النصيحة الكافية لوزير الأوقاف إن سأل عن العافية
هوية بريس – مولاي التهامي بهطاط
“من العظائم، الكلام في تفسير القرآن بالرأي، من غير استناد إلى علم، وهو تحريف إن خالف، وإثم إن صادف”.. (النصيحة الكافية/زروق)
أثار الدرس الافتتاحي للدروس الحسنية الذي ألقاه السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية قبل أيام، ضجة كبيرة بسبب فقرة وردت فيه.
لن أخوض في ما تضمنته هذه الفقرة، حتى لا أكرر ما كتبه أو قاله من هم أعلم بهذا الموضوع، بل أكتفي بتسجيل بعض الملاحظات من حيث الشكل، أرجو أن يتسع صدر السيد الوزير لها، علما أن الدعوى حين تسقط شكلا، فإنها ساقطة “موضوعا” بالتبعية.
وأبدأ بنص الفقرة المثيرة للجدل: “أما القضية الثالثة عشرة فتهم التعامل مع الأبناك؛ ذلك أن بعض المتكلمين في الدين قد أحرجوا ضمير المسلمين بالقول إن الربا هو الفائدة على القرض بأي قدر كانت، مع العلم بأن حكمة القرآن جاءت للقطيعة مع ممارسة كانت شائعة في بعض الحضارات القديمة وهي استعباد العاجز عن رد الدين بفوائد مضاعفة، وكان بعض فلاسفة اليونان قد استنكروا ذلك. أما الاقتراض في هذا العصر فمعظمه للضرورة أو الاستثمار، وما يتم أداؤه من الفوائد يتعلق بثمن الأجل ومقابل الخدمات، فيما الفائدة تقل بقدر نمو الاقتصاد في البلد”.
بداية تفاصيل لن أتوقف عندها:
– من وسمهم السيد الوزير بـ “بعض المتكلمين في الدين”، هم في الحقيقة الغالبية الساحقة من علماء الأمة ومن مختلف الجنسيات والمذاهب والأجيال، بينما من قال بحِل “الفائدة” هم أقلية الأقلية، بحيث يمكن عدهم على رؤوس الأصابع؛
– سبب نزول أية الربا هو قول ثقيف “إنما البيع مثل الربا”، والحكم نزل بسبب ممارسات العرب في جاهليتهم، وليس تصديقا لحكمة اليونان، أو رفضا لممارسات “بعض الحضارات القديمة”، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: “ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس” (الترمذي) وما إلى ذلك من الأحاديث الواردة في شأن الربا، وكلها في ارتباط مع المعاملات “التجارية” لعرب الجزيرة، لا لليونان ولا للرومان..
– إذا كانت “الفائدة” حلالا، فهل تجب الزكاة فيها بالتبعية؟ وهذا سؤال “تعم به البلوى” المرجو إحالته على الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء.
بعد هذا أتوقف عند الملاحظتين الرئيسيتين التاليتين:
– يبدو أن السيد الوزير “نسخ” بهذه الفقرة المختصرة، كل ما جاء في الظهير 1.15.02 (20 يناير 2015) بتتميم الظهير 1.03.300 (22 أبريل 2004) المتعلق بإعادة تنظيم المجالس العلمية.
فهذا الظهير أصبح غير ذي معنى، ليس لأن السيد الوزير ترامى على اختصاصات “المجلس العلمي الأعلى”، بل لأنه أكد أن إصدار هذا الظهير هو مجرد عبث أصلا، يفترض أن تتنزه عنه “أفعال وأقوال العقلاء”.
وللتوضيح فقد أضاف هذا الظهير إلى مهام المجلس العلمي الأعلى ما يلي (المادة 3):
– إبداء الرأي بشأن مطابقة الأنشطة والعمليات التجارية والمالية والاستثمارية التي تقوم بها المؤسسات والهيئات المشار إليها ..لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها؛
فإذا كانت “الفائدة” ليست هي الربا، فما معنى الحديث عن “مطابقة الأنشطة والعمليات التجارية والمالية والاستثمارية لأحكام الشريعة الإسلامية”؟
ولماذا تم أصلا إنشاء البنوك التشاركية، بل وإحداث “لجنة شرعية للمالية التشاركية” لدى الهيئة العلمية الملفة بالإفتاء، وصفها نفس الظهير بأنها “لجنة علمية متخصصة”؟ (المادة 10)
والأهم من ذلك، التساؤل عن سر تحديد اختصاصات هذه اللجنة في:
1- إبداء الرأي بشأن مطابقة المنتوجات المالية التشاركية التي تقدمها مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها لزبنائها، ونماذج العقود المتعلقة بهذه المنتوجات، لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها…؛
2- إبداء الرأي بشأن مطابقة مضمون المناشير التي يصدرها والي بنك المغرب لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، المتعلقة بالمنتوجات المالية التشاركية، والودائع الاستثمارية، والعمليات التي ينجزها صندوق ضمان ودائع البنوك التشاركية؛
3- إبداء الرأي بصفة خاصة بشأن مطابقة عمليات التأمين التكافلي التي تقوم بها مقاولات التأمين وإعادة التأمين، في إطار المالية التشاركية، لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها..؛
4- إبداء الرأي بشأن مطابقة عمليات إصدار شهادات الصكوك طبقا للتشريع الجاري به العمل مع أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، كيفما كانت الجهة المصدرة لها.
فإذا كان “بعض المتكلمين في الدين قد أحرجوا ضمير المسلمين بالقول إن الربا هو الفائدة على القرض بأي قدر كانت”، فما مبرر تكرار “أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها” مرارا في هذه المادة، م ادامت المعاملات البنكية التقليدية موافقة لهذه الأحكام ولهذه المقاصد حسب “اجتهاد” السيد الوزير؟ بل ما هو مبرر إقبال المغاربة على التعامل مع هذه المؤسسات رغم “فوائدها” العالية مقارنة بالبنوك التقليدية؟
(إشارة: بلغت قروض السكن التشاركية في متم يناير الماضي 21.7 مليار درهم بزيادة قدرها 14 في المائة مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية حسب معطيات بنك المغرب).
ولماذا اشترطت المادة 10/2، أن تتألف “اللجنة الشرعية للمالية التشاركية من منسق وتسعة أعضاء من العلماء الفقهاء المشهود لهم بالمعرفة الراسخة والإلمام الواسع بأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وبالقدرة على الإفتاء وبيان حكم الشرع في القضايا المعروضة على اللجنة”؟ ولماذا ألزمتها بالاستعانة “على سبيل الاستشارة، بخمسة خبراء دائمين -على الأقل- يُختارون من بين الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين المشهود بكفاءتهم وخبرتهم في مجال من مجالات القانون والمالية التشاركية والمعاملات البنكية وقطاع التأمينات وسوق الرساميل”؟
ولما تم إلزامها بإبداء “رأيها بشأن الأنشطة والعمليات التجارية والمالية والاستثمارية ونماذج العقود، والمناشير المتعلقة بالمالية التشاركية.. ومدى مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها”؟ ولماذا اشتراط “إجماع أعضائها الحاضرين الذين شاركوا في مداولاتها”؟
ومن إجماعات هؤلاء الأعضاء -بالمناسبة- ما جاء مثلا في رأي اللجنة رقم 3 الصادر في 10 دجنبر 2016، حول مشروع منشور والي بنك المغرب بتحديد شروط وكيفية أنشطة وعمليات البنوك التشاركية، وهو الرأي الذي استند “لأصول الفقه الإسلامي وقواعده، ولا سيما الاجتهادات المعتبرة في الفقه المالكي” وأنقل منه الفقرات التالية:
– “.. أن تُحدِث (البنوك) بنية خاصة لتدبير الأنشطة والعمليات المذكورة بكيفية مستقلة عن باقي الأنشطة والعمليات الأخرى التي تقوم بها..
وألا تزاول النافذة المعنية أي نشاط أو عملية تندرج ضمن النشاط البنكي التشاركي إلا بعد التصريح بمطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها من قبل المجلس العلمي الأعلى..
ويتعين على كل بنك معني أن يحدث لدى النافذة المكلفة بتدبير الأنشطة والعمليات المذكورة، وظيفة خاصة من أجل السهر على ضمان تقيدها بالآراء الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى..”
-“.. يجب تخصيص التطبيقات المعلوماتية البنكية المتعلقة بتدبير الحسابات البنكية وعمليات الصندوق ومنتجات التمويل وبيانات التصريح التنظيمية وتدبير السيولة بشكل حصري ومستقل..”
– “إن اللجنة تؤكد أن ما ورد في مشروع المنشور المعروض عليها في صيغته النهائية.. مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وليس فيه ما يخالف هذه الأحكام استنادا للأدلة الشرعية، والاجتهادات الفقهية المعتبرة”.
فما هو مبرر كل هذا الكلام، إذا كان السيد الوزير قد جزم بأن الفائدة ليست ربا؟ ولم كل هذه المتاهات والاعتمادات والجهود والاجتماعات والاجتهادات، إذا كانت المعاملات البنكية “KIF- KIF”؟
أما الملاحظة الثانية والأخيرة، فيمكن النفاذ إليها عبر سؤال من قبيل: من الذي جند نفسه للدفاع عن “اجتهاد” السيد الوزير؟
أتوقع أن يكون ديوان السيد الوزير قد أعد لائحة بأسماء هؤلاء، لا لنشرها، بل لاستقرائها، ووزن اصحابها في موازين العلم، ولا شك أن أي منصف نزيه موضوعي سيلاحظ أنه لم ينتصر لـ”الفتوى” الجديدة -عموما- سوى بعض “المؤلفة قلوبهم”، بينما التزم “العلماء الفقهاء” كما وصفهم الظهير أعلاه الصمت، وأظن أنه لولا “واجب التحفظ الشديد” الذي يحكم “المؤسسة العلمائية الرسمية” لشهدنا ربما سيناريوها آخر..
على أن الخطير هنا، هو أن هؤلاء ربما أساؤوا إلى السيد الوزير وأقفلوا في وجهه باب الرجعة أو التراجع، أو حتى التوضيح والتصحيح.
فمعظمهم ركز على وجود “فوارق بين الربا كما كان في زمن النبوة، والمعاملات البنكية الحالية”، وهذه تخريجة عجيبة إن لم يكن فيها تدليس مقصود أصلا.
فالقرآن حرم الربا، والسنة النبوية أوضحت بعض صوره، وقد أنتج لنا ذلك قواعد مضبوعة تحكم المعاملات المالية فتضعها في خانة البيع أو القرض الحسن أو الربا.
ثم إن هذه “القاعدة” التي ابتدعها هؤلاء، تفرض عليهم تعميمها باطراد على باقي المحرمات الأخرى.
فالزنا الذي حرمه الإسلام، إنما هو ذاك الذي كان يفرضه ابن أبي سلول وغيره على عينة من الجواري كمسيكة ومعاذة، وبالتالي لا ينطبق على “العلاقات الرضائية” التي لا يشوبها إكراه، بل لا ينطبق أصلا على “الخدمات” التي تقدمها “عاملات الجنس” اليوم..
والخمر المحرمة في القرآن هي “الانذرين” و”أذرعات” و”بانقيا” و”الصليفية” و”بيسان” و”جيلان” وغيرها من الأصناف التي كانت معروفة في “الجاهلية”، والتي لا علاقة لها قطعا بـ”الويسكي” و”السكوتش” و”الفودكا”..
ويمكن أن نستمر في هذا العبث إلى ما لا نهاية..
خلاصة..
حبذا لو تفضل السيد الوزير، بعقد جلسة علمية مع أعضاء اللجنة الشرعية لإقناعهم برأيه، وبالتالي التخفيف عن خزينة وزارته بإعفائها من أداء أجور هؤلاء وما يتبعها من مصاريف لجنتهم..
أما المدافعون عنه، فحبذا لو أطلوا على كتابات العلامة الراحل د. أحمد لسان الحق وهو من أتباع الطريقة البوتشيشية المشهورين، وليس وهابيا، للتأمل في سر وصفه البنوك بـ”الربوية”..
ختاما..
نقل الشيخ أحمد زروق في نصيحته الكافية: “إذا كان الكلام إلى العالم أحب من الصمت فقد هلك”..