المغرب المسلم وتضييق العلمانية لمجال تأثير العلماء
هوية بريس – عبد الصمد ايشن
منح الدستور المغربي للدين الإسلامي مكانة متميزة خاصة ما جاء في ديباجته بأن الهوية المغربية تتميز بتبوئ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وأن الإسلام دين الدولة المغربية. ما يغلق الباب أمام كل تأويل علماني يقصي العلماء من التأثير في المجال العام.
لكن محاولة تضييق مجال تأثير العلماء نابع من الالتباس الذي نجده أحيانا في الجواب على سؤال المرجعية بالمغرب، بين من يرى بصريح المرجعية الدستورية أن بلدنا ذو مرجعية إسلامية، وبين من يتحجج بتوقيع المغرب على عدة اتفاقيات دولية للقول بأننا في الطريق نحو العلمانية، ما دمنا نستبدل القوانين الإسلامية بالوضعية.
ومن يقرأ الإشارات الأخيرة التي بعث بها الملك بمناسبة مراجعة مدونة الأسرة، سيفهم جيدا كيف أن المرجعية الإسلامية في التشريع ستظل المنارة الشامخة التي لا يمكن للمغرب دولة وشعبا التفريط فيها بأي حال. خاصة بعد الإحالة الملكية لنص المدونة على نظر علماء المجلس العلمي الأعلى. فالملك حسب الدستور هو “أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين…”.
تعني العلمانية في جانبها السياسي اللادينية في الحكم وفصل الدين عن الدولة، ومعناها الأقرب إلى الصحة هو “الدنيوية” و”اللادينية”، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل، وحساب المصلحة بعيدا عن الدين.
وبالرجوع لتاريخ ظهور العلمانية ببعض دول العالم العربي والإسلامي، نجد على سبيل المثال، أنها دخلت مصر مع حملة القائد العسكري الفرنسي نابليون بونابارت. وقد أشار إليها الجبرتي في تاريخه بعبارات تدور حول معنى العلمانية، وإن لم يذكر اللفظة صراحة. بينما في المغرب، أدخل القانون الفرنسي في البلاد سنة 1913 واستمر العمل بازدواجية المحاكم؛ إسلامية ووضعية مع التدرج في إلغاء الشريعة وتعويضها بالقوانين الوضعية الفرنسية.
وبالتالي لا يمكن أن نتصور علمانية بدون فصل العلماء عن الرأي العام وحشرهم في زاوية ضيقة مثل المسجد في إعادة حية لنفس التجربة الغربية بعدما حشرت رجال الدين في الكنيسة وعزلتهم عن مجتمعاتهم. لنصل في نهاية المطاف إلى واقع الغرب الحالي، حيث التطبيع مع الشذوذ الجنسي على أنه فطرة سليمة وتشجيع استهلاك المخدرات في الشارع العام.
مهما بشَّر التيار العلماني في المغرب بمزايا العلمانية لن يجدوا أذانا صاغية لدعواتهم، فكيف للمغربي اليوم أن يعيش داخل أسرته ووسط مجتمعه دون مرجعية الخير والصلاح التي تغرس في نفسه غرسا بفضل العلماء والشيوخ الأجلاء. لا ينتظر الشعب المغربي الصدف ليحسم تحيزه نحو العلمانية أم المرجعية الإسلامية، بل اختار الثانية منذ قرون، فهي التي مكنت له وسمحت له أن يعيش الاستقرار والأمن والسلام.
وكلما ازداد منسوب الإقصاء من طرف التيار العلماني للعلماء والشيوخ ازدادت شعبيتهم وسط الشباب والأطفال والنساء والرجال، خاصة إزاء التهديدات القيمية الخطيرة الآتية من الغرب، من مخدرات وانحلال أخلاقي وشذوذ على الفطرة السليمة.
العكس الذي يحدث في المغرب تضييق على العلماء وتشجيع المجوس والعلمانيين عبيد الصهاينة