المقاومة الفلسطينية بين خطري الصهيونية والصفوية
هوية بريس – نور الدين درواش
تواجه المقاومة الفلسطينية خطرا وجوديا غير مسبوق بعد التصعيد الذي أعقب “طوفان الأقصى”، حيث يعمل كيان الاحتلال الصهيوني وشركاؤه على اجتثاث هذه القوة الممانعة من جذورها، لبسط سيطرته على قطاع غزة كمقدمة للمخطط الصهيوني التوسعي الذي لم يعد السَّاسة الصهاينة بما فيهم رئيس الوزراء يخفونه.
فالمقاومة الفلسطينية أمام كيانين توسعيين خطيرين.
1- الكيان الصهيوني الذي يعمل على محو كل ارتباط لفلسطين بالهوية العربية الإسلامية
في وثائقيٍّ أنتجته شبكة TRT World التركية بعنوان (الخلاص المقدس)، صرحت “دانييلا فايس”، وهي مسؤولة بدولة الاحتلال ومن أكبر قيادات تيار الصهيونية الدينية ومتخصصة في التخطيط والتحريض على الاستيطان في الضفة الغربية وتجنيد مليشيات ما يعرف باسم “فتية التلال” -المدعومة من طرف الحكومة والتي طالبت منظمات أمريكية بتصنيفها منظمة إرهابية- وتجنيد غلاة المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية لتوسيع سياسة الاستيطان، وتقول: “إن حدود دولة اليهود هي الحدود التي وعد الرب بها إبراهيم: من الفرات إلى النيل”.
ولما سُئلت في ذات المقابلة عن كون حدود “إسرائيل” تشمل أراضي من دول أخرى أجابت: “بالطبع، تشمل أراضٍ من دول أخرى، لكن لدينا كتابنا المقدس، وهو الوثيقة الوحيدة التي نحتاجها”.
وهي تشير في هذا الصدد لما جاء في سفر التكوين (15: 18) في التوراة، يذكر فيها الرب -بزعمهم- وعدًا لإبراهيم: (لنَسْلك أُعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات)، وهي وأتباعها يقررون أن المقصود من نسل إبراهيم المذكور في هذا النص الديني هم بنو إسرائيل أو اليهود اليوم.
وغير بعيد عنا ظهور أتباع تيار الصهيونية الدينية الذي يتزعمه سموتريتش وبن غفير، وهم يرتدون شعارًا يحتوي خريطةً لما يسمى “إسرائيل الكبرى” وهي تمتد بوضوح ما بين الفرات والنيل مع عبارة “أرض إسرائيل الموعودة” وتظهر فيها معالم تشمل أراض من مصر وفلسطين والأردن ولبنان وسوريا والعراق والسعودية…
ومع ذلك ما زال هناك من يشكك في الخطر الصهيوني على بلاد المسلمين وقد بدأت إشارات تهديدية للأردن ومصر بعد لبنان وغزة.
ناهيك عن خطره على المسلمين وتغلغله في كثير من الأنظمة ومحالته إفساد دينها وعقائدها واقتصادها وتعليمها والقضاء على قيمها الإسلامية.
2- الكيان الشيعي الإيراني الصفوي
والذي يهدف بدوره لبسط نفوذه على المشرق الإسلامي ثم العالم الإسلامي كاملا منتهجا سياسات خطيرة على عدة مستويات منها: بث العقيدة الشيعية والترويج للارتباط بطهران عن طريق ما يعرف بولاية الفقيه، وكذا تمويل المكونات العسكرية غير الرسمية والميلشيات الشيعية في لبنان وسوريا والعراق واليمن وربما مستقبلا وبشكل رسمي في فلسطين … كل ذلك يتم من خلال ما يعرف عندهم بالخطة الخمسينية.
ومعلوم أن الشيعة الإمامية الإثناعشرية الإيرانية تشكل خطرا كبيرا على عقيدة المسلمين (أهل السنة) والدارسون لمنهجهم وعقيدتهم والمطلعون عليها يوقنون بأنه دين آخر لا علاقة له بالإسلام السني الصحيح.
ليس هذا من باب التجني أو المبالغة أو الولاءات السياسية لدول معينة، كما يدعي بعضهم، ولا نقلا عن كتب تراثية قديمة وانحرافات منسية.. لا أبدا، فيكفي أن يجري المتحري النزيه بحثا ليقف بنفسه، ومن كتب الشيعة المتأخرين، بل من رموز الثورة الإيرانية الخمينية، وعلى لسان الملالي ومن يطلقون على عليهم اسم “آية الله” الحاليين، أنهم يدينون بالبراءة من أهل السنة ودينهم براءة كاملة لا تحجبها عن بعض ضعاف الثقافة والعلم إلا التقية الشيعية التي هي من صميم عقيدتهم.
حتى قال نعمة الله الجزائري وهو من مراجعهم: “إنا لا نجتمع معهم -أي مع السنة- على إله ولا على نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد نبيه وخليفته من بعده أبو بكر. ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا” [الانوار النعمانية (2/78)].
إن التشيع المعاصر -الموجود في إيران ولبنان والعراق واليمن وشرق السعودية والبحرين والكويت….- الغالبية العظمى من أتباعه يرجعون للخميني إمام ثورتهم وعراب ما يعرف بولاية الفقيه.
والدارس لكتب الخميني يجد أنه لا فرق بينه وبين من سبقه في أمور كثيرة، منها القول بتحريف القرآن، حتى أن الخميني طبع كتاب “فصل الخطاب في إثبات تحريف كتب رب الأرباب” للطبرسي، ومنها القول برِدَّة الصحابة، ومنها القول برُكنية الولاية في الإيمان وكفر من لم يؤمن بها، ما يعني تكفيرهم لأهل السنة وقولهم بنجاستهم والتقرب إلى الله بالحقد عليهم ومحاربتهم وغير ذلك.. وهذا ما تُرجم في الحرب الشيعية لإيران وحزب الله على أهل السنة في سوريا بعد الربيع العربي بوحشية وهمجية غير مسبوقتين… وتفصيل الكلام في هذا الأمر لا يتسع له المقام لكن حسبنا هذه الإشارات.
وإزاء هذا الوضع، فنحن أمام مشروعين توسعيين لا ينبغي الاستهانة بأحد منهما ولا أمن جانبه، والمقاومة اليوم وأمام تخلي الدول السنية عنها، تجد نفسها بين فكي كماشة: فك صهيوني وفك إيراني صفوي.
والموضوع أكبر من أن يعالج بحماسة زائدة ولا بعصبية ضيقة، والشرع يرخص في التحالف مع الكافر المتفق على كفره والاستعانة به ولا سيما في حال الاستضعاف والحاجة، فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الطائف في جوار المطعم بن عدي وتحالف صلى الله عليه وسلم مع عدة قبائل مشركة لتحييد خطر عدو أكبر أو مواجهته أو إضعافه.
ولهذا الأسباب يعتذر للمقاومة عن تحالفها -مؤقتا ومضطرة- مع الشيعة في مربع الصراع الفلسطيني الصهيوني مع الوعي بالصراع السني الصفوي الذي لا يمكن إلغاؤه ولا التهوين منه ولا استصغار خطره حالا ومستقبلا.
لكن الذي ينبغي التحرز منه في هذا الأمر؛ هو ألا يقع يؤدي التحالف العسكري الذي تمليه الضرورة إلى الذوبان في الحليف المنحرف والارتماء في فكره ولا تسويغ منهجه وعقيدته، وتغرير عموم المسلمين بذلك كما حصل من قادة المقاومة مع الأسف.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم مع تحالفه مع غير المسلمين وحسن تعامله معهم؛ لم يثن عليهم بما يسوق كفرياتهم ويروج باطلهم ولم يصفهم بما يجعل الحق ضبابيا عند عامة الناس.
والمقاومة إن قٌبل بتعاونها المذكور فإنه لا مسوغ بالمرة للارتماء في المستنقع الرافضي أو الزج بالأتباع والمحبين فيه.
وفي عبارات الشكر السياسي والمجاملة الديبلوماسية ما يغني عن الأوصاف الشرعية التي لا ينبغي إطلاقها إلا بحق. (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)[الزخرف:19].
ومن ذلك إظهار الإعجاب برموز الرافضة كالخميني والخامنئي وحسن نصر الله وهاشم صفي الدين، وقاسم سليماني.. والترحم عليهم ووصفهم بالشهادة ما يعتبر مخاطرة بعقائد ملايين الشباب من أهل السنة، ولا شك أن حفظ أديان المسلمين وعقائدهم مقدم على انتصار نسبي أو كسب أرض أو طرد عدو.
فالحاصل أن الخطر على الإسلام والصراع مع الصفوية والصهيونية يتم من خلال مربعين:
مربع مواجهة الصهيونية، وهذا المربع يمكن الاستعانة فيه بالشيعة وغيرهم خاصة أمام الإكراهات التي يواجهها من يُفترض أن يكونوا عونا للفلسطينيين حقيقة وفعلا من الأنظمة السنية.
ومربع المواجهة الصفوية، الفكري والعقدي والديني والذي قد يكون عسكريا في المستقبل وستكون الدول السنية طرفا رئيسا فيه ولا شك…
والصراع الصهيوني الصفوي اليوم ليس تمثيلية ولا مسرحية كما يظن كثيرون، وإنما هو صراع حقيقي ومواجهة وجودية عسكرية كاملة بسبب تقاطع المشروعين التوسعيين بعد زمان من المهادنة والاستفادة الثنائية من الوضع ومن العدو المشترك المتمثل في الدول السنية.