النشاط البشري عزز تآكل التربة منذ 4 آلاف عام
هوية بريس – وكالات
تعد التربة هي الأساس لجميع العمليات الحيوية التي تحدث على سطح الأرض. وعلى مدار آلاف الأعوام، لعبت التغيرات في تركيب القشرة الأرضية (التغيرات التكتونية)، وكذلك المناخية الدور المؤثر في عمليات التعرية والتآكل التي حدثت للتربة.
لكن على المدى القصير والمستويات المحلية الصغيرة، أصبح النشاط البشري هو المحرك الأساسي لتآكل التربة. ولدراسة هذا التغير، قام فريق دولي من الباحثين الأوروبيين والكنديين من معهد ماكس بلانك بألمانيا والمعهد الوطني للبحوث العلمية في كندا بتسجيل التغيرات الزمنية لتآكل التربة.
درس الباحثون تآكل التربة الذي حدث في الأزمنة الماضية، وذلك عن طريق تحليل رواسب 632 من البحيرات في جميع أنحاء العالم تم جمعها خلال عقود ماضية.
أرشيف الطبيعة لعمليات تآكل التربة
يقول الدكتور جان فيليب جيني من معهد ماكس بلانك للكيمياء الحيوية ومركز كارتِل لعلم البحيرات وقائد هذه الدراسة فيما نقله موقع يوريك ألرت: “تعتبر رواسب البحيرات سجلات أرشيفية طبيعية لأنشطة التآكل. إذ إن سجل عمليات تحلل وإزالة التربة والصخور بما تحويه من مواد مذابة يتم الحفاظ عليه بشكل مرتب زمنيا على هيئة طبقات رسوبية متراكمة في الجزء السفلي من البحيرات”.
وباستخدام قياسات الكربون المشع، استطاع العلماء تحديد عمر طبقات رواسب البحيرات، وكذلك معدلات تراكم هذه الرواسب.
ويشرح الأستاذ بيير فرانكيز، المؤلف المشارك في الدراسة وأستاذ كرسي في المعهد الوطني للبحوث العلمية في كندا، هذا الاكتشاف قائلا “هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها شكلا عاما من زيادة الرواسب المتراكمة في قاع عدد من البحيرات والذي حدث خلال العصر الجيولوجي الحديث أو ما يعرف بالهولوسين (10 آلاف سنة ماضية)”.
وللبحث عن الأسباب المحتملة التي أدت لزيادة هذه الطبقات الرسوبية، درس الباحثون سجلات حفريات حبوب اللقاح الموجودة في البحيرات نفسها، وذلك لمعرفة التغيرات التي حدثت في غطاء اليابسة وحفظتها كل بحيرة على حدة.
في هذا الصدد يضيف جيني قائلا “لقد كنت مندهشا حقا عندما وجدنا أن الزيادة في تراكم هذا الرواسب قبل أربعة آلاف عام قد تزامن مع انخفاض حبوب اللقاح الشجرية. فبالطبع يعكس هذا الانخفاض التغيرات التي حدثت في غطاء اليابسة النباتي، ولا سيما الناتج عن عمليات تمهيد الأرض وتسويتها لتصبح صالحة للزراعة والاستيطان، والذي من المرجح أنه أدى إلى تدهور حالة التربة وتآكلها”.
الأمر الذي دعمته التحليلات الإحصائية التي أشارت إلى أن تغير الغطاء الأرضي كان المحرك الرئيس للتراكم المتسارع لهذه الرواسب في تلك البحيرات، ومن ثم أدى إلى تآكل التربة.
تآكل التربة وارتباطه بالحضارات والإمبراطوريات
وبالتفحص الدقيق للبيانات، وجد الباحثون أيضا أن ثمة علاقة -على الصعيد المحلي- بين التغيرات في تراكم تلك الرواسب، وما يرتبط بها من تطورات اجتماعية واقتصادية حدثت خلال استيطان البشر لتلك المناطق.
فعلى سبيل المثال، كانت الزيادة في تآكل التربة في أميركا الشمالية أحدث زمنيا مما كانت عليه في أوروبا، وتعكس هذه الزيادة تأخر تطبيق الأنشطة الزراعية الأوروبية عقب استيطان الأوروبيين أميركا الشمالية.
على العكس من ذلك، ارتبط انخفاض تراكم تلك الرواسب في 23% من المواقع مع زيادة بناء السدود واستخدام المياه، وخصوصا في الإمبراطوريات الرومانية والصينية منذ ثلاثة آلاف سنة.
النشاط البشري يسرّع من تآكل التربة
وبشكل عام، فإن هذه الدراسة تقترح أن التغير في وفرة الأشجار كان هو الدافع الرئيس لتآكل التربة. علاوة على ذلك، فإن إزالة الغابات -الذي حدث بفعل البشر- يفسر تسارع تآكل التربة خلال الأربعة آلاف عام الأخيرة.
وتعقيبا على أهمية هذه النتائج، يضيف فرانكيز قائلا “سوف توفر لنا هذه النتائج الحصول على توقعات أفضل وأكثر دقة لدورة الكربون على المدى الطويل”.
ويلخص الدكتور جيني الأمر قائلا “لم يكن التأثير على البيئة أمرا حديثا ناتجا عن التغيرات الفظة الناجمة عن غازات الاحتباس الحراري، بل إن الإنسان قد بدأ ذلك التأثير العالمي على البيئة منذ أربعة آلاف عام”.
المصدر: موقع الجزيرة.