النصاب الشرعي بين تقلبات الاقتصاد العالمي وحكمة التشريع الإسلامي

النصاب الشرعي بين تقلبات الاقتصاد العالمي وحكمة التشريع الإسلامي
هوية بريس – ذ.نبيل العسال
أولاً: العوامل المؤثرة في سعر الذهب عالميًا :
سعر الذهب لا يحدده طرف واحد، بل هو انعكاس لتوازنات اقتصادية وسياسية ومالية معقدة، وأهم المؤثرات:
1. قوة الدولار الأمريكي
بما أن الذهب يُسعَّر عالميًا بالدولار، فإن ارتفاع قيمة الدولار يجعل الذهب أغلى على أصحاب العملات الأخرى فينخفض الطلب ويهبط سعره، والعكس صحيح.
2. أسعار الفائدة
الذهب أصل لا يدرّ عائداً، لذلك عندما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة يفضّل المستثمرون السندات والودائع البنكية على الذهب فينخفض سعره. وعندما تنخفض الفائدة، يرتفع الطلب على الذهب كملاذ آمن.
3. التضخم
الذهب يُعتبر مخزنًا للقيمة وحماية من التضخم. كلما ارتفع التضخم لجأ الناس إلى الذهب للحفاظ على مدخراتهم، فيرتفع ثمنه.
4. الأزمات والتوترات الدولية
الحروب والنزاعات والأزمات المالية ترفع الطلب على الذهب لأنه يُعتبر “الملاذ الآمن”.
5. العرض والطلب الفعلي
إنتاج المناجم في دول مثل الصين وجنوب إفريقيا وأستراليا.
الطلب القوي في أسواق مثل الهند (الزواج) والصين (الادخار).
مشتريات البنوك المركزية لزيادة احتياطاتها.
6. المضاربة في الأسواق العالمية
تحركات صناديق الاستثمار الكبرى في أسواق العقود المستقبلية تؤدي أحيانًا إلى ارتفاع أو انخفاض سريع في الأسعار بعيدًا عن العوامل الأساسية.
ثانياً: تأثير هذه العوامل على النصاب الشرعي
● النصاب الشرعي في الذهب محدد بـ 85 غرام ذهب خالص.
● إذا ارتفع سعر الذهب، ارتفعت القيمة النقدية للنصاب.
● وإذا انخفض سعر الذهب، انخفضت القيمة النقدية للنصاب.
مثال عملي (المغرب اليوم):
ثمن غرام الذهب عيار 24 ≈ 1,069 درهم.
النصاب = 85 × 1,069 = حوالي 90,865 درهم مغربي.
وهذا يعني أن من ملك هذا المبلغ أو أكثر وحال عليه الحول، وجبت عليه الزكاة بنسبة 2.5%.
🔹 ثالثاً: الخلاف الفقهي حول النصاب (ذهب أم فضة؟)
من حكمة التشريع أن النصاب لا ينحصر في الذهب فقط، بل هناك أيضًا نصاب الفضة (595 غرامًا).
وقد اختلف العلماء:
● من اعتمد على نصاب الذهب باعتباره الأعدل اليوم.
●●من اعتمد على نصاب الفضة مراعاةً للفقراء.
●●● من قال بالأخذ بـ أقلهما وخو الفضة حاليا .
وهذا الخلاف يعطي مرونة واسعة لضبط النصاب بما يحقق مقاصد الشريعة في تحقيق العدالة والرحمة.
رابعاً: استنتاج
من الواضح أن السياسات الاقتصادية الدولية، وخاصة السياسات الأمريكية (مثل قرارات الفيدرالي حول الفائدة)، تؤثر في سعر الذهب وبالتالي في قيمة النصاب.
لكن الشريعة الإسلامية بحكمتها أبقت باب المرونة مفتوحًا، فجعلت اعتماد نصاب الفضة ممكنًا ، حمايةً للفقراء وتوسيعًا لدوائر الإنصاف.
✦ فديننا العظيم جمع بين الدقة الشرعية والرحمة العملية، ليبقى العدل أساس كل معاملة مالية.كيف لا وهو من العليم الحكيم.
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (سورة التوبة: 34)
خامسا: تأمل
من آيات الله أن الذهب الذي اختارته الشريعة نقدًا ما زال إلى اليوم يحتفظ بخصائصه النقدية الأساسية:
● قابلية التداول عالميًا، فهو معترف به في كل زمان ومكان.
● مخزن ثابت للقيمة، فلا يفسده التضخم ولا انهيار العملات.
● وحدة معيارية يمكن قياس بها الثروة والديون.
وقد كان يعبر عن ذلك الفقهاء بقولهم ان الذهب والفضة فيهما علة الثمنية التي مازات موجودة الى يومنا هذا.
ومع أن الأوراق النقدية الحالية صارت هي الوسيط الرسمي في التعاملات، فإنها تفقد قيمتها مع التضخم والفوائد الربوية، بينما الذهب ما زال يحافظ على مكانته كأصل نقدي لا يتأثر بنفس الطريقة وهو الملجأ والملاذ في حال الازمات ، والدليل هو ارتفاع سعره حاليا مقارنة مع العملات الاخرى التي تفقد قيمتها .
ولهذا فإن جعْل النصاب مرتبطًا بالذهب والفضة يكشف حكمة التشريع: فالنقود الحالية متغيرة وتضعف، لكن الذهب الذي اختير في الشريعة يظل ثابت الخصائص ويُبقي نصاب الزكاة معيارًا عادلًا عبر الأماكن و القرون. ﴿ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (الأنعام: 96).




