المفكر المغربي حسن أوريد: الحرب على غزة تحمل بوادر عالم جديد (مقابلة)
هوية بريس – وكالات
يرى المفكر والمؤرخ المغربي حسن أوريد، أن العالم لن يعود كما كان قبل “طوفان الأقصى”، فهو “يحمل بوادر عالم جديد”، ويغير الخارطة العالمية بين “رابحين وخاسرين”.
وفي مقابلة مع الأناضول، شدد أوريد، مؤلف كتاب “الإغراء الأخير للغرب، تداعيات الحرب على غزة” الصادر في أبريل الماضي، على أن “طوفان الأقصى” أثبت أن قضية فلسطينية الوجودية “لا تُحل بإغراءات اقتصادية” ضمن التطبيع.
وفي 7 أكتوبر 2023، نفذت “حماس” عملية “طوفان الأقصى” فهاجمت قواعد عسكرية ومستوطنات بمحاذاة غزة، فقتلت وأسرت إسرائيليين؛ ردا على “جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى”، وفق الحركة.
ومنذ ذلك اليوم، تشن إسرائيل، بدعم الولايات المتحدة ودول أخرى، حربا على غزة، خلفت أكثر من 112 ألف قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط مجاعة ودمار شامل، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
** حدث مُغير
وحسب أوريد، وهو أستاذ جامعي في العلوم السياسية ومؤلف روائي وسياسي بالعربية والفرنسية، فإن “العالم على مشارف تحول عقب طوفان الأقصى من العسير التكهن به”.
وأضاف: “سيكون هناك ما بعد هذا الطوفان، خاصة أنه يشكل ما يُسمى التاريخ الحدث، الذي يؤشر على منعطف أو يحيل عليه، ويحمل بوادر عالم جديد”.
وشدد على أنه “لا يمكن رفض حقيقة أن شعب فلسطين له الأحقية في أن يقيم دولته، بناء على الشرعية الدولية”.
ووصف “طوفان الأقصى” بـ”الحدث المُغير”، مثل الحرب الروسية- الأوكرانية المتواصلة منذ فبراير 2022.
وأردف: “الحرب على غزة ستحول العالم، ولن يعود كما هو، وسينعكس ذلك ككل التحولات الكبرى، مثل الحرب العالمية الأولى والثانية”.
واستطرد: “الخارطة الدولية ستتغير، وستفرز رابحين وخاسرين.. وما يجري حاليا يصب لصالح الصين وروسيا وإيران”، في إشارة إلى رفض هذه الدول للسياسات الخارجية الأمريكية، لاسيما بالشرق الأوسط.
** “كلنا فلسطينيون”
أوريد، مؤلف “مرآة الغرب المنكسرة” و”أفول الغرب” و”عالم بلا معالم”، انتقد الخطاب الغربي والأمريكي الرافض لأي خطاب آخر بخصوص الحرب المتواصلة على غزة، رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار فورا.
وشبَّه في كتابه هذا الرفض الغربي لأي خطاب آخر خاص بالشرق الأوسط، ولاسيما، فلسطين، بـ”محاكم التفتيش في إسبانيا”.
ومحاكم التفتيش هي محاكم كاثوليكية أنشأتها البابوية بداية القرن الـ13 واستمرت حتى القرن الـ16؛ بزعم “حماية نقاء المعتقد ضد التعاليم الخاطئة”، واشتهرت بتعذيب المسلمين واليهود والمسيحيين المخالفين لمعتقدها.
وقال أوريد: “عندما نتحدث باسم المبادئ لا يجب التمييز بناءً على اعتبارات ثقافية أو حضارية أو عرقية، بل يجب أن يكون التقييم بناء على معطيات موضوعية”.
وزاد بأنه قال في كتابه “كلنا فلسطينيون”؛ لأن “هناك تفجير (إسرائيلي) لمدنيين ونساء وأطفال وتجويع (بغزة)، أي أننا إلى جانب الضعيف، ليس لاعتبارات ثقافية أو عقدية، رغم أن الأخيرة لها أهمية وشرعية”.
ومنذ 17 عاما، تحاصر إسرائيل قطاع غزة، وأجبرت حربها عليه نحو مليونين من سكانه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في ظروف كارثية، مع شح شديد بإمدادات الغذاء والماء والدواء.
** مصير التطبيع
وبخصوص الأوضاع بالمنطقة العربية، قال أوريد، الذي تولى لفترة مهمة المتحدث باسم القصر الملكي إثر وصول الملك محمد السادس للحكم في 1999: “بناء على معطيات موضعية، لا أظن أن السكون سيستمر في العالم العربي”.
وبشأن مصير التطبيع بين دول عربية وإسرائيل بعد الحرب على غزة، شدد على أنه “لا يمكن أن تُحل قضايا وجودية من خلال إغراءات اقتصادية تتم وفق اتفاقيات إبراهيم”.
وتابع: “المشكل لا يكمن في نزاع عقاري يمكن أن يُحل بدفع ثمن، فالمسألة ليس بهذه السهولة”.
وبوساطة أمريكية، وقَّعت الإمارات والبحرين مع إسرائيل في سبتمبر 2020 اتفاقيتين لتطبيع العلاقات، باسم “اتفاقيات إبراهيم”.
وفي ديسمبر من العام نفسه، أعلن المغرب وإسرائيل استئناف علاقاتهما الدبلوماسية، بعد توقفها عام 2000.
واعتبر أوريد، الوالي (المحافظ) الأسبق لجهة مكناس تافيلالت، أن “طوفان الأقصى حسم الأمر، وبيَّن أن هناك قضايا وجودية لا يمكن أن تُحل بمجرد إغراءات اقتصادية جاءت بها اتفاقات إبراهيم”.
واستدرك: “لا أظن أن الدول التي ركبت قطار “إبراهيم” (التطبيع ) ستتراجع أو تنزل منه”.
وتابع: “والمرجح أن دولا أخرى كانت على وشك أن تمتطي هذا القطار، وأجلت الركوب ولا أظن أنها لن تركبه، ربما تنتظر أن تخف الأمور، وهو الذي يُستشف من تصريحات الولايات المتحدة”.
وزاد: “لا أظن أن التطبيع سيتوقف، لكن سيبقى في دائرة الرسمي بالنسبة لبعض الدول، لربما ندخل ما يسميه المصريون السلام البارد، ولن تكون هناك علاقات إنسانية (شعبية) كما كان يُعتقد. ونحن في توزيع جديد للأوراق”.
** السياسة الفرنسية
أوريد تطرق إلى سياسة فرنسا تجاه الشرق الأوسط، ورأى أنها تغيرت منذ عهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (2007- 2012).
وأضاف أن “هذه السياسة أصبحت عبارة عن ذيل للسياسة الأمريكية، ولم تعد متمايزة كما كانت قبل فترة ساركوزي”.
واعتبر أن “فرنسا لم تستطع أن تنتهز الفرصة (الأحداث الراهنة) لأن تكون فاعلا بالشرق الأوسط، بالنظر إلى إرثها وكونها دولة ذات مسؤولية ودائمة العضوية بمجلس الأمن وعلى معرفة بالمنطقة”.
وختم بأن “فرنسا لا يمكن أن تضطلع بدور في الشرق الأوسط من دون أن تعيد النظر في سياستها الداخلية، وخاصة تجاه مواطنيها المسلمين، فهناك حالة مستشرية من الإسلاموفوبيا، فضلا عن تراجع كبير لحرية الرأي”.
المصدر: وكالة الأناضول.