الهجرة السرية سؤال وجواب
هوية بريس – إبراهيم أقنسوس
عملية الإقتحام التي قام بها جموع من المهاجرين، لمدينة امليلية، تستدعي وقفات هادئة ومسؤولة، بقصد النظر في هذه الأحداث المتلاحقة، والتي تنضوي تحت مسمى (الهجرة السرية)؛ فالحاجة ماسة اليوم إلى إنجاز مقاربة علمية وشمولية، لهذا الذي يجري ويتطور، بعيدا عن التوظيفات السياسيوية، التي لا تعني غير المزيد من إضاعة الأوقات في نزاعات وتجاذبات لا تفيد؛ ولبلوغ هذه الغاية لا بد من استحضار جملة من العناصر، التي تبدو أساسية، وهذه بعضها:
أولا : إن أغلب هؤلاء المهاجرين، إنما تركوا أوطانهم مكرهين، وركبوا الأهوال والمخاطر فرارا بأرواحهم، وببعض أهليهم، من أوضاع مأساوية، تصنعها وتغذيها أنظمة استبدادية، تصر على قهر مواطنيها، برعاية وحماية دول وجهات استعمارية، تسرق خيرات ومدخرات وثقافة هذه البلاد الإفريقية، مقابل غض الطرف عن استبداد ساستها وقهرهم لمواطنيها، ما يعني أن العديد من هذه البلدان الغربية تحديدا، تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، في صناعة وتغذية ظاهرة الهجرة السرية، أو الفرار السري على الأصح، وهي بالتأكيد تعرف ذلك جيدا، وتفضل أن تتناساه، وتطلب من الآخرين أن ينوبوا عنها، في مواجهة هؤلاء المواطنين الفارين بأرواحهم، من أوطانهم وديارهم الأصلية، ما يضعنا أمام تناقض صارخ وغير مفهوم.
ثانيا : إن الموقع الجغرافي (الجيوستراتيجي) لبلادنا، وقربها من أوربا، يجعلها موضوعيا، موطن عبور للراغبين في الهجرة، من مختلف الأجناس، وخاصة مواطني جنوب الصحراء، ما يعني أن الأمر يتعلق بمهمة شاقة، وبدور كبير ينتظر من بلادنا أن تقوم به، وبشكل يكاد يكون دائما ومستمرا، ما يتطلب إمكانات مادية وبشرية هائلة، تحتاج إلى تضافر كافة جهود دول الجوار، لتوفير المساعدة اللازمة والكافية لبلادنا، حتى تنجح في هذه المهمة الصعبة، والتي لا تخلو من خطورة، كما لا تخلو من استغلال سياسوي ضيق لأعداء بلادنا، والأحداث الأخيرة تكفي مثالا للتدليل.
ثالثا : فضلا عن هذا الدور الذي تلعبه بلادنا، في مواجهة جموع المهاجرين، بغرض ثنيهم عن مجاوزة الحدود، ومساعدتهم على العودة إلى أوطانهم، فقد اختارت بلادنا أيضا، أن تتحول إلى موطن إقامة بالنسبة للعديد من هؤلاء المهاجرين، الذين وجدوا أنفسهم، اختيارا أو اضطرارا، يقيمون بيننا؛ ومبدئيا هذا سلوك حضاري جيد، ولكن نجاحه يتطلب شروطا، لا بد من توفيرها، ويأتي على رأسها، تمكين هؤلاء الضيوف من ظروف الحياة الكريمة؛ فلا معنى أن نرحب بجموع المهاجرين بيننا، ثم نتركهم ينتشرون في شوارعنا وأزقتنا، يمضون أوقاتهم في استجداء المارة، وطلب مساعدتهم، بلا أفق ولا رؤية، ولا برنامج محدد؛ فبلادنا بكل تأكيد، ليست في حاجة إلى متسولين جدد.
رابعا : ويبقى الحل الأمثل والضروري والمنطقي، هو تمكين هؤلاء المواطنين من أسباب الحياة الكريمة، في بلادهم الأصلية، ومع أهلهم وذويهم، ودعوة أنظمتهم ومساعدتها على إحداث الإصلاحات السياسية والإجتماعية الضرورية، وذلك بإعادة النظر في أشكال التعامل مع ساكنة البلاد الإفريقية عموما، والكف عن استنزاف خيراتها، وغض الطرف عن تجاوزات أنظمتها وساستها، بمنطق انتهازي استعماري عنصري؛ فهؤلاء بشر كاملي الأهلية، يستحقون الحياة الكريمة، في بلدانهم الأصلية، وهذه مسؤولية سياسية وأخلاقية، يتحملها من يقفون وراء صناعة مأساتهم في الداخل وفي الخارج معا، فلا يمكن أن نصنع مأساة الشعوب، ثم نطلب من الآخرين علاجها ومواجهتها.