المغرب والسعودية.. خلاف لن يصل لمرحلة القطيعة
هوية بريس – عبد الله النملي (كاتب وباحث)
منذ تصدر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للمشهد السياسي بالسعودية، تمر العلاقات بين المغرب والسعودية بأزمة غير مسبوقة، استخدمت فيها محطتي “الجزيرة” و”العربية” في الحرب الإعلامية بين أقدم مملكتين في العالم العربي، بعد قرار المغرب ايقاف مشاركته ضمن التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن ضد الحوثيين، واستدعائه سفيره في العاصمة السعودية للتشاور. وقد التقط المراقبون إشارات الخلافات الحادة منذ أشهر طويلة، بعد اندلاع الأزمة القطرية وما تلاها من خرجات غير محسوبة من مقربين من ولي العهد السعودي. وبذلك تكون السعودية قد خسرت حليفا كبيرا مثل المغرب، ينضاف إلى علاقات متوترة مع العراق وسوريا، وباردة مع تونس والجزائر والسودان، وتدهور العلاقات مع الأنظمة الملكية العربية في الأردن والكويت وعمان. ونعتقد أن خلفيات الأزمة السعودية المغربية يمكن رصدها في المؤشرات التالية:
1- بدأ المغرب يبتعد تدريجيا عن سياسة السعودية، ومن ذلك عدم الانخراط في محاصرة قطر أو سحب السفير منها، بعدما قررت دول الخليج وأساسا البحرين والسعودية والإمارات ثم مصر سحب سفرائها وشن حصار على هذا البلد الخليجي. وبعد صمت خرج المغرب ليعبر عن موقفه من أزمة الخليج عبر بيان لوزارة الشؤون الخارجية، حرص فيه على مسك عصا الخلاف من الوسط واختياره الحياد وعرض دور الوساطة لحل الأزمة، من خلال “الاتصالات الموسعة التي قام بها ملك البلاد مع مختلف الأطراف منذ اندلاع الأزمة”. ولعل امتناع المغرب عن التعبير عن موقفه بشكل مبكر، فسره البلاغ ذاته بالرغبة في “عدم الانزلاق وراء التصريحات واتخاذ المواقف المتسرعة والتي لا تقوم سوى بتأجيج الاختلاف وتعميق الخلافات”. وعلاوة على الموقف الذي أعلنه المغرب، والمتمثل في الحياد بين أطراف النزاع، وعرض الوساطة من أجل حل الخلافات بينها، كان العاهل المغربي أول قائد عربي، بعد أمير الكويت، يزور الدوحة بعد الحصار، وهي الزيارة قوبلت بحفاوة قطرية كبيرة، وأثارت غضب السعودية التي كانت تنتظر مساندة مطلقة من المغرب لاجراءاتها بحق قطر، حيث شكلت الزيارة رسالة بالغة الأهمية بأنه غير متفق مع السياسة الرباعية بقيادة السعودية وحصار قطر.
2- ربط “تركي ال الشيخ” المستشار في الديوان الملكي صراحة بين الموقف السعودي المدعم للملف الأمريكي وبين موقف المغرب من حصار قطر. وفيما يشبه رد فعل رسمي على تصويت السعودية وعدد من حلفائها العرب ضد الملف المغربي لاستضافة كأس العالم 2026، أعلن المغرب بشكل مفاجئ، عدم مشاركته في اجتماع دول التحالف في جدة، وإن كان المغرب قد أحجم عن ايراد توضيحات حول سبب غيابه عن اللقاء، فإن كثيرين اعتبروا ذلك في إطار الرد على تصويت السعودية ضد ملف ترشيح المغرب لاحتضان كأس العالم، بعدما قامت الرياض بحملة دعم قوية لصالح الثلاثي المنافس من أمريكا الشمالية، على حساب الملف المغربي، وهو ما رأى فيه كثيرون بأنه “خيانة للعروبة”.
ومباشرة بعد إعلان نتائج التصويت وفوز الملف الأمريكي الشمالي، وتسييس الملف من لدن رئيس إدارة الهيئة العامة للرياضة السعودية، “تركي ال الشيخ”، الذي كتب تدوينات تعاكس المغرب، انتشر غضب مغربي كبير في الشبكات الاجتماعية، حيث تجند آلاف المغاربة للسخرية من الهزيمة التي تعرض لها المنتخب السعودي في افتتاح مباريات مونديال روسيا 2018 على يد المستضيفة روسيا بخمسة أهداف لصفر. ولم يتوقف الأمر عند الجانب الشعبي، فالموقف الذي عبر عنه الملك محمد السادس، بإجرائه اتصالا مع أمير قطر تقديرا لتصويت الدوحة على ملف الرباط، أعطى أكثر من دلالة بخصوص تغييرات في علاقة المغرب بالخليج، خاصة وأنه الاتصال الوحيد حول نتائج التصويت الذي أعلن عنه القصر الملكي المغربي.
3- اندلعت الأزمة السعودية الكندية في غشت 2018، على خلفية الانتقادات الكندية التي طالت السعودية بسبب اعتقالها عددا من الناشطين في مجال حقوق الإنسان. ولم يعلن المغرب إلى حدود الساعة عن أي تضامن مع الرياض تجاه الأزمة التي تمر بها العلاقات بين السعودية و”أوتاوا” بعد طرد السفير الكندي، والأمر نفسه حدث في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بحيث لم يعبر المغرب عن أي موقف مؤيد للسعودية في أزمتها مع العالم وامتناعه عن إعلان دعمه وتبنيه للرواية السعودية عقب الحادث الاجرامي، خاصة أن المغرب عانى من حملات إعلامية تتهمه بتسليم أمير سعودي إلى السعودية سنة 2015 والذي غابت أخباره، واضطرت وزارة العدل المغربية إلى إصدار بيان تدافع فيه عن عملية التسليم بداعي الملاحقة من جانب الشرطة الدولية، نافية أن تكون قد قامت بذلك “إرضاء” للرياض، وهو الوضع الذي كشف حجم الفتور بين المملكتين. وبهذا رسم المغرب مسافة مع سياسة الرياض، وتفادى الأضواء في هذا الملف، بعد أن وجد نفسه أيضا يشار إليه (مقارنة بما حدث لخاشقجي) من خلال حادث تاريخي يتعلق باغتيال واختفاء الزعيم اليساري سنة 1965 المهدي بن بركة الذي يتم استحضاره سنويا وكلما سنحت الفرصة، ناهيك عن أن المغرب يدرك معارضة الرأي العام المغربي لأي مساندة للسعودية في جريمة بشعة تتطلب القصاص بدل الدعم، خاصة أن المغاربة وجهوا انتقادات قوية في شبكات التواصل الاجتماعي للسعودية بسبب هذه الجريمة، التي قد تنتهي بإزاحة ولي العهد من ولاية العرش، وحدوث تغيير بقدوم أمراء جدد لا يحملون الود لولي العهد، وبهذا لا يرغب المغرب في توريط نفسه في صراع داخلي للملكية.
4_ بعد تصريحات وزير الخارجية المغربي عبر قناة “الجزيرة”، والتي تحدث فيها عن توقيف المغرب لمشاركته في الحرب اليمنية ضمن التحالف العربي بقيادة السعودية، جاء الرد السعودي في برنامج تلفزيوني عبر ذراعه الإعلامي قناة “العربية”، ترجم مواقف لا ترضي المغرب، واصفا الصحراء المغربية بـ”المحتلة”، وهو موقف مخالف للتوجه السعودي الداعم للمغرب في قضية الصحراء، حيث بثت القناة تقريرا غريبا حول القضية الأهم في أجندة الرباط، يتحدث لأول مرة عن “الصحراء الغربية”، و”جبهة البوليساريو الممثل الشرعي للشعب الصحراوي”، و”يحد الصحراء الغربية من الشمال المغرب”، خاصة أن الرياض تعد أحد أشد المدافعين عن مغربية الصحراء، ولم يسبق قط أن دخلت هذه المصطلحات قاموس الإعلام السعودي أو الخليجي، بل على العكس من ذلك كان الخطاب الإعلامي داعما للمغرب وقضيته الوطنية الأولى، من خلال الحضور المكثف لمصطلحات “الصحراء المغربية”، و”انفصاليو البوليساريو”، و”محتجزي تندوف”. وكان مجلس التعاون الخليجي، أعلن في قمة احتضنتها الرياض في شهر أبريل 2016 بمشاركة المغرب، دعمه للرباط في قضية الصحراء، ورفض على لسان العاهل السعودي سلمان “أي مساس بمصالحه العليا”. كما شدد البيان الختامي لتلك القمة، أن “قضية الصحراء هي أيضا قضية دول مجلس التعاون الخليجي، ودعمهم لمغربية الصحراء، ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، كأساس لأي حل”. لكن الحرص السعودي على مغربية الصحراء ودعم الرباط في النزاع الصحراوي ما لبث أن تغير، وتحول الحكم الذاتي إلى الحق في تقرير المصير، والانفصاليون إلى ممثل شرعي للشعب الصحراوي، والصحراء المغربية إقليم له حدود مع المغرب بعدما كانت مغربية.
الجرح المغربي الشعبي والرسمي كبير وغائر، والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل هي “سحابة صيف” عابرة مثلما قال السفير المغربي ستزول بسرعة، أم أنها ستفرخ أزمات أخرى لا تخدم مصالح البلدين؟، خاصة أن الخلاف السعودي المغربي يأتي في وقت حساس بالنسبة للمغرب الذي يرمي بكل جهده من أجل استعادة الدعم الأمريكي في قضية الصحراء، في ظل التقارب الكبير بين بن سلمان وإدارة ترمب. ومع ذلك، فإن العلاقات المغربية السعودية وإن كانت تمر بأزمة، فإنها لن تصل لمرحلة القطيعة، لأن ما يجمع المملكتين أكثر مما يفرقهما، وهي أزمة ناتجة عن سوء قراءة وفهم سعوديين للنسق السياسي المغربي، ولعدم إدراك القادة الحدد للسعودية للمنطلقات المحددة للسياسة الخارجية للمغرب. عدا ذلك، تبقى العلاقات المغربية السعودية نموذجا للعلاقات العربية- العربية، حيث نجد توافقا بين البلدين في العديد من القضايا الإقليمية والعربية و الاسلامية، والتي بلغت سنة 2011 مع اندلاع الربيع العربي حد اقتراح انضمام المغرب رفقة الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي باعتبارهما المخزون “السني” الرئيسي في مواجهة “التمدد” الإيراني في المنطقة.
وعندما استضافت السعودية قمة المؤتمر الإسلامي في عام 1975، أسندت لجنة القدس للمغرب، واستمرت رئاستها إلى يومنا هذا، وعندما تعرض المغرب للعدوان، كانت السعودية بجانبه، حتى بناء أكبر جدار عازل بالألغام في جنوبه الغربي، وعندما غزا العراق الكويت، كان المغرب أول بلد يعلن رفضه الصريح لهذا العدوان وشارك بفاعلية في تحريره. وتمثل اللجنة العليا المشتركة بين البلدين أحد أقدم آليات التعاون العربية. ووفقا لاحصاءات 2015 تعد السعودية الشريك السادس للمغرب تجاريا، والثالث استثماريا، ذلك أن 49% من صادرات المغرب لدول الخليج تذهب إلى السعودية، و79% من واردات المغرب من دول الخليج تأتي من السعودية، ناهيك عن أن البلدين تجمعهما علاقات تاريخية منذ أمد بعيد. كما شكلت أرض الحجاز بالنسبة للمغاربة منذ ظهور الاسلام، قبلتهم السنوية حيث الأماكن المقدسة. أما العلاقات الاجتماعية فهي علاقات عميقة و متجذرة تاريخيا، وأقوى من تنال منها الظروف العابرة.
أتمنى أن تصل العلاقة للقطيعة.. لأن علاقتنا معهم تضر أكثر مما تنفع.. أما الله عز وجل فتعالى عن المكان والزمان.. بل من الواجب قطيعة من يستغل بيت الله الحرام لأكل أموال الناس واستغلالها لدعم الاستبداد وتقتيل المسلمين ونشر الناس بالمناشير .. ولتذهب العروبة حيث ألقت