“الهجوم على قطر… دلالات وعِبَر”

11 سبتمبر 2025 20:28

هوية بريس – شريف السليماني

الهجوم الأخير على قطر ليس حدثاً عابراً، بل هو رسالة تحمل في طياتها كثيراً من الدلالات والعِبَر. فهو يكشف من جديد طبيعة الصراع وحدوده، ويعيد طرح أسئلة جوهرية عن حقيقة التحالفات، وعن الأطراف التي تحرّك خيوط اللعبة في الخفاء والعلن. ومن هنا أكتب هذه السطور، أعبّر فيها عن قناعاتي وما أراه من حقائق ينبغي الوقوف عندها.

من يظن أن هناك فرقاً بين مجرم الحرب وبين ترامب فهو لا يدرك حقيقة المشهد. كلاهما مجرم، ولا يمكن للأول أن يتحرك خطوة واحدة دون ضوء أخضر من الثاني. ومن يتصور غير ذلك فلا يخرج عن أحد وصفين: جاهل أو غبي.

ولنفرض جدلاً أن ترامب لم يشارك مباشرة، فإنه هو الذي يوفر له الحماية، ويضغط على الدول لتقف إلى جانبه، ويهدد محكمة العدل الدولية لأنها أصدرت مذكرة اعتقال بحقه، ويستخدم الفيتو في مجلس الأمن لعرقلة أي عقوبة أو قرار لوقف الحرب. فكيف يمكن لعاقل أن يفرق بين الاثنين؟

أما هذا العدوان الغاشم فلا يمكن أن ينتهي إلا إذا تجرع نظام الكيان ألماً يفوق قدرته على الاحتمال. وإلى اليوم، فإن كل ما ناله من أوجاع لم يبلغ بعد المستوى الذي يجعله يتراجع.

كما أن نهايته لن تتحقق إلا إذا توحدت مواقف القادة المسلمين والعرب، واتخذوا قرارات جماعية تجعل نظام الكيان يخشى ردّاً حقيقياً موجعاً، لا مجرد بيانات تنديد.

ومما قد ينهي هذا العدوان أيضاً استمرار صحوة الضمير العالمي، وخاصة في الغرب، بحيث يصل المعارضون لهذا النظام الإجرامي إلى مواقع القرار، ويحققون أغلبية في الانتخابات القادمة، ويضعون في برامجهم التزاماً بوقف أو على الأقل إضعاف الدعم الغربي لهذا النظام المنبوذ والمحاكم دولياً.

وما دام ترامب ونظامه شركاء في الإجرام، فإن بقاء العلاقات مع أمريكا كما هي، وفتح الأبواب لها استخباراتياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً، لا يُفهم إلا كتواطؤ. فالتوافق بين أمريكا ونظام دولة الاحتلال قائم في كل شيء، من تبادل المعلومات الاستخباراتية إلى الدعم الكامل في المحافل الدولية. ولهذا فإن التعاون مع أمريكا في الوقت الراهن لا يختلف عن التعاون مع نظام دولة الاحتلال نفسه، وكل دولة عربية أو إسلامية تتمسك بعلاقتها مع أمريكا في هذه الظروف، وهي التي يُفترض أن تقف مع إخوانها، فإنها عملياً داعمة لنظام الكيان في كل إجرامه ومخططاته.

ولعل هذه الضربة بالذات تكون سبباً أو حافزاً يدفع بعض الدول العربية، وخاصة الخليجية منها، إلى إعادة النظر في تحالفاتها. فقد تبيّن أن الاحتماء بأمريكا هو احتماء بحارس الغدار لا ينفع، ما دامت هي التي أعطت الضوء الأخضر ووافقت على ضرب قطر، رغم أن قواعدها العسكرية موجودة فيها والمفروض أنها حليف لها. فمن يثق في حماية أمريكا بعد هذا؟ ولا بد للدول العربية والإسلامية الأخرى التي ظلت تحتمي بها أن تأخذ الدرس والعبرة.

والمؤلم أكثر هو موقف كثير من رجال الدين والعلماء والدعاة الذين يرون أنظمتهم مرتمية في أحضان أمريكا، ويرون دعمها اللامشروط لنظام دولة الاحتلال، وقد صدّعوا رؤوسنا لعقود بحديثهم عن الولاء والبراء، وانتقدوا أشخاصاً عاديين وربما كفّروهم لمجرد تعامل عابر مع غير مسلم. ومع ذلك، ها هم يشاهدون أنظمتهم ودولهم بأكملها توالي دولاً معادية تساهم في قتل وتشريد وإبادة إخوانهم، ومع ذلك لا يحركون ساكناً! إلى الله المشتكى.

وفي غياب هذه الشروط مجتمعة او معظمها على الأقل، فلا يمكن لعربدة نظام الكيان وإجرامه أن يتوقف. بل على العكس، شخصياً لا أستغرب قيامهم بأي شيء؛ فمن يدري، قد يقصفون قناة الجزيرة يوماً ما، أو يستهدفون بعض الحكام العرب، أو أي شخصية يشتمون فيها رائحة معارضة أو تهديد، حتى ولو كان مستقبلياً أو في باطنه. في غياب الوازع الأخلاقي والضمير الإنساني لديهم، وفي غياب العقاب الدولي والرد الموجع، يصبح كل شيء متوقعاً وكل شيء وارداً.

وأستغرب حقاً من كل من لا يزال يدعم هذا العدو المجرم رغم كل ما قام ويقوم به. فأي ذرة إنسانية بقيت لمن يمد له العون؟ وكيف يمكن أن يتحدث يوماً عن الإنسانية من يقف في صفه ويدعم جرائمه؟

هذه قناعاتي، أكتبها للتاريخ وللضمير الإنساني الحي.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
12°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة