النظام الجزائري والهوس المغربي
هوية بريس – الصادق بنعلال
أ – يوفر النظام السياسي المغربي فضاء لا بأس به من حرية التعبير عن الرأي والموقف تجاه قضايا بالغة الحساسية وطنيا وإقليميا ودوليا، بل إن هيئة حزبية (النهج الديمقراطي) وإطارا مدنيا (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان)، رغم صغر حجمهما وضعف أدائهما المهني في المشهد الواقعي العام، لا يتوقفان عن التعبير عن وجهة نظرهما المتعارضة والمتناقضة للموقف المغربي الرسمي والشعبي حول قضية بالغة الأهمية؛ الصحراء الغربية المغربية، دون أن يتعرض أحد منهما إلى المحاكمة والاعتقال والاختطاف، كما يحدث بشكل متواصل في الدولة الجزائرية، التي تدعي أنها ليست طرفا في مسألة الصحراء، وأنها مجرد “طرف محايد” ! وما وقع للكاتب والمثقف الجزائري الأصل الفرنسي الجنسية مؤخرا “بوعلام صنصال” (80 سنة) من اعتداء شنيع، فقط لأنه عبر عن رأيه الخاص عن مغربية الصحراء الشرقية، وهو رأي يشاركه فيه كبار المثقفين والسياسيين الجزائريين الأحرار، دليل على غوغائية هذا النظام وتدخله السافر فيما لا يعنيه، و نزعاته العدوانية ضد المغرب.
ب – كنا وما زلنا – نحن المغاربة – نخص الشعب الجزائري الشقيق بكل مشاعر الود والمحبة والتآزر، داعين الله جلت قدرته عودة التطبيع والتقارب والعلاقات الشاملة بين القطرين المغاربيين دون قيد أو شرط، لكن إعلام النظام الجزائري سعى سعيا ومال ميلا نحو إغراق سفينة الوحدة، وإشعال الحرائق في وجه البناء والتشييد والأمل، عبر إملاءات فوقية متعنتة. بح صوتنا ونحن نطالب بالتهدئة والعودة إلى جادة الصواب، وعبرنا كتابة في عديد المواقع الإخبارية الوطنية والعربية المحترمة، نذود عن قيم التسامح والتضامن والعمل المشترك.. لكن أصحاب القرار في البلد الجار أبوا إلا أن يبقوا على هذا الشرخ المأساوي الرهيب.
ج – وفي هذا المنحى تعد الصحراء الغربية المغربية قضية وطنية داخلية بين الدولة والانفصاليين الصحراويين، وهما الطرفان المعنيان بالوصول إلى الحل السياسي التوافقي الواقعي، فما دخل النظام الجزائري في الموضوع، ما شأنه وهذا التجييش والتحريض والاستهداف الأسطوري للمصالح الحيوية للمغرب؟ لماذا يحشر هذا النظام أنفه في “مسألة” لا ناقة له فيها ولا جمل؟ لماذا يخصص الإعلام الجزائري الرسمي وغير الرسمي (وهل هناك فرق) التلفزيون الحكومي ووكالة الأنباء الرسمية والصحف واسعة الانتشار.. برامج شبه يومية تنفجر حقدا على كل ما هو مغربي، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ورياضيا.. ومن تحصيل الحاصل القول بأن العاهل المغربي، خاطب بالصوت والصورة رئيس الجمهورية الجزائرية منذ أكثر من ثلاث سنوات، معلنا عن استعداده للقاء قمة يجمعهما قصد النظر في كل الملفات العالقة بين البلدين الجارين، تاركا له اختيار التوقيت والمكان المناسبين لذلك، إلا أن رئيس الجزائر أجاب عن سياسة اليد المغربية الممدودة باللامبالاة والاستخفاف، بل بتصريح دبلوماسي يتعارض ومنطق الدولة الواقعية والمتوازنة، حينما أعلن وبالصوت والصورة أيضا عن “نقطة اللاعودة” فيما يتعلق بالأزمة الحادة بين البلدين. وهكذا تناسلت الاتهامات والأراجيف والأكاذيب والمزاعم بالجملة، صدرت عن البنية العسكرية الجزائرية في حق المغرب، فأضحى هذا الأخير عدوا وسببا وراء أي إخفاق جزائري في كل المجالات والميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية .. !
د – وبناء على ما سبق، إذا كان أصحاب القرار في الجارة الشرقية قد أجمعوا على رفض أي صلح أو حوار أو وساطة عربية أو أجنبية لتقريب الهوة بين الجارين أو تطبيع هيكلي شامل، فإن المغرب (قادة وشعبا) لن يتوقف عن انتهاج مسلك العقل والقيم الإنسانية الداعية إلى الأرقى والأفضل لشعوب المنطقة، ولن يتوانى عن العمل من أجل مستقبل أكثر إشراقا واستقرارا وازدهارا، “والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.