النظام الجزائري يرفع يده عن الصحراء المغربية
هوية بريس – سعيد الغماز
بعد صراع سياسي مع المغرب دام أكثر من 48 سنة، وبعد دراسة معادلة الربح والخسارة من هذا الصراع، ووضع مخاطر الاستمرار في الخلافات أمام الفرص التي تتيحها جسور التعاون والتصالح، قرر النظام الجزائري رفع يده عن قضية الصحراء المغربية.
إجراء تبعه العديد من القرارات من قبيل إيقاف تمويل جبهة البوليساريو، والتخلي عن دعم الجبهة الانفصالية في المنتظمات الدولية، وتحرير مدينة تندوف من جميع الصحراويين الذين فُرضت عليهم الإقامة الجبرية هناك، وقطع جميع العلاقات مع قيادات البوليساريو مع مطالبتها بإخلاء مساكنها بالعاصمة الجزائر وغلق مكاتبها بتندوف….
هذه الإجراءات سيكون لها أثر كبير على مستويين. أولا على مستوى الصحراويين الذين فُرضت عليهم الإقامة الجبرية في المخيمات، سيجد هؤلاء واقعا جديدا يمكنهم من التعبير بحرية عن رأيهم وسيتمتعون بحرية الاختيار. آنذاك ستجد أن كل الصحراويين سيختارون العيش في حضارة القرن 21 التي تجسدها المدن المغربية في الصحراء، خاصة العيون والداخلة والسمارة وبوجدور. وسيطرحون على أنفسهم الكثير من الأسئلة حول سماح الجزائر وقيادة البوليساريو بتجميعهم لمدة عقود في مخيمات بدائية تفتقر لأبسط مقومات العيش في القرن 21، ولربما يطالبون المسؤولين عن معاناتهم لسنوات طوال بالتعويض عن كل تلك الفترة ومحاكمة كل من ثبُت تورطه في تلك المأساة الإنسانية.
المستوى الثاني متعلق بقيادة البوليساريو. هذه القيادة إذا وجدت نفسها بدون غطاء جزائري، ستصبح ليس فاقدة للدعم المالي فحسب، بل ستجد نفسها بدون مأوى ولا أرض تستقر فيها. هذه الوضعية الجديدة ستجعل قيادة البوليساريو أمام خيار وحيد هو الالتحاق بالصحراويين الذين قرروا العيش بكرامة وفق شروط إنسانية في مدن الصحراء المغربية. حينذاك سيكتشف الجميع أن الحكم الذاتي هو الخيار الصائب لأنه خيار العيش الكريم، والسكن اللائق بإنسانية الصحراوي الذي قضى عمره في مخيمات بدائية بتندوف. إنه كذلك خيار التنمية المستدامة، والعمل المشترك لبناء المستقبل وتوفير شروط أفضل للأجيال القادمة.
لو رفع النظام الجزائري يده عن الصحراء المغربية، وترك الأمر بين المملكة المغربية التي تعتبر الصحراء جزءا من التراب الوطني، وجبهة البوليساريو التي تنادي بدولة وهمية وتُروج لأطروحة لا سياق تاريخي لها، لعرفت هذه الأخيرة انحسارا وعزلة وتنكرا حتى من أقرب الداعمين لها. آنذاك، سيتمكن الجميع، في ظل الواقع الجديد، من رؤية الصراع بعين ثاقبة، وحكامة جيدة، ستخلق مشهدا جديدا بعلاقات وقرارات من شأنها أن تنقل المنطقة من واقع إلى واقع قد يكون ضربا من الخيال.
لو رفع النظام الجزائري يده عن قضية الصحراء، وقام بتغيير عقيدته العدائية ضد المغرب التي عمرت أكثر من أربعة عقود، ليعوضها بعقيدة التعاون وحسن الجوار والمصير المشترك، لقابل المغرب هذه الخطوة باليد الممدودة التي مُدت للنظام الجزائري حتى في عز تدخله الواضح في الوحدة الترابية للمملكة.
هذا الواقع الجديد سيجعل كل بلد ينظر لجاره بعين الفرص المتاحة والتكامل الاقتصادي والانسجام التنموي. وسيتضح للجميع، بعد جلاء غبار الصراع الوهمي والخلاف المصطنع، أن محور المغرب الجزائر في دائرة المغرب العربي، يشكل قوة ضاربة سواء في العلاقات السياسية مع باقي البلدان والتجمعات الإقليمية، أو في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
هكذا إذا سنشهد أوراشا تنموية كبرى كانت إلى عهد قريب ضربا من الخيال العلمي. سنتحدث عن القطار المغاربي الذي سيجوب كل دول المغرب العربي، سنشهد خطوطا بحرية تجوب المحيط الأطلسي والمتوسطي عبر جبل طارق، سنشهد طرقا سيارة تجعلك تنتقل من أرض المغرب إلى أرض الجزائر دون أن تعرف متى تخطيت الحدود وكأنك في وطن واحد. سيكون مشهد الشاحنات المحملة بسلسلة من السيارات تنطلق من المغرب لتزود باقي مدن المغرب العربي، مشهدا مألوفا. سيكون مشهد العمال الذين ينتقلون من دولة إلى أخرى في إطار التكامل في الخبرات، هو كذلك مشهد مألوف وليس ضربا من الخيال كما هو حالنا اليوم… باختصار سيكون المغرب والجزائر رقما صعبا في المنطقة بقوته الاقتصادية واختياراته التنموية ومشاريعه الكبر وقراراته الاستراتيجية. ولن تتلاعب به دول الاتحاد الأوروبي كما تفعل الآن. كما أنها لن يعود باستطاعتها آنذاك توزيع أدوار أعضائها بين المغرب والجزائر لخدمة مصالحها واستغلال الخلافات القائمة بين الجارين.
في ظل القرارات العدائية للنظام الجزائري، يكون هذا المشهد ضربا من الخيال. لكن، إذا قام النظام الجزائري فقط برفع يده عن الصحراء، سيكون مشهدا ممكنا ومعقول، بل سيكون هو المشهد الطبيعي في منطقة المغرب العربي.
إلى ذلك الحين…نحن ننتظر أن تُمطر السماء، قطرات الحكمة والتعقل على قصر المرادية.