الهلاكيون الجدد ومسألة غزة
![](https://sp-ao.shortpixel.ai/client/to_auto,q_glossy,ret_img,w_900,h_507/https://howiyapress.com/wp-content/uploads/2025/01/rachid.jpg)
هوية بريس – د.رشيد بن كيران
عندما أقدمت رجالات المقاومة على تنفيذ عملية طوفان الأقصى، وكانت بتوفيق الله في غاية الإتقان والنجاح، ابتهج المسلمون حول العالم وباركوها، وكان أول الفرحين أهل غزة وعموم الفلسطينيين. أما من تخلف عن إبداء الفرح والرضا والمباركة، فلم يكن سوى محور التصهين المعروف، وشرذمة من غلاة التجريح، وعبدة ولي الأمر، وضعفة العقول.
وإذا كان موقف محور التصهين منسجما مع مبادئه وأفكاره، فإن غلاة التجريح وعبدة ولي الأمر وضعفة العقول اضطربت لديهم الرؤية، وراحوا يتخبطون في تبرير موقفهم المخالف للأمة الإسلامية، حتى لجأوا إلى كيل الاتهامات جزافا ضد المقاومة وعمليتها البطولية، بأوصاف لا تمت إلى الشرع أو العقل بصلة.
◆ التهم الموجهة إلى المقاومة:
– ادعاء الخروج على السلطة: زعم بعضهم أن أهل المقاومة في غزة هم خوارج؛ لأنهم خرجوا على سلطة فتح أو سلطة “أبي مازن”، متناسين أن هذه السلطة نفسها تحت الاحتلال لا تتحرك إلا وفق إرادة الكيان الغاصب، وأنه لا ولاية شرعية لمحتل أو من يخضع له.
– اتهام المقاومة بإلقاء النفس في التهلكة: اعتبر آخرون أن قتال العدو القوي مجازفة غير محسوبة، رغم أن المقاومة أعدّت للمعركة بقدر المستطاع، ولم تدخر وسعا في تجهيز نفسها امتثالا لأمر الله ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَا ٱستَطَعتُم مِّن قُوَّةٍ﴾، فكيف يوصم فعلها بالتهور!!؟ ومتى كان تحرير الأوطان دون دماء زكية تستشهد في سبيل الله!!؟
– التحجج بقبول المساعدة من إيران: زعم فريق آخر أن المقاومة انحرفت عن المنهاج القويم لمجرد قبولها دعما عسكريا من إيران، بحجة أن الإيرانيين يسبون الصحابة ويعادون أهل السنة. لكن هؤلاء يتجاهلون أن الجهة منفكة بين الأمرين، فالمساعدة ليست اعترافا بعقيدة الطرف الآخر، وإنما قائمة على مصلحة سياسية وعسكرية متبادلة، وقد أقرّ بعض الفقهاء بجواز الاستعانة بالكافر في الحرب عند الضرورة، فكيف بالمبتدع!!؟
◆ السقوط في مستنقع الاتهام
القاسم المشترك بين هؤلاء جميعا هو وضع المقاومة في قفص الاتهام، ثم البحث عن أي شبهة أو تهمة لإدانتها، بدل النظر إلى الحقائق بميزان الشرع والعقل والواقع. لكن عند التمحيص، تتلاشى هذه التهم أمام أدلة الشرع وقواعد الفقه وأحكام السياسة الشرعية، ولا تصمد أمام التحليل المنطقي المبني على فقه الواقع وتنقيح الأخبار.
◆ دلالة الواقع على صوابية “طوفان الأقصى”
أكبر دليل على صحة خيار المقاومة ونجاح عمليتها ليس فقط في الضربة الموجعة التي وجهتها للعدو الذي كان يخطط للمكر بها فسبقته، بل في التفاعل الشعبي معها. لقد رأينا أهل غزة يفرحون في بداية عملية طوفان الأقصى، ثم لما انطلقت الحرب تحملوا ويلاتها بكل ثبات، وصبروا على الإبادة الجماعية، وأصناف العذاب، ومع ذلك لم يرفعوا راية الاستسلام. على العكس، فقد عبّروا عن إيمانهم، ورضاهم بقضاء الله وقدره، وتشبثهم بأرضهم، وألهموا العالم بصمودهم. وما كان لعملية طوفان الأقصى أن تكون لها قيمة مدافعاتية واسترتيجية وسياسية لو الصمود البطولي لأهل غزة.
ثم، مع إعلان وقف القتال، استُقبل أبطال المقاومة استقبال الفاتحين، وعانقهم أهل غزة، وأكدوا للعالم أن أبطال المقاومة جزء لا يتجزأ من الشعب، بل هم منه وهو منهم. وعندما دعى الواجب الوطني إلى النفير نحو شمال غزة، لبّى الشعب النداء في مسيرة تجسّد “طوفان الأقصى” في وجهه الحضاري، الذي أثبت للعالم وللكيان الغاصب ومحوره أن شعب غزة مرة أخرى هو الصانع الحقيقي لعملية الطوفان، وهو المنتصر، حتى أن جنود العدو بكوا عندما أدركوا هزيمتهم في الطوفانين العسكري والحضاري.
◆ “الهلاكيون” وإنكار الواقع
ورغم هذه الحقائق الساطعة، نجد بعض الأصوات الساذجة -ممن يمكن تسميتهم “الهلاكيين” نسبة إلى حديث النبي ﷺ: “إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم“- يحاولون إنكار هذا الانتصار.
يزعمون أن المقاومة ألحقت الضرر بالشعب الفلسطيني، وكأنهم أدرى بواقع غزة من أهلها أنفسهم!
لكن العجيب أنهم يتجاهلون ما يصرّح به أهل غزة، الذين يعون تماما ما جرى لهم، ويشعرون بالنصر، ويرون ثمرات ما قدموه، إذ أحيت عملية “طوفان الأقصى” قضيتهم من جديد بعدما كادت تُدفن.
ورغم ذلك، يصر “الهلاكيون” على مواقفهم المتهافتة، ويرددون شبهاتهم القديمة، دون أن يشعروا بأنهم -في نهاية المطاف- يصطفون موضوعيا في خندق محور التصهين.
فإن تعجب فكل العجب حينما يحتاج ضوء النهار إلى دليل!