الموازين مختلة.. والتعايش ليس تنازلا عن الدين
هوية بريس – د. أحمد اللويزة
ثار مصطلح التعايش وثار معه غبار شديد أخفى الحقيقة وأظهر الباطل في حلة قشيبة.
وذلك بمناسبة حدث امتناع شابات مسلمات -لهن كل التقدير والإجلال- عن مصافحة ولي عهد النرويج عند زيارته للمسجد الذي تعرض لعملية إرهابية فاشلة لمتطرف غير مسلم. ولي العهد تعامل مع الموقف بكل قبول وأريحية، وهنا لابد من الإشارة أنه لو كان منفتحا بما يكفي على الأديان، كما يراد منا، لكان على علم بأن المرأة المسلمة لا تصافح الرجال من غير المحارم. لكن أدعياء العلمنة والحداثة وجدوها فرصة لتصفية الحساب وبث سموم الكراهية التي سكنت قلوبهم اتجاه الإسلام، فولولوا وندبوا ونحبوا وناحوا على قيم التعايش التي زعموا أن هؤلاء الشابات لم يلتزمن بها، وأنهن لم يقدرن واجب الضيافة والكرم والجود الذي تعاملهن به دولة النرويج، وأنه بسلوكهن هذا أظهرن رعونة وتطرفا ووو.
والمؤسف أن أهل الميت صبروا وأهل العزاء كفروا وليتهم كانوا صادقين. وهنا ينكشف زيف التعايش واضطراب المفاهيم في عقول هؤلاء؛ وأن نظرتم للتعايش نظرة انهزامية، والتعايش قدر على الضعيف أن يستسلم للقوي.
فالتعايش بهذا المعنى عندهم يقتضي أن أحد الطرفين ينبغي أن يتنازل عن دينه ويتخلى عن عقيدته ويتنكر لهويته حتى يسمى متعايشا، والأغرب من هذا أن الطرف المطلوب منه ذلك هو المسلم، دائما ينبغي عليه –المسكين- أن يتنازل عن مبادئه ويتنكر لدينه لصالح جميع الأديان والملل والعقائد، مع محافظة الآخرين على أديانهم وعقائدهم، وإلا سيكون ذلك المسلم المسكين ضد التعايش، وينبذ السلم والتسامح، ويتبنى التطرف والتشدد، وهلم جرا مما تتضمنه تلك الأسطوانة المشروخة التي لا يفتأ أدعياء الحداثة والعلمنة والتقدم يكررونها في كل مرة وعند كل مندبة وحادثة يتجاوز عنها المعنيون بها ولا يبرح المتنكرون المنبطحون يتباكون على التعايش وقيم الحداثة بسببها.
ان ما يتحجج به أدعياء الحداثة من كون المسؤول الغربي الذي منحنا اللجوء والإقامة لا يليق به أن نتعامل معه بتلك الطريقة، وأنه يلزم التنازل على الشعائر الدينية لأجل ذلك العمل الإنساني من باب التعايش والتسامح؛ فهذه حجة تافهة تدل على سفاهة في الفكر وحنق في القلب على الاسلام وأهله وشعائره، ورغبة كامنة في ظهور المسلم بمظهر المستسلم المنهزم المنبوذ المحتقَر.
فإذا كان يقتضي منح اللجوء أو الحماية أو الرفاهية التخلي عن العقيدة فهذا استغلال بشع لظروف إنسان من أجل تغيير معتقده ودينه؛ فهذه ليست إنسانية إذن، وهو عمل مجرم حتى بالقوانين الدولية الوضعية لما فيه من الإكراه واستغلال الظروف.
عندما يتعلق الأمر بالشعائر الدينية يكفر بنو علمان بكل مبادئهم التي يتشدقون بها من قبيل احترام الاختيار والحرية الشخصية والحقوق الدينية وحرية الاعتقاد..
يتأكد هذا أن نفس العمل قام به وزير الصحة اليهودي مع وزيرة الصحة الفرنسية والذي رفض مصافحتها التزما بتوجيهات دينه وعقيدته، حيث مرّت الأمور بسلام دون ضجيج ولا بكاء ولا عويل ولا غبار متناثر ولا إقامة مأثم على التعايش المستباح ولا السلام المهان، فقط لأن الفاعل يهودي بينما الأخريات مسلمات.
يتأكد أيضا بالضجة التي اقامها الإعلام البريطاني في يونيو 2018 ضد الرئيس الأمريكي ترامب الذي خرق البروتوكول في مصافحة الملكة إلزابيث، واعتبروا ذلك تجاوزا وإهانة لأنه لم يلتزم بضوابط البروتوكول والإتكيت البريطاني في مصافحة الملكة والسلام عليها. هذا الإتكيت الذي يعتبر خصوصية مميزة لكل بلد، وتنوعا ثقافيا ينبغي احترامه والالتزام به مراعاة لكل الأعراف والتقاليد الدولية سواء الرسمية منها أو الشعبية. إلا أن يكون هذا الإتكيت إسلاميا فهو همجية وتخلف ورجعية وماضوية وعقلية متحجرة وثقافة بالية ينبغي تجاوزها في نظر بني علمان العرب، وهلم ترترة…
وهكذا تتوالى فضائح بني علمان وموازينهم المختلة، فالإسلام وحده الذي يصيبهم بالحنق والضيق والأسى دون سائر الملل والعقائد. ومع أنه بكل فخر ومصداقية ومطلق الحقيقة أولأ لا يوجد دين مثل الإسلام يقر السلام والتعايش والتسامح وقبول الآخر، ويكفي دليلا على ذلك أنه عند تشكل أول نواة للدولة المسلمة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، حين هاجر إلى المدينة كان أول عمل قام به صلى الله عليه وسلم هو كتابة وثيقة التعايش بينه وبين من يقطن المدينة من اليهود والنصارى بشكل لم يعرف له مثيل.
وقد ألفت البحوث والكتب في بيان التعايش وأصوله وضوابطه ومقاصده في الإسلام من لدن العديد من العلماء والباحثين. فليخسأ المنبطحون الانهزاميون من أدعياء العلمنة والحداثة من أبناء جلدتنا المتكلمين بألسنتنا والحاقدين من كل صنف؛ فالإسلام هو معلم التعايش وأستاذه بدون انهزامية ولا دونية ولا صَغار ولا ذلة.
حسبنا الله ونعم الوكيل