المغرب والجزائر.. إلى إخواننا الذين بغوا علينا

هوية بريس – شريف للسليماني
أوجّه هذه الرسالة النابعة من القلب إلى الشعب الجزائري الشقيق، وخاصة من لا يزال منهم يدعم انفصال الصحراء المغربية.
وسبب توجيه هذه الرسالة إلى الشعب الجزائري وليس إلى نظامه السياسي هو ما أؤمن به من أنّ الشعوب في الحقيقة هي التي يجب أن تصنع السياسة وتحدّدها، والأنظمة إنما تنفّذ إرادة الشعوب. ومن المفروض في الشعوب التي تحترم نفسها أن تفرض قناعاتها على النظام الذي يحكمها، لا العكس!
وحينما أرى مواقف النظام الجزائري من قضية الصحراء المغربية أتساءل، كغيري من المغاربة، عن موقف الشعب الجزائري الشقيق من قضيتنا، ومدى مسؤوليته فيما يُحاك ضد وحدتنا الترابية. طبعاً هناك أصوات من داخل الجزائر لا تساند انفصال الصحراء، ولا يسعني إلا أن أشكر كل هؤلاء، وأحيّيهم من أعماق القلب لوفائهم للروابط الكثيرة التي تجمعنا. لكن، ومع كامل الأسف، فإنّ الصوت الغالب والمرتفع جداً هو الصوت الآخر المعادي للمغرب. فإلى هؤلاء الإخوة الذين بغَوا علينا أقول:
إخواني وجيراني الأعزاء، لقد علّمنا ديننا الحنيف أنّ من كمال الإيمان أن يحبّ المرء لأخيه ما يحبّ لنفسه، وأن يكره له ما يكره لنفسه أيضاً. ومن لازم ذلك أن يحبّ لبلده ما يحبّ لبلد أخيه، وأن يكره لبلد أخيه ما يكره لبلده تماماً. من هنا لا يسعني، بصفتي مواطناً مغربياً، إلا أن أتمنى لبلدكم الشقيق كامل الخير والاستقرار والرفاهية كما أتمنى ذلك لبلدي. وأسأل الله أن يحفظ الجزائر من كل مكروه كما أسأله أن يحفظ المغرب الحبيب.
ومن هذا المنطلق الإيماني والمشترك الإنساني، أُبدي في الوقت نفسه امتعاضي وسخطي من كل التصرفات التي يقوم بها البعض من أبناء البلدين تجاه البلد الآخر، مثل نشر الأخبار السيئة (والتي قد تكون مكذوبة في الكثير من الأحيان) بغية التشفي والتشويه والانتقاص، ناهيك عن أساليب السب والشتم المتبادل التي لا تليق بإنسان يحترم نفسه، ولا بذي لُبّ يحترم عقله، ولا بمؤمن يراقب ربَّه.
إلى جانب روابط الدين والإنسانية التي تحتّم عليّ أن لا أتمنى للجزائر إلا الخير، هناك روابط الجوار أيضاً. كيف لا أتمنى الخير لجيراني، والنبي ﷺ يقول: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن». قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من لا يأمن جاره بوائقه». إضافة إلى هذا النهي النبوي الشديد، فإن استقرار أحد البلدين رهين باستقرار البلد الآخر، ولو وقعت فوضى أو مشاكل -لا قدر الله- في أحد البلدين، فحتماً سيكون الجار أول من يكتوي بنارها!
لذلك، فليس هناك أي مبرر إنساني ولا ديني ولا منطقي يبيح لأي مغربي أن يتمنى الشر للجزائر، ولا لأي جزائري أن يتمنى الشر للمغرب. وكل من يفعل ذلك فقد ظلم نفسه وإخوانه وجيرانه ظلماً مبيناً. ومن أراد أن يحفظ عرضه وعرض بلده فليحفظ أعراض الآخرين!
إخواني الأشقاء، لقد سبق لي أن كتبت مقالة حول العلاقة بين البلدين تحت عنوان: «أليس المغاربة والجزائريون إخوة؟.. فأصلحوا بين أخويكم». وقد حاولت التركيز خلالها على أهمية إصلاح ذات البين وعلى العواقب الوخيمة لحالة عدم الاستقرار بين البلدين الجارين، مع أن أصل الخلاف قضية واحدة، ألا وهي قضية الصحراء المغربية. لذلك سيكون كلامي هنا مركّزاً حول هذه القضية بالذات.
إن قضية الصحراء المغربية قضية شعب بأكمله، وإنكم تخطئون حين تعتقدون أنها مسألة تخصّ النظام المغربي فقط. ومنذ أكثر من خمسين سنة من عمري إلى اليوم، والله ما عرفت مغربياً واحداً يشكك في مغربية الصحراء أو مستعداً للتنازل عنها، مهما كان موقفه من النظام أو من طريقة تدبير الملف.
نعم، هناك فئة من الصحراويين لا ترضى بحكم المغرب وتريد الانفصال، وهذا أمر لا تكاد تخلو منه دولة. وحتى في بلدكم الجزائر، هناك من يطالب بتقرير المصير في منطقة القبائل، وربما في غيرها. فهل يعني ذلك أن كل من طالب بتقرير المصير يجب أن يُستجاب له؟ لو فعلنا ذلك ما بقيت دولة واحدة موحدة أبداً.
ومن بين المبررات التي يسوقها من يقفون خلف أطروحة الانفصال من الجزائريين مسألة الوقوف إلى جانب ما يسمونه “الشعب الصحراوي” باعتباره مظلوماً. أقول لمن يفكر بهذا الشكل: أنتم مخطئون وظالمون للمغرب. فمسألة الصحراء ليست مسألة استعمار، ولو كانت كذلك لحُسم فيها منذ زمان. كل القرارات الدولية تصف الصحراء بأنها منطقة متنازع عليها. أنتم وحدكم -ومعكم من تأثر بكم- من تعتبرونها “مستعمرة”!
لقد دعمتم البوليساريو لأكثر من خمسين سنة، فهل استقلت الصحراء؟ هل تحسن وضع أحد؟ لم يثمر ذلك إلا إطالة أمد النزاع وتعميق الهوّة بين الشعبين، دون أي مكسب حقيقي لأي طرف. بل إن عدداً كبيراً من القيادات والوجوه الصحراوية التي أسست البوليساريو نفسها قد رجعت إلى المغرب واقتنعت بأن الانفصال خيار عبثي لا يخدم أحداً.
في النهاية أقول لكم إخوتي: نحن لا نكرهكم ولا نحسدكم، وإذا صدرت من بعض المغاربة مواقف عدائية فهي غالباً ردود أفعال على ما يعتبرونه ظلماً في حقهم. وأذكر نفسي وإياكم بحديث النبي ﷺ الذي اعتبر فساد ذات البين “الحالقة” التي تحلق الدين. فليتق الله كل من يقول أو يفعل ما يفسد به بين الشعبين.
عاشت الصحراء المغربية إلى الأبد.
وتحية صادقة للشعب الجزائري الشقيق.



