الموظفة بين الأجرين.. صناعة المساواة الرقمية وإضاعة العدل الكوني
هوية بريس – طارق الحمودي
“مارس“، هو إله الحرب في الديانة الرومانية الوثنية، وقد اختير يوم الثامن منه ليكون يوم المرأة في العالم، وهو أمر يشعرك بأن المقصود هو “محاربة المرأة“، أعوذ بالله من ظن السوء، وإلا فالناظر في حال المرأة اليوم، يميل إلى الاعتقاد بذلك، بلا مثنوية، فها هي المرأة قد سلخت من “نفسها” وجعلت “غيرها“، فخرج الإناث قاصدين مزاحمة الرجال في كل شيء، وواطأهم في ذلك زمرة من الذكور اللواتي صرن دروعا تحمي مشروع “النسوية“، بل “التمركز حول الأنثى“، على طريقة القبائل الوثنية القديمة، ولعلك لاحظت اختلالا في “الضمائر” عند “الإناث” و”الذكور“، والملاحظة صحيحة، لكنني لم أبعد عن طريقة الدكتور المسيري حينما قال: (ورجال تحمر وجوههن من النساء، ولا مانع من استخدام نون النسوة هنا، حتى نحطم حدود اللغة تماما)، وقد عكست أنا الأمر في “الإناث” أيضا، ولم يكن قصد المسيري إلا التنبيه على أن القضية كلها “تفجير” لما تعارف عليه الناس، فلإن جاز في الأفكار والأبدان، فلأن يجوز في الإعراب من باب أولى!
وظيفة المرأة… وسُلَّمها
من عجيب الكلام النبوي، قوله عليه الصلاة والسلام: (والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها)، وفي رواية (على بيت زوجها)، ووجه العجب فيه، أنه جعل “رعي” المرأة ومسؤوليتها ووظيفتها، “في” بيت زوجها، لا في شركة مديرها، ولا في معمل مشغلها، ففي البيت “رعيها” وفيها “مَقامها ومُقامها“، فإن خرجت، فلتحقيق مصلحة لا يستطيع تحقيقها الرجال، أو تشارك فيه الرجل كتعليم العلم، أو تطبيب النساء وتمريضهن، ولا يخرج ذلك عن أن تكون “قارة” في بيتها، راعية لشؤونه وما احتواه من ثقيل الوظائف -ولذلك ورد في الرواية الأخرى (على)، الدالة على القيام بالأمر والانشغال به- وهو صناعة “السكينة” في البيت و”استدامتها“، وبناء كمال العقول والأبدان في أبنائهما، وفي ذلك ارتقاؤها وترقيها، وهناك سلمها وصعودها، وإلا فإن سلالم الخارج، تصعد بصاحبتها إلى الأسفل، وما تفعل الراكبة ذلك في كثير من الأحيان إلا اضطرارا واحتياجا.
مضاعفة الأجرة … في البيت
تأملت كثيرا في قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها)، وقارنته بقوله عليه الصلاة والسلام في “صلاة الرجل“: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، فوجدت أن فقه الحديثين معا قائم على التمييز والتفرقة، وعدم المساواة بين الرجل والمرأة في أفضلية مكان الصلاة، فصلاة الرجل جماعة أفضل، وفي المسجد أولى، وصلاة المرأة منفردة أفضل، في بيتها، بل في محل نومها، وقلت في نفسي: كيف تصنع المرأة التي تخرج للعمل خارج بيتها اختيارا دون حاجة حقيقية إلا الرغبة في المزاحمة والمكاثرة؟ أليس خطاب الحديث بين في دفع المرأة إلى ملازمة البيت، أفلا تعقلين؟
صوت رقيق.. وعمل دقيق
تأملت في الفرق بين رقة صوت المرأة وغلظ صوت الرجل، فقلت: لماذا هذا التمييز البيولوجي بينهما، فتخيلت الرجل يخاطب طفلا صغيرا بصوت عالي التردد، قوي النبرة يريد أن يسكت بكاءه، أو يستجلب رقاده، أيناسبه ذلك، أم تراه يفضل صوت أمه الرقيق ذي النبرة الحانية، تغني له، وترقصه، واضح أن رقة صوتها مناسب لمخاطبة الطفل الصغير ومؤانسته والغناء له، لتنويمه وإسكاته، الصوت رقيق، لأن العمل دقيق، فبين يديها قطعة لحم صغيرة لا قوة لها، وليس له من لغة سوى “الصراخ” و”البكاء“، ولا يسكته إلا رقة صوت أمه، فهي الخبيرة بأمره، وأما الأب، فيده في التراب والخشب، والحديد والإسمنت، وصوته خشن لينادي به البعيد، في المصنع والمزرعة والسوق، ويدفع به المعتدي العنيد، يزأر في وجه الدخيل ويرهبه، فهل سمعتم امرأة تصرخ في السوق بثمن البصل والبرقوق؟ إن سمعتموه، فالهرب الهرب إلى الجبال.
النساء الأمازونيات أو المرأة كما يريدها أفلاطون
عقد في طنجة في يوم من الأيام ندوة عن “المرأة في فكر ابن رشد“، وكان مصدر ذلك تلخيصه لجمهورية أفلاطون التي دعا فيها إلى جعل المرأة شائعة بين الرجال، يزْنون بها بالتناوب، وإلى جعلها شاة ولادة تلد فتأخذ الدولة ولدها لتصنع منه “مواطنا ولاؤه للدولة“، يجهل أباه وأمه، وإلى أن تكون النساء مثل الرجال جنديات وعسكريات حارسات، ولو استدعى ذلك أن تقطع المرأة أحد ثدييها أو كلاهما كي لا يعيقها عن الجري وحمل السلاح والزحف على البطن أثناء المعركة، كما فعلت الأمازونات في شمال أفريقيا، وإلى أن تشارك النساء الرجال في رياضة الجري وغيرها عاريات، لكسر الحاجز الحيائي بينهما، لأنه كان يريد مجتمعا بهيميا حيوانيا، بدعوى “الفلسفة“، وصناعة “السعادة الإنسانية“، وقد حاول محمد عابد الجابري دفع التهمة عن ابن رشد، وسواء فشل في ذلك أو نجح، فإنه لم يتعقب دعوات أفلاطون، فإن ذلك ما يريده الفكر العلماني في العالم، وقد رأينا تحقق بعض ذلك، وهم في الطريق إلى استكمال المشروع الأفلاطوني.. في المغرب خاصة، عن طريق القوانين التي يسعى ذاك الروداني جاهدا إلى استصدارها.
الرضيع… قد يضيع
تخرج كثير من النساء لوظائفهن أو أعمالهن، وقد تترك كثير منهن رضَّعهن عند جاراتهن أو أمهاتهن، وغالب هؤلاء للأسف مدفوعات بالحاجة أو مضطرات، وأما المزاحمات المستكثرات فيجعلن لذلك خادمات، خرجن من بيوتهن تاركات في أحيان كثيرة أولادهن أيضا، للحاجة أو الاضطرار، فما هذا الخبط والعبث، الرضيع بهذا يضيع، في الحالتين، فأين رعاية حقوق الطفل عند النسويات، ولا جرم، فإن هؤلاء النسويات هن أنفسهن من يطالب بإجهاض هذا الطفل جنينا، قبل أن يصير عبئا، تحتاج معه إلى المكث في البيت لرعايته، أو استقدام خادمة لمراقبته وخدمته، وأما الرعاية فلا يستطيعها إلا الأم، وانتهى الكلام.
التكامل والتراحم، أو التقاتل والتزاحم؟
جعل التزاحم النساء يحُزْن مناصب عمل كانت يمكن أن تكون للرجال، الذين يريدون عملا يستطيعون به توفير المال لتكوين أسرة أو إعالتها، وكان الصحيح أن تسعى المرأة في ذلك لتحقيق التكامل بأن تعمل فيما لا يستطيعه الرجال، في التعليم والتمريض والطب للنساء، كان الأولى التراجم لا تزاحم، التكامل لا التقاتل، ولكن القوم يريدون تفجير كل القيم، وإفساد كل العادات الحميدة التي كانت سببا في الارتقاء والبقاء، وها هم اليوم يريدون للإنسان أن يعيش في حالة صراع دائما، صراع الحضارات، صراع الأجيال، الصراع الطبقي، الصراع مع المرض، الصراع مع الطبيعة، الصراع بين الزوج والزوجة، بين الرجل والمرأة، بين الإنسان وربه، وبينه وبين نفسه.
في الطريق إلى الزواج
يقولون لها، يجب أن تؤمِّني مستقبلك بالدراسة، وأن تصبر على ذلك لمدة عشرين سنة، حتى إذا بلغت سبعا وعشرين عاما، حصلت على شهادة تمكنها من العمل، فتبدأ مشوار البحث عنه، وقد يطول حتى إذا بلغت الثلاثين ووجدت عملا، راجعت نفسها، فوجدتها أنثى، تحتاج إلى بيت وزوج وأولاد، فتأمل بعد ذلك أن يرغب فيها شاب طال عمره في الدراسة والبحث عن وظيفة، لكنها تجده يبحث عن فتاة في عمر الثامنة عشرة والعشرين، وها قد تأخر سن الزواج بسبب استكمال الدراسة..ثم طلبا للحصول على وظيفة…!
هذه حالة كثير من النساء والرجال، والسبب فيها نظام تعليم فاشل، وإعلام هادم لا هادف، وسياسات اقتصادية فاشلة فاسدة، من كل وجه، فشلت كلها في تكوين الآباء والأمهات في الوقت المناسب، بالصفة المناسبة، ولذلك تطالب هيئات نسائية غربية اليوم أن تعود المرأة إلى أصلها، وأن تسهل الدولة أسباب الزواج، وتعين على حسن تنشئة الأطفال، ونحن أولى بكل ذلك بل بأفضل وأرقى وأنقى، وهو أمر تحول بيننا وبينه المؤسسات الشيطانية في العالم، والحل الوحيد في عودة المرأة إلى بيتها، ورعايته.