الواقع لا يرتفع
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
الواقع بالمعنى القريب والبسيط للكلمة، هو ما يعيشه الناس، ويدرجون فيه وعليه من أحوال، ومصالح وخدمات، يسعدون بها، أو يشقون، لذلك كان الواقع بهذا المعنى المباشر والصارخ، هو أوضح جواب، يواجه من يكلفون بتدبير الشأن العام، وأقوى كشاف يجلي ما يقومون به، أو لا يقومون به من مهام، وهو الصخرة الصلبة التي تتكسر عليها كل أحاديثهم وادعاءاتهم، التي لا يمل أغلبهم من ترديدها، أمام مكبرات الصوت، وإبان الحملات الإنتخابية بخاصة. إن الواقع لا يرتفع، ولن يرتفع، إلا بإحداث التغيير المطلوب، وإلا بمباشرة الإصلاحات الرئيسة والضرورية، التي يصطلح بها واقع البلاد والعباد، وتتحسن بها أحوال المواطنات والمواطنين، المادية منها والمعنوية ؛ والمؤكد أن هذا لن يتحقق، بالإستعراضات البلاغية، والتراشق بالكلمات، وتقاذف التهم الرخيصة، بل بأعمال وبرامج حقيقية، تامة الإنجاز، يرى المواطنون آثارها عليهم، ويشهدون على ذلك ؛ من هنا، نلاحظ مدى نفور الكثير من المواطنين والمواطنات، من كلام الكثير من الساسة، والمعنيين بتدبير الشأن العام، ومدى تبرمهم من متابعة أحاديثهم، مهما أوتوا من فصاحة، وقدرة على التأويل والتخفي، لأنهم ببساطة لا يجدون لكلماتهم أثرا في واقعهم، الذي يعنيهم، ولا يرون أية علاقة بين ما يعرض أمامهم من أرقام ومنجزات، هي أقرب إلى الإدعاء والتقول، وبين معاناتهم اليومية، في سبيل تحصيل الحد الأدنى من شروط العيش، ولا أقول الكريم، وصراعاتهم المزمنة، مع أبسط ضرورات الحياة، من مأكل ومشرب، ومسكن، وعلاج، ودراسة الأبناء، ولا مجال للحديث عن الشغل ؛ ولنا أن نلاحظ، في الجهة المقابلة، كيف يهتم الساسة في الدول الديمقراطية، وكيف يختلفون ويجدون في البحث، عن تجويد شروط حياة المواطنات والمواطنين، في وقت لا زلنا فيه نختلف حول أبجديات الحياة وضروراتها الأقل من عادية، وكنا على وشك أن لا نجد ماء نشربه، قبل أيام، لولا الألطاف الإلهية، وكل ما يقولونه لنا، إن الجفاف أصبح عندنا مشكلا بنيويا، وهذا ديدن الكثير من المسؤولين عن التدبير عندنا، يبدعون في استعراض مشاكل قطاعاتهم وصعوباتها، ولا يبدعون في إيجاد الحلول الناجعة لها، وكأنهم هنا، من أجل تثبيت المشاكل وترسيمها، لا من أجل حلها. إن الواقع المباشر عنيد، ولا يقبل أكثر من قراءة، فإما أن هناك عمل واشتغال وجدية، وإما أن هناك اختلال وإهمال وتضييع لزمن البلاد والعباد ؛ ولست أدري كيف يمكن أن نعود لنطلب أصوات مواطنين ومواطنات، ينظرون حولهم فلا يجدون شيئا يعنيهم بحق، حيث جل قضاياهم الرئيسة، تتحول إلى بلاغات ومزايدات، وجل همومهم توزعت بين قبائل الأحزاب والذوات، ولست أدري، كيف نحدث المواطنين بلغة التفاؤل والإدعاء، في واقع يكابدونه لحظة بلحظة، ويعرفونه معاينة، أكثر من هؤلاء الذين يتحدثون عنه، مشافهة وادعاء ؛ والغريب أن بعضهم حين تعوزه الحجة، يستعرض منجزات ملك البلاد، والأوراش التي قام بتدشينها، ولا يريد أن يفهم، أن جلالة الملك في حاجة إلى من يشتغل، وإلى من يتحمل مسؤوليته، لا إلى من يتحدث عنه. إن الواقع لا يرتفع ببلاغة الخطابات، ولا بكيل التهم للسابقين واللاحقين، ولا بالإختباء وراء ملك البلاد، في كل مناسبة، بل بالعمل الجاد، القائم على برنامج مضبوط، ينهض بالقضايا الأساس للمواطنات والمواطنين، والمفعم بروح المسؤولية، وبالإستعداد الكامل لتقديم الحساب عند نهاية الأشغال.