الواجبات الشرعية “الخمس” نحو قرار ضم الضفة الغربية – د. وصفي عاشور أبو زيد
هوية بريس – د. وصفي عاشور أبو زيد
أقام الله تعالى الحياة على سنن وقوانين لا تبديل لها ولا تحويل ولا محاباة، ومن أهم هذه السنن سُنة التدافع، فلا حياة بدون تدافع، وبدون التدافع تفسد الأرض؛ إذ يسود الباطل ويتمكن من الأرض، وهو ما سيترتب عليه فساد في الأرض، بعدم معرفة الحق من الباطل ولا الباطل من الحق، قال تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة: 251).
قال العلامة عبدالرحمن السعدي في تفسيرها: «أي: لولا أنه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها وإقامتهم شعائر الكفر ومنعهم من عبادة الله تعالى، وإظهار دينه (وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)؛ حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم والمدافعة عنهم ومكنهم من الأرض بأسباب يعلمونها، وأسباب لا يعلمونها». (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: 109، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1421هـ/ 2000م).
ومن سُنة الله تعالى في الاحتلال أنه لا يدوم، ولا يستقر ولا يستمر، فلم يحتل عدو أرضاً على مر التاريخ إلا ووجد هبة الشعب المقاوم يدافعه ويقاتله حتى ينجلي انجلاء تاماً من الأرض التي احتلها، هكذا تحدث التاريخ ونبَّأ الواقع!
أمام هذا الإقدام على قرار ضم أجزاء من الضفة الغربية لأرض المحتل الصهيوني، فإن هناك عدة واجبات شرعية نوجزها في الآتي:
الأول: استحضار خطاب التحرير الكامل والمقاومة الشاملة:
أحياناً -بل دائماً- يتعمد العدو إلهاء المسلمين في قضايا جزئية لينسى أصل القضية، ففي حالة فلسطين مثلاً احتل الصهاينة الأرض، ثم يجورون شيئاً فشيئاً، ويحتلون أجزاء إضافية، ويقومون باعتداءات جديدة؛ فيكون الأمل والمطلب أو الهدف هو الرجوع للحالة التي قبل الاعتداء الإضافي، ويتناسى الناس أصل الاحتلال وواجب مقاومته حتى زواله عن الأرض كلها.
فمرة يبني مستوطنات، ومرة ثانية يجعل القدس عاصمة «إسرائيل»، ومرة ثالثة يقدم على التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى، ومرة رابعة يعلن تهويد القدس، وهكذا.. فينشغل الناس بالحديث عن الاعتداء الجديد وينسون الحديث أو استحضار الحديث في الخطاب الشرعي والسياسي والقانوني عن واجب التحرير الكامل للأرض والمقدسات والأسرى والمسرى والقدس وفلسطين كاملة.
وقد أجمع المسلمون من جميع المذاهب أن العدو إذا اغتصب أرضاً وجب الجهاد على الرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر، فإن لم تتحقق الكفاية بأهل المحلة تحرك الواجب الشرعي على من يلونهم حتى تتحقق الكفاية في جهاد العدو ودحره.
فالواجب الشرعي استحضار خطاب التحرير الكامل مهما أقدم العدو على اعتداءات جديدة، ولا يجوز الانغماس الكامل في الحديث عن الجديد ونسيان الأصل، بل استحضاره والحديث عنه جنباً إلى جنب مع الاعتداءات الجديدة واجب شرعاً وعقلاً وسياسة؛ وهو ما يحيي القضية بشكل حقيقي في نفوس الأمة، ويحقق غيظ العدو وإرهابه، وهو من مقاصد المقاومة.
الثاني: توحيد الصف الفلسطيني:
ومن الواجبات المهمة أمام قرار الضم وغيره من القرارات وجهاد العدو الصهيوني عموماً هو توحيد الصف الفلسطيني، ولن يتم نصر أو أي إنجاز يذكر في قضية فلسطين ولا غيرها من قضايا الأمة إلا بتوحيد صف الشعب الفلسطيني وبخاصة فصائل المقاومة فيه، فالوحدة من واجبات الشرع عموماً، قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء 92)، وتوحيد الصفوف فريضة في القتال أعلن الله تعالى في القرآن الكريم أنه يحبها، وهو حض عليها وأمر بها طبقاً لضيع الأمر عند الأصوليين، قال عز شأنه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف: 4)، قال ابن كثير في تفسيرها: «فَهَذَا إِخْبَارٌ مِنْهُ تَعَالَى بِمَحَبَّةِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا اصْطَفُّوا مُوَاجِهِينَ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَدِينُهُ هُوَ الظَّاهِرُ الْعَالِي عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ». (تفسير القرآن العظيم: 8/ 107، تحقيق سامي بن محمد سلامة، دار طيبة، الطبعة الأولى، 1418هـ/ 1997م).
وهذا الصف والتراص يجب أن يكون على الجهاد والمقاومة وليس على المهاترات السياسية والاتفاقات الزائفة التي ثبت أنها سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، ومن هنا فإن العدو لن يحترمنا إلا إذا كنا صفاً واحداً، يداً واحدة، كلمة واحدة، أمام صلفه المعهود، وكبره الدائم، وعدوانه المستمر، وإجرامه المتكرر.
وهذا التوحد والتراص يجب أن ينادي به العلماء ويبيّنوا وجوبه الشرعي، وتنادي به الأمة الفصائل أن تتحد وتتوحد؛ فإن في وحدتهم إغاظة للعدو، وإعطاء دفقة أمل كبيرة للعلماء أنفسهم، وبث روح تفاؤل وأمل في جموع المسلمين في كل مكان.
الثالث: تطوير إمكانات المقاومة القتالية:
نحن في عصر –وهكذا كل عصر- لا يعرف إلا لغة القوة، والقوة عندنا محفوفة بضوابط الشرع وليست طائشة أو باغية، والله تعالى يقول: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ) (الأنفال: 60).
يقول العلامة جمال الدين القاسمي في كتابه «محاسن التأويل» في تفسير هذه الآية: «دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى وُجُوبِ إعْدادِ القُوَّةِ الحَرْبِيَّةِ، اتِّقاءَ بَأْسِ العَدُوِّ وهُجُومِهِ، ولَمّا عَمِلَ الأُمَراءُ بِمُقْتَضى هَذِهِ الآيَةِ، أيّامَ حَضارَةِ الإسْلامِ، كانَ الإسْلامُ عَزِيزاً عَظِيماً، أبِيَّ الضَّيْمِ، قَوِيَّ القَنا، جَلِيلَ الجاهِ، وفِيرَ السَّنا، إذا نُشِرَ لِواءُ سُلْطَتِهِ عَلى مُنْبَسَطِ الأرْضِ، فَقَبَضَ عَلى ناصِيَةِ الأقْطارِ والأمْصارِ، وخَضَّدَ شَوْكَةَ المُسْتَبِدِّينَ الكافِرِينَ، وزَحْزَحَ سُجُوفَ الظُّلْمِ والِاسْتِعْبادِ، وعاشَ بَنُوهُ أحْقاباً مُتَتالِيَةً وهم سادَةُ الأُمَمِ، وقادَةُ مَشْعُوبٍ، وزِمامُ الحَوَلِ والطَّوْلِ وقُطْبُ رَوْحَيِ العِزِّ والمَجْدِ، لا يَسْتَكِينُونَ لِقُوَّةٍ، ولا يَرْهَبُونَ لِسَطْوَةٍ.
وأمّا اليَوْمَ، فَقَدْ تَرَكَ المُسْلِمُونَ العَمَلَ بِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، ومالُوا إلى النَّعِيمِ والتَّرَفِ فَأهْمَلُوا فَرْضاً مِن فُرُوضِ الكِفايَةِ، فَأصْبَحَتْ جَمِيعُ الأُمَّةِ آثِمَةً بِتَرْكِ هَذا الفَرْضِ ولِذا تُعانِي اليَوْمَ مِن غُصَّتِهِ ما تُعانِي، وكَيْفَ لا يَطْمَعُ العَدُوُّ بِالمَمالِكِ الإسْلامِيَّةِ، ولا تَرى فِيها مَعامِلَ لِلْأسْلِحَةِ، وذَخائِرَ الحَرْبِ، بَلْ كُلُّها مِمّا يُشْتَرى مِن بِلادِ العَدُوِّ؟
أما آنَ لَها أنْ تَتَنَبَّهَ مِن غَفْلَتِها، وتُنْشِئَ مَعامِلَ لِصُنْعِ المَدافِعِ والبَنادِقِ والقَذائِفِ والذَّخائِرِ الحَرْبِيَّةِ؟ فَلَقَدْ ألْقى عَلَيْها تَنْقُصُ العَدُوِّ بِلادَها مِن أطْرافِها دَرْساً يَجِبُ أنْ تَتَدَبَّرَهُ، وتَتَلافى ما فَرَّطَتْ بِهِ قَبْلَ أنْ يُداهِمَ ما بَقِيَ مِنها بِخَيْلِهِ ورَجِلِهِ، فَيَقْضِي -والعِياذُ بِاللَّهِ- عَلى الإسْلامِ ومَمالِكِ المُسْلِمِينَ، لِاسْتِعْمارِ الأمْصارِ، واسْتِعْبادِ الأحْرارِ، ونَزْعِ الِاسْتِقْلالِ المُؤْذِنِ بِالدَّمارِ، وبِاللَّهِ الهِدايَةُ». (محاسن التأويل: 3025-3026، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، طبعة عيسى البابي الحلبي، الطبعة الأولى، 1376هـ- 1957م).
ومن هنا، فإن من واجب المقاومة شرعاً تطوير قدراتها وإمكاناتها على القتال أرضاً وجواً وبحراً بما يحقق الإثخان في العدو، وإيلامه وإيجاعه، والإقدام عليه ومطاردته في كل مكان على أرض فلسطين حتى لا يجد أمامه مخرجاً إلا الجلاء الكامل وترك الأرض لأصحابها.
الرابع: تثوير الضفة الغربية:
إن الضفة الغربية وقد تعلق هذا القرار بها مباشرة، فإن الواجب الشرعي أول ما يقع إنما يقع عليهم؛ لأنهم أهل المحلة الذين يتعلق بهم الوجوب العيني شرعاً، ثم ينضم إليهم من حولهم أو تبعهم حتى تتحقق الكفاية في الجهاد القتالي إلى التحرير، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ {38} إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {39} إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {40} انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة).
وقد أورد شيخ المفسرين الطبري أقوالاً في معنى «خفافاً وثقالاً»، وهي: شباباً وشيوخاً، مشاغيل وغير مشاغيل، أغنياء وفقراء، نِشاطاً وغير نِشاط، ركباناً ومشاة، ذا ضَيْعة وغير ذي ضيعة، ثم قال: «وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بالنَّفر لجهاد أعدائه في سبيله، خفافاً وثقالاً، وقد يدخل في «الخفاف» كلُّ من كان سهلاً عليه النفر لقوة بدنه على ذلك، وصحة جسمه وشبابه، ومن كان ذا يُسْرٍ بمالٍ وفراغ من الاشتغال، وقادراً على الظهر والركاب، ويدخل في «الثقال» كلُّ من كان بخلاف ذلك، من ضعيف الجسم وعليله وسقيمه، ومن مُعسِرٍ من المال، ومشتغل بضيعة ومعاش، ومن كان لا ظهرَ له ولا ركاب، والشيخ وذو السِّن والعِيَال، فإذ كان قد يدخل في «الخفاف» و»الثقال» من وصفنا من أهل الصفات التي ذكرنا، ولم يكن الله جل ثناؤه خصَّ من ذلك صنفاً دون صنف في الكتاب، ولا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نَصَب على خصوصه دليلاً وجب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد في سبيله خفافاً وثقالاً مع رسوله صلى الله عليه وسلم، على كل حال من أحوال الخفّة والثقل». (جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 11/ 474. تحقيق: عبدالله التركي، طبعة هجر، القاهرة، 1422هـ/ 2001م).
ولقد آن الأوان للضفة الغربية أن «تثور» حسب استطاعتها، وتنضم لقطاع غزة وغيره في التحرير والمقاومة؛ كي يذوق هذا الاحتلال الغاصبُ وبالَ أمره، ولا تظلَّ على حالتها التي يتحكم بها الاحتلال الغاشم الذي لا يفهم إلا لغة القوة، ولا يكسره ويدحره إلا السلاح، فالواجب أن تشتعل أرض فلسطين ناراً تحت أقدام هذا العدو، ومن أمامه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله حتى يندحر وينجلي عن أرضنا ومقدساتنا.
الخامس: حشد الأمة للإسهام في التضامن العام والجهاد المالي:
من الواجبات الشرعية أمام هذا القرار وتجاه القضية بصفة عامة أن تُعزز الأمةُ قضيةَ فلسطين في نفوسها ونفوس أبنائها وأجيالها؛ رجالاً ونساء، شيباً وشباناً، أطفالاً وكباراً، بالتذكير بها، وذكر فضائلها، وبيان تاريخها، وتعظيم مقدساتها، والعمل على التضامن مع أهلها بإقامة الندوات، وعقد المؤتمرات، وإلقاء الخطب، وكتابة المقالات؛ كي تصبح القضية حاضرة دائماً لا تغيب، قوية أبداً لا تخبو.
ومن الواجبات الشرعية على الأمة الجهاد بالمال دعماً لهذا الشعب المسلوبةِ أرضُه والمغتصبة حقوقُه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف).
فهذه هي التجارة الرابحة مع الله تعالى، وقد قدم الجهاد بالمال هنا على الجهاد بالنفس، وفي آية إعداد القوة يقول تعالى: (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60)، فإن إعداد القوة لا بد له من مال، وتطوير المقاومة وتعزيز قدراتها القتالية يحتاج إلى المال، وتوحيد الشعب الفلسطيني يحتاج إلى مال، وتثوير الضفة الغربية يحتاج إلى مال، فالمال عصب الجهاد وقوته وعدته؛ ولهذا ربطه الله تعالى بالجهاد القتالي في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، وكذلك في السُّنة النبوية، فقد أخرج البخاري بسنده عن زيد بن خالد الجهني أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن جَهَّزَ غازِياً في سَبيلِ اللَّهِ فقَدْ غَزا، وَمَن خَلَفَ غازِياً في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزا» (صحيح البخاري، رقم: 2843).
وفي هذا الحديث بيان فضل تجهيز الغزاة، فهو بمثابة من يقوم بالغزو، وهو يشير من ناحية أخرى إلى أن تجهيز الغزاة بما يتضمنه هذا التجهيز من مال يعتبر بمثابة الغزو نفسه، وبهذا فإن دعم المرابطين في القدس، وإنفاق المال لكفالتهم، وإنفاقه كذلك لتطوير أدوات المقاومة وإمكاناتها أرضاً وجواً وبحراً لهو من أوجب الواجبات الشرعية على الأمة التي حيل بينها وبين الجهاد على أرض فلسطين بالسلاح، فيبقى المستطاعُ واجباً عليها وهو الجهاد بالمال، والميسور لا يسقط بالمعسور، والله غالب على أمره. (م: مجلة المجتمع)