماس البربري.

المغربي (1/2)

الزهد الإسلامي، المساواة الإسلامية، القدرية والاستسلام: ظهور كل هذا، أو على الأقل ظهوره الخادع. إذ لا يوجد قوم أقل تسليما كالمغاربة، هؤلاء هم رجال الأعمال المغامرون، والمنتجون المنهجيون، وأصحاب المبادرة والتقدم، والمثابرون، والجريئون، والمستمتعون، أيضا، ببساطة منزعجون في مشاغلهم من قبل عيبهم العرقي هذا: الفردية والخصوصية والعجز، يضحون بمصالحهم المباشرة من أجل المصلحة المشتركة.

إن شاء الله، إذا سمح الله بذلك، فليكن، لكن المغربي مثل أسلاف البربر، مستعد دائما لمساعدة السماء، حتى تتمكن بدورها من مساعدته.

وما يحافظ على هذه الحماسة، وما يبقي هذه الطاقة يقظة، هو قليل من المشرقية، إنه دائما نفس المعنى العملي، الذي وجدناه في عمق البدائة البربرية. حالمون؟ لا، من دون شك. الشرق لقنهم بعض الصيغ الشعرية، لكن تخيلاتهم ما تزال مشدودة للأرض، هؤلاء ليسو أكثر شعرية في العمق، لأن البربر قبل الهجرة: قادوا قواربهم بحذر شديد، إنهم يحبون الربح الهني باستمرار، ويتابعون بإصرار حب ربح المال بعزم، يتابعون بشدة ربح المال، هذه الفلوس كما يقولون، تحتل مكانة مرموقة في محادثات كبرائهم، ولا يكاد يوجد عالم مشهور، أو شخصية نبيلة، أو جماعة دينية، يعتبر دروسه الغالية هي التي لا تقوده من الأمام، لبعض الصفقات التجارية الصغيرة الجيدة.

ونحن نرى الحس العملي للبربر، في هذا الفن والأدب، الذي اعتمدوه تقليدا للشرق، وبقى معمارها راسخا قويا في أسس مظاهره، وأجمل زهرة لها هو هذا الفن الموحدي الذي يخيم بكل فخر، والذي ندين له ببرج حسان والكتبية في مراكش، والخيرالدا في إشبيلية، خاصة هذا الفن المجدد نفسه، فقد تحول أكثر فأكثر نحو التطبيقات الصناعية، وهذا هو المكان الذي تكمن فيه قوة الابتكار حقا: إذا كانت الفنون الحضرية لفاس ومكناس، ومراكش، مختلفة تماما عن الفنون القروية، من حيث التقنية، وجودة المواد وملاءمة الديكور، تبقى فنون المدينة هذه، والفنون القروية تنبجس من نفس الإلهام، وتستجيب لاحتياجات متماثلة، فهي دائما عبارة عن سجاد وبطانيات ووسائد ومجوهرات، وأواني فخارية، للاستخدام اليومي، مغطاة ببساطة بزخارف مشرقية أو أندلسية.

وفي الأدب الأمر أوضح، لا شيء يتعلق بشكل أساسي بالأدب العربي الحقيقي، المغرب بالطبع ما يزال لديه شعراء، لكنهم ممثلون شعريون وليسوا شعراء، إنتاجاتهم خالية من الذكاء، وبدون اختراع، هنا عندما يريد المغربي إشفاء غليله، يتجه للأدب القانوني: روحه الإيجابية، الماكرة، مرتبطة بالواقع المتحركة فيه بارتياح، ورجل الأعمال الذي يسهر يعتني بكل المغاربة يطلق العنان لجنيه لعبقريته العنان لجنه.

وهكذا فإن جميع روابط ميراثه البربري المرتبطة بالحاضر، تطبق لانتزاع كل ما أمكن من الأرباح والمتع المباشرة من الحياة الاجتماعية، كره المغربي للأجانب عابر، وذلك عندما تكون مصلحته مهددة من قبل هذا الأخير، وبالتالي يعاديه بحماس جيد، ويكون بعد ذلك كارها للأجانب بطبعه المتحمس، لكنه لا يستطيع أن يكون متعصبا.

إن الحس العملي للمغاربة جعلهم يكتشفون لفترة طويلة، أنهم لن يتمكنوا من الخروج من المأزق، الذي سيصبح سريعا، فريسة لرغبات وحشية مرة أخرى، ما لم نكن بجانبهم، لأنهم يعرفون جيدا، ويحكمون بفطنتهم وحسن طويتهم، إنهم يعرفون جيدا أن الفوضى تسري في دمائهم، وأن الخيال الإبداعي مفقود لديهم، وأن مثابرتهم لا تجعل عقلهم يتحرك على الفور، إنهم لا يدركون أن جهودهم في التقليد، تفتقر لهذه القوة التجديدية الفعالة، التي تسمح بتعلم حقيقي، فيعتمدون علينا باستمرار مثير.

في ظل كره الأجانب، والمتعصبين من أمثال هؤلاء، فإن التفاهم سوف يكون سهلا: فما علينا إلا أن نحافظ على سياسة فرنسية جيدة، وفية، ومرنة، وهي السياسة التي اتبعناها حتى الآن، والتي ظهرت نتائجها واضحة.

——————————

هامش للمؤلف

في هذا الموضوع الكبير، نتوقع فقط، أن نجد إشارات موجزة لمؤتمر، عقد في المدرسة الاستعمارية سنة 23/1/1927.

ونحيل القارئ للحصول على بيبلوغرافية للدراسة، إلى العمل الذي نشرناه سنة 1926 في مكتبة لاروس بعنوان: الروح المغربية استنادا للأدب الفرنسي.

تعريف:

جورج هاردي georges hardy ولد في كندا سنة 3/2/1884 وتوفي بها سنة 28/8/1972. مدير مدرسة الاستعمار 1926-1932. عميد أكاديمية الجزاير 1932-1937؛ مدير عام التعليم العمومي والفنون الجميلة بالمغرب.

– العناوين الداخلية من وضع المترجم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M