النخبة الفاسدة شر البلاء.. أما إذا تلبست بلبوس الدين فـ…!!
هوية بريس – د. إدريس أوهنا
إن من شر ما ابتليت به مجتمعاتنا الإسلامية، علماء يقولون ما لايفعلون، ومن أجل حطام الدنيا يبيعون ويشترون، وفي أحضان اولاد زايد وابن سلمان والسيسي يرتمون، يصفقون للباطل ويمدحون، ويستنكفون عن قول الحق ويجبنون، ولست بحاجة إلى تسمية أحد عملا بقول الفقهاء: المعين مبتدع، ثم لقد باتوا معلومين مفضوحين، وفيهم وفي أمثالهم قال الله تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث}[سورة الأعراف]
ومما قاله سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآيات واصفا بدقة حال هؤلاء:
“وكم من عالم دين رأيناه يعلم حقيقة دين الله ثم يزيغ منها، ويعلنغيرها، ويستخدم علمه في التحريفات المقصودة، والفتاويالمطلوبة لسلطان الأرض الزائل !…
ولقد رأينا من هؤلاء من يكتب في تحريم الربا كله عاما، ثم يكتب في حله كذلك عاما آخر … ورأينا منهم من يبارك الفجور وإشاعة الفاحشة بين الناس، ويخلع على هذا الوحل رداء الدين وشاراته وعناوينه.
فماذا يكون هذا إلا أن يكون مصداقا لنبأ الذي آتيناه آياتنافانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين؟ وماذا يكون هذاإلا أن يكون المسخ الذي يحكيه الله سبحانه عن صاحب النبأ: ولوشئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ! … ولو شاء الله لرفعه بما آتاه من العلم بآياته ، ولكنه – سبحانه – لم يشأ ، لأن ذلكالذي علم الآيات أخلد إلى الأرض واتبع هواه ، ولم يتبع الآيات …
إنه مثل لكل من آتاه الله من علم الله، فلم ينتفع بهذا العلم، ولم يستقم على طريق الإيمان، وانسلخ من نعمة الله، ليصبح تابعا دليلا للشيطان وينتهي إلى المسخ في مرتبة الحيوان !…
والحياة البشرية ما تني تطلع علينا بهذا المثل في كل مكان وفي كل زمان وفي كل بيئة … حتى إنه لتمر فترات كثيرة، وما تكادالعين تقع على عالم إلا وهذا مثله … فيما عدا الندرة النادرة ممنعصم الله، ممن لا ينسلخون من آيات الله، ولا يخلدون إلى الأرض، ولا يتبعون الهوى، ولا يستذلهم الشيطان، ولا يلهثون وراء الحطام الذي يملكه أصحاب السلطان؟ فهو مثل لا ينقطع وروده ووجوده،وما هو بمحصور في قصة وقعت في جيل من الزمان.” (راجع تفسير الآية في ظلال القرآن).
ومعلوم أن كل علم لا مصداق له من حال صاحبه وعمله ومواقفه تنزع منه البركة، فإذا صار مأجورا من السلطان لتسويق الباطل والسكوت عن الحق، انقلب هو وما يقوله معول هدم في الأمة، ومصدر شر للضعفاء منها.. أما الأقوياء الفطنون، فلا يقوى البهرج الخداع على خداعهم، آخذين بقول الشاعر:
لا يعجبنك من خطيب خطبـــة *** حتى يكون مع الكلامأصيلا
إن الكلام لفي الفؤاد وإنمـــــا *** جعل اللسان على الفؤاددليلا
وقول من قال في وصف من ظاهره العلم، وباطنه ومواقفه بخلافه:
خبر دميم تحت رائق منظر * ** كالفضة البيضاء فوقنحــــاس
وفي وصف حال من يتكسبون ويرتزقون باسم العلم قال بعضهم:
عٌنوا يطلبون العلم في كل بلدة *** شبـــــــابا فلما حصلوه وحشروا
وصح لـهم إسناده وأصـــــوله *** وصاروا شيوخا ضيعوهوأدبروا
ومالوا على الدنيا فهم يحلبونها *** بأخلافها مفتوحها لايصـــــــرر
فيا علماء السوء أين عقـــولكم *** وأين الحديث المسندالمتخيـــــــر
وفي ذم هؤلاء المتورقين المتزلفين المتملقين قال الشاعر:
أهل الرياء لبستم ناموسكم *** كالذئب أدلج في الظلام العاتم
فملكتم الدنيا بمذهب مالك *** وقسمتم الأموال بابن القاســم
ولقد رأينا كثيرين من عبيد المال هؤلاء الذين اتخذوا مما علمهم الله سلما لنيل الأعواض وكسب الأغراض لهثا وراء حطام الدنيا، فقبلوا أن يعاملوا من أسيادهم معاملة السادة للعبيد، وأن يلعبوا دور المصفق المادح تحت الطلب، ومن دونه حتى.. فصدق فيهم قول الحق سبحانه: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار}.. إنهم علماء السوء، أو مثقفو السوء – فما أبعد أغلبهم عن درجة العالمية !!– الذين قال فيهم الإمام الشاطبي رحمه الله:
“فإن علماء السوء هم الذين لا يعملون بما يعلمون، وإذا لم يكونوا كذلك فليسوا في الحقيقة من الراسخين في العلم، وإنما هم رواة ،والفقه فيما رووا أمر آخر، أو ممن غلب عليهم هوى غطى على القلوب والعياذ بالله ” (الموافقات 1/52).
ورأينا بالمقابل ولله الحمد والمنة من الأشاوس الأبطال من لا يترددون في قول كلمة الحق مهما كلفتهم، لا يخافون في الله لومة لائم، ولا تكسر شوكتهم في الحق صولة ظالم، تاركين التورق والتملق والتزلف لمن في جهله سامد سائم، وإن تزيى بزي الصوفي الناعم، أو تعمم بعمامة العالم وما هو بعالم!! شعار هؤلاء الأشاوس:
إذا قيل هذا اليسر أبصرت بدونه *** مواقف خير من وقوفي بهاالعسر
فإن لم يكن عند الزمان سوى الذي *** أضيق به ذرعا فعندي لهالصبـــر
وأختم هذا الوجع وليس هذا المقال بقول أبي الحسن الفالي:
لما تبدلت المجالس أوجهــــا *** غير الذين عهدت من علمائها
ورأيتها محفوفة بسوى الألى *** كانوا ولاة صدورهاوفِنائهـــا
أنشدت بيتا سائرا متقدِّمـــــا *** والعين قد شَرِقت بجاريمائها
أما الخيام فإنها كخيامهـــــم *** وأرى نساء الحي غيرنسائهــا