المناعة الإسلامية ضد فيروس كورونا
هوية بريس – عبد الغفور ايت بمومن
يشهد العالم اليوم خوفا وقلقا وتوترا جراء انتشار فيروس يهدد الأمن الصحي الإنساني، إذ انتشاره داخل رقعة العالم الإنساني يهدد الحياة البشرية، ويعرف هذا الفيروس بكورونا (كوفيد19)، وهو من الأمراض الفيروسية التي تصيب الجهاز التنفسي العلوي ومن الأعراض المصاحبة له:الحمى، التعب، السعال الجاف، الأوجاع والآلام، احتقان الأنف أو سيلانه، إلتهاب الحلق، صعوبة في التنفس.
وما لهذا الفيروس من أعراض تهدد السلامة الصحية وحياة الإنسان هو الباعث إلى طرح الإشكال الآتي:
إلى أي حد يمكن للبشرية أن تقلق من فيروس كورونا؟
إن المتأمل في الشريعة الإسلامية سرعان ما يدرك أن الإسلام أتى لجلب المصالح للناس ودرء المفاسد عنهم، والمصلحة في سياقنا هذا تتجسد في بث الطمأنينة والسكينة في نفوس الناس ودرء الفزع والترويع عنهم ونشر الإشاعات، لأن منهج الشريعة الإسلامية ينصب حول الطمأنة الإيمانية وذلك بتفويض الأمر إلى الله تعالى بعد الأخذ بالأسباب الوقائية أو العلاجية، والناس جبلت على الخوف من الأمراض والأسقام والموت وهو الذي ورد في كلام أمنا عائشة رضي الله عنها:”…يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت…”1،فلا ينبغي للمؤمن أن يقلق أكثر من أخذه بالأسباب والتوكل على الله إلى أن يهم بالتفكير السلبي المرهق، مما يؤدي به من الإنتقال من مرض عضوي إلى مرض نفسي، فهذا محمد صلى الله عليه وسلم في الشدة والبلاء، لما أراد كفار قريش القضاء عليه صلى الله عليه وسلم، وصاحبه رضي الله عنه يرى أقدامهم وهم واقفون على فم الغار، فيرتعد خوفا على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له: والله يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا، فيطمئنه صلى الله عليه وسلم بقوله: “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما”؟2 ، وبالتالي على الإنسانية الأخذ بالأسباب كأنها كل شيء ثم التوكل على الله وكأنها ليست بشيء”، ومن هذه الأسباب الأخذ بتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم الصحية:
1-طهارة البدن من الأقذار والأوساخ .
قال صلى الله عليه وسلم : “حق على كل مسلم أن يغتسل، في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده”3 فهذا توجيه منه صلى الله عليه وسلم في أيام دون انتشار المرض والوباء، فما بالك في أيامه.
2- الحرص على طهارة الفم من المأكل والمشرب وغيرهما.
قال صلى الله عليه وسلم: ” لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة”4
وقال صلى الله عليه وسلم: “لقد أمرت بالسواك، حتى خشيت أن يوحى إلي فيه “5
إذ العلة من هذه الأحاديث طهارة الفم بكل الوسائل المشروعة.
3- قص الأظافر وحلق العانة ونتف الإبط.
قال عليه الصلاة والسلام:”خمس من الفطرة الختان وحلق العانة ونتف الإبط وتقليم الأظفار وأخذ الشارب”6
4- الحرص على طهارة الطريق والأزقة والأماكن العامة.
قال صلى الله عليه وسلم: ” اتقوا اللاعنين قالوا: وما اللاعنان يارسول الله؟ قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم”7
فنظافتها أنقى للمتنفسووقاية من كل داءوأبهج للنفس وأدعى للاحترام.
5- الحرص على طهارة اليدين والوجه وغيرهم من الأعضاء الظاهرة المباشرة.
وهذا يتحقق في المنهج الإسلامي بغسل اليدين قبل وبعد الأكل، والوضوء خمس مرات في اليوم وقبل النوم، وعدم إدخال اليدين في الإناء عند الاستيقاظ من النوم حتى تغسل جيدا.
6- الحرص على تغطية الفم والأنف عند السعال والعطس.
في حديث حق المسلم على المسلم ست فذكر منها:
“وإذا عطس فحمد الله فشمته”8
من خلال ما سبق يتضح أن الرؤية المقاصدية تحرص على مبدأ حفظ الضروريات الخمس، والتي لم يأت بها أهل العلم ارتجالا واعتباطا، وإنها ذكروها بناء على النظر في كثير من النصوص الشرعية التي استنبط منها هذه الضرورات فذكروا منها:
*حفظ النفس إذ الشريعة الإسلامية جاءت لحفظ النفس الإنسانية، وعدم الإلقاء بها إلى التهلكة يقول الله تعالى: “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”9، ونهى سبحانه وتعالى عن قتل النفس بغير حق وذلك بنشر الأمراض بين الناس والإفساد في الأرض.
قال عزوجل: “…من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا…”10
كما لا ينبغي الخروج من بلد وقع فيه الوباء أو القدوم عليه، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا سمعتم الطاعون بأرض، فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض، وأنتم فيها، فلا تخرجوا منها” متفق عليه.
ومن الأمور التي يمكن للبشرية أن تستخلصها من هذا الوباء “فيروس كورونا” الذي اكتسح وشمل العالم مدينة وقرى، هو تلك الرسائل الربانية إلى القوم الذين طغوا في العالم وأعلنوا التحدي لرب العالمين بجميع أنواع الظلم والكفر والفجور.
يقول الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله في هذا الصدد:
“…وأن المؤمن الحق الذي يرى بنور الله يشاهد غضب الله في ذلك، مشاهدة واضحة لا غبش فيها ولا اضطراب، ويقع بقلبه من الرهبة والخوف مايقع بقلب المؤمن العارف بالله، المشاهد لعظمة سلطانه، وشمول إحاطاته بأمره وبجميع شؤون ملكه وملكوته تقديرا وتدبيرا..”11، فما على المؤمن في أحوال الشدة والرخاء إلا المسارعة إلى التوبة ومداومة سيد الاستغفار والأذكار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والتضرع إلى الله عزوجل آناء الليل وأطراف النهار لرفع الوباء والابتلاء.
قال الله تعالى: “واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين”12
“فولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ماكانوا يعملون”13
“ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخدناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون”14
فما على الإنسانية جمعاء إلا بدعاء المضطر المستجاب من غيره، قال الله تعالى: “أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض أله مع الله قليلا ما تذكرون”15.
نخلص أن الكوارث والأوبئة جند من جنود الله عز وجل، والتضرع إلى الله والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه من المعتقد الصحيح للمؤمن قال الله تعالى: ” قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المومنون”16.
والأخذ بالأسباب والاسترشاد برأي أهل الخبرة واجب على الإنسانية جمعاء وقاية أو علاجا، وبث روح اليقين في الله تعالى وأن كل شيء بقدر، مصتصحبا خطاب الطمأنة بين الناس وإفشاء السلام من واجب العالم، والأستاذ والمثقف والطبيب… وذلك عن طريق وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، مما يوضح جليا أن الاستثمار في التعليم والصحة هو المنهج السليم لبناء العمران البشري والتطلع إلى مستقبل الحضارة الإنسانية.
________________________________________
1- أخرجه البخاري معلقاً بعد حديث (6507)، وأخرجه موصولا مسلم (2684) واللفظ له.
2- مصطفى السباعي، السيرة النبوية “دروس وعبر” ص: 63
-أخرجه البخاري (796) واللفظ له، ومسلم (855).3
4- أخرجه البخاري (887) واللفظ له، ومسلم (252)
5-فتح الباري لابن رجب، باب السواك يوم الجمعة، 8/126
6-سنن النسائي، باب نتف الابط 11، صحيح.
7- سنن ابي داود، 23
8- أخرجه البخاري (1240)، ومسلم (2162) باختلاف يسير.
9- من الآية 194، البقرة
10- من الآية34، المائدة
11- فريد الأنصاري، مجالس القرآن ص: 214
12- من الآية: 205، الأعراف
13- الآية 44، الأنعام
14- الآية 43، الأنعام
15- الآية 64، النمل
16- الآية 51، التوبة