المغرب يشرع في تطبيق “العقوبات البديلة” عن السجن.. ماذا نعرف عنها؟

المغرب يشرع في تطبيق “العقوبات البديلة” عن السجن.. ماذا نعرف عنها؟
هوية بريس – متابعات
دخل اليوم الجمعة 22 غشت 2025 حيز التنفيذ رسميا القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، الذي يهدف إلى استبدال العقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات، بعقوبات بديلة تفتح آفاقا جديدة أمام المحكوم عليهم لتعزيز فرص اندماجهم في المجتمع.
ويتوخى هذا القانون الجديد التخفيف من آثار السجن على الأفراد والأسر والمجتمع، مع الحرص على حماية المحكومين وتأهيلهم وإعادة إدماجهم، فضلا عن تقليص الكلفة الاقتصادية للعقوبات السالبة للحرية.
يُعرّف القانون الجديد العقوبات البديلة بكونها تلك العقوبات التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات حبسا نافذا. ولا تطبق هذه العقوبات في حالات العود.
في المقابل، لا تشمل هذه البدائل العقابية من ارتكبوا جنح الجرائم المتعلقة بأمن الدولة والإرهاب، والاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو تبديد الأموال العمومية، أو غسل الأموال، أو الجرائم العسكرية، أو الاتجار الدولي في المخدرات، أو الاتجار في المؤثرات العقلية، أو الاتجار في الأعضاء البشرية، أو الاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.
ويمكن أداء غرامة مالية كعقوبة بديلة، حدد قدرها بين 100 و2000 درهم عن كل يوم من العقوبة الأصلية؛ إذ يمكن الحكم بعقوبة الغرامة المالية على الأحداث في حالة موافقة وليهم أو من يمثلهم، ولا يمكن الحكم بهذه العقوبة إلا بعد الإدلاء بما يفيد وجود صلح أو تنازل صادر عن الضحية أو ذويه أو قيام المحكوم عليه بتعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة.
ونص القانون نفسه على أن تراعي المحكمة الإمكانيات المادية للمعني أو ذويه وتحملاته المالية وخطورة الجريمة المرتبكة والضرر المترتب عنها. وفي هذا الإطار، يلتزم المحكوم عليه بأداء الغرامة في أجل لا يتجاوز ستة أشهر مع إمكانية تمديد المدة مرة واحدة. ولا تحتسب مدة الاعتقال التي قضاها عند تحديد مبلغ الغرامة اليومية.
وإذا كان المحكوم غير معتقل يمكن لقاضي تطبيق العقوبات أن يأذن بتقسيط أدائها داخل الآجال شريطة أداء قسط أولي يعادل على الأقل نصف المبالغ الواجبة للأداء.
وكعقوبة بديلة أخرى، يمكن فرض عقوبة المنفعة العامة، إذ نص مشروع القانون على أنه يمكن للمحكمة أن تصدرها إذا كان المحكوم عليه بالغا من العمر 15 سنة على الأقل، ويكون العمل غير مؤدى عنه، وينجز لفائدة مصالح الدولة أو الجماعات الترابية أو مؤسسات أو هيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة أو المؤسسات العمومية أو المؤسسات الخيرية أو دور العبادة.
وجاء القانون بعقوبة المراقبة الإلكترونية، من خلال مراقبة حركة المحكوم عليه إلكترونيا بواحدة أو أكثر من وسائل المراقبة الإلكترونية المعتمدة، ويتم تحديد مكان ومدة مراقبته من طرف المحكمة مع مراعاة خطورة الجريمة والظروف الشخصية والمهنية وسلامة الضحايا وعدم المساس بالحقوق الشخصية للأشخاص المتواجدين رفقته.
ويعاقب المعني الذي أخل بالتزاماته أو فر أو تخلص من أجهزة المراقبة أو أتلفها بعقوبة حبسية بين 3 أشهر وغرامة 2000 درهم إلى 5000 درهم أو بإحدى العقوبتين.
وتضمن القانون عقوبة بديلة تقيد بعض الحقوق أو عن طريق فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، من خلال اختبار المعني للتأكد من استعداده لتقويم سلوكه واستجابته لإعادة الإدماج، وهذه العقوبة البديلة تكون إما بمزاولة المعني نشاطا مهنيا محددا أو تتبعه دراسة أو تأهيلا مهنيا محددا، أو إقامته بمكان محدد، أو منعه من ارتياد أماكن معينة.
وقد تم اختيار 58 مؤسسة سجنية لتطبيق القانون الجديد، وفق ما كشفه في تصريح سابق للشكرة الوطنية للإذاعة والتلفزة مولاي إدريس أكلمام، مدير العمل الاجتماعي والثقافي لفائدة السجناء وإعادة إدماجهم بالمندوبية العامة لإدارة السجون.
وأوضح أكلمام، أن اختيار هذه المؤسسات اعتمد على معيار تخصيص مؤسسة واحدة في كل مدينة تضم أكثر من سجن، بهدف تركيز الجهود وترشيد الموارد البشرية والمالية.
وأضاف أنه جرى انتقاء عدد من الموظفين العاملين بالمؤسسات السجنية لتكليفهم بتنزيل القانون، مشيرا إلى أن المندوبية العامة تعمل ضمن الإمكانيات البشرية الحالية رغم محدوديتها، في انتظار تخصيص مناصب مالية جديدة خلال السنة المالية المقبلة.
وأكد أن الموظفين المنتقين خضعوا لتكوين عام حول النظام الجديد، ويستفيدون من تكوين متخصص حسب نوع العقوبة البديلة التي سيتكلفون بتنفيذها.
وفي ما يتعلق بالمراقبة الإلكترونية، أفاد أكلمام أن المركز الوطني للمراقبة الإلكترونية، المنصوص عليه في المرسوم التطبيقي، يخضع حاليا لتهيئة تقنية لتأمين الجاهزية المطلوبة، مشيرا إلى أن شركة مختصة تعمل حاليا على توفير التجهيزات اللازمة، من ضمنها السوار الإلكتروني ونظام تدبيره.
أما بالنسبة لعقوبة العمل لأجل المنفعة العامة، فأشار إلى وجود تصورات ومقترحات صادرة عن القطاعات المعنية، تدرس حاليا في إطار اللجنة المركزية.
هذا وقد دعت رئاسة النيابة العامة الوكلاء العامون للملك ووكلاء الملك إلى وجوب المساهمة في تحسيس قضاة وأطر النيابة العامة بأهمية الانخراط في تفعيل أحكام قانون العقوبات البديلة، والحرص على تفعيله بشكل تدريجي بما يراعي الوضعية المحلية لكل محكمة، سواء من حيث المؤسسات التي قد تنفذ لديها العقوبة البديلة أو الآليات الضرورية للتنفيذ.
وحثت رئاسة النيابة العامة، في دليل استشاري موجه لقضاة النيابة العامة حول تنفيذ العقوبات البديلة، إلى التفكير في إحداث آليات للتنسيق المؤسساتي المشترك لتتبع تنفيذ العقوبات البديلة وتقييم آثارها العملية، وذلك من خلال إحداث لجان أو خلايا مشتركة على المستوى المحلي والجهوي تضم مختلف الفعاليات القضائية المتدخلة، إلى جانب ممثلي الإدارة السجنية.
وأشار الدليل إلى إعداد برامج للتكوين المتخصص والمستمر لفائدة مختلف الفاعلين المعنيين بتطبيق العقوبات البديلة، سواء داخل النيابة العامة أو خارجها، مع الحرص على تطوير آليات هذا التكوين بشراكة مع مختلف المؤسسات والهيئات الوطنية المعنية بالموضوع، وبلورة تصور استراتيجي مندمج على المستوى المحلي، يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد القضائية واللوجستيكية والتقنية المرتبطة بتطبيق العقوبات البديلة.
وطالب بتأهيل الموارد البشرية بالنيابة العامة التي ستسهر على تنفيذ العقوبات البديلة، وتوفير الإمكانيات المادية واللوجستيكية الضرورية، واعتماد الرقمنة في تعزيز دور النيابة العامة في تتبع تنفيذ العقوبات البديلة، وذلك من خلال وضع لوحات للقيادة وجداول إلكترونية على شاكلة السجلات الواردة في هذا الدليل، تتيح التتبع الدقيق لمراحل تنفيذ العقوبات البديلة.
ودعا إلى الانفتاح والتواصل من أجل تحسيس الرأي العام بأهمية وفعالية العقوبات البديلة، بهدف الإسهام في تغيير النظرة السائدة التي تعتبر العقوبة السالبة للحرية هي الحل الوحيد للتصدي للجريمة، وتكليف قاض للنيابة العامة بتتبع تنفيذ العقوبات البديلة.



