“الوثيقة السياسية”.. “لغة جديدة” تتكلم بها جماعة العدل والإحسان
هوية بريس- محمد زاوي
حضرتُ يوم أمس الثلاثاء، في إطار تغطية إعلامية، الندوة الصحفية التي عقدتها الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان بغرض تقديم وثيقتها السياسية. حضرتْ في هذا اللقاء شخصيات سياسية وأكاديمية بارزة، أغلبها يتقاسم مع “العدل والإحسان” قناعات إيديولوجية إسلامية (حركة التوحيد والإصلاح، البديل الحضاري)، أو قناعات سياسية حقوقية (خديجة الرياضي، المعطي منجب الخ).
شملت الوثيقة أغلب مجالات وقطاعات السياسة الداخلية، فيما غابت قضايا أخرى مرتبطة بالسياسة الخارجية، أهمها ما يثيره موضوع الصحراء المغربية من ضغط وابتزاز تجاه المغرب. كما قدمت الوثيقة مقترحات في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمجتمعية، حتى أنها شملت الرياضة والفن والوقاية المدنية وقضايا الدفاع والأمن والإعلام إلخ.
اطلاع أولي على الوثيقة كان كفيلا باستنتاجين:
-انتقال الجماعة إلى خطاب “المعارضة باقتراح” بدل “المعارضة بغير اقتراح”، بالإضافة إلى التركيز بين الفينة والأخرى على حفظ مصلحة الدولة وأمنها؛ وكأننا بصدد “برنامج حزبي” يقترب خطوة بخطوة نحو الممارسة السياسية في خصوصيتها المغربية الأكثر وضوحا.
-عرض الاقتراحات مفصولة عن منطقها، عن الوعي المنهجي الذي أفرزها، عن الحقول المعرفية والعلوم التي اعتمِدت في صياغتها؛ وهنا نكون بصدد تكرار تجارب سابقة لأحزاب وحركات ونقابات تبني على “الغاية” لا على “التحليل الملموس للواقع الملموس”.
بغض النظر عن هذين الاستنتاجين، يلتقط الملاحظ -من خلال العروض المقدمة في الندوة والنقاش الذي أعقبها- إشارات مهمة من قبيل:
-في الموقف من “الملكية البرلمانية” (إجابة على سؤال المعطي منجب): أجاب عمر إحرشان، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية، بأن الجماعة لا تركز على أشكال المؤسسات وإنما على مضمونها، كما أن السياق لا يحتمل نقاش الأشكال ويطلب البحث عن توافقات.
-في الموقف من “الحقوق الكونية” (إجابة على سؤال خديجة الرياضي): أجاب محمد الحمداوي، رئيس مكتب العلاقات الخارجية للجماعة، بأن الحقوق لا تعتبر كونية إلا بتوافق جميع الدول والمجتمعات عليها، أما ما يعتبر اليوم “حقوقا كونية” فقد احتكرته أطراف دولية على حساب أخرى ولا يمكن أن يعتبر كونيا.
هذه “لغة” جديدة على “العدل والإحسان”، مهما حاول البعض تبريرها بجذور قديمة في خطاب الجماعة. ليس المهم هل كانت مستحضرة من ذي قبل أم لا، المهم هو التركيز على مرجعية سياسية وحقوقية بعينها في سياق جديد. بهذه “اللغة” الجديدة تبادر “الجماعة” بالقفزة من رهاني الحقوق والسياسة كما تمت صياغتهما من قبل “الأحادية القطرية”، إلى رهان -ربما- يفرضه السياق العالمي والوطني الجديد!
غياب اقتراحات بخصوص السياسة الخارجية في “الوثيقة”، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية الصحراء المغربية؛ يطرح عدة أسئلة ويستدعي الحكم بالقصور على الاقتراحات المعروضة، نظرا للعلاقة الجدلية القائمة بين السياسة الداخلية ونظيرتها الخارجية. إلا أن في الأمر اعتبارات يجب استحضارها:
-العدول عن الاقتراح في قضية معقدة وحساسة تعرف الدولة تفاصيلها أكثر من غيرها.
-تأخر الجماعة في حسم موقفها النهائي من كيفية الدفاع عن مغربية الصحراء من موقع معارض.
-تأجيل موقف الجماعة من القضية إلى وقت لاحق مراعاة لقواعدها وبعض الفرقاء الحقوقيين والسياسيين.
من خلال الوثيقة والعروض المقدمة نتلمس خيوط “لغة جديدة” في خطاب الجماعة، ويبقى السؤال مطروحا: عن أي وجه سياسي ستسفر عنه هذه “اللغة”؟! هل نقترب من حدث سياسي بارز يساهم في توازن مرحلة مقبلة؟!
أكيد أن الجواب ليس عند العدل والإحسان وحدها!!