الوزير الليبيرالي: هل يفك شفرة التعليم الخصوصي؟ أم تستمر اسطوانة من استطاع إليه سبيلا!!
هوية بريس – ذ. محمد بادرة
تقوم العولمة الاقتصادية على نظام رأسمالي مبني على اقتصاد السوق والحرية والمنافسة وهيمنة املاءات المؤسسات المالية الدولية (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي) واللتان تمولان المشاريع الاقتصادية والاجتماعية وتمنحان قروضا مقابل تطبيق برامج “الاصلاح” الاقتصادي وتنفيذ سياسات ليبيرالية رأسمالية ومن جملة هذه المشاريع برنامج “دعم قطاع التربية” الذي يندرج ضمن الشراكة الاستراتيجية 2019- 2024 بين المغرب والبنك الدولي وبرنامج تحدي الالفية الامريكية الذي يمثل نظاما اخر من “التعاون” في تمويل قطاع التربية والتكوين قصد خلق سوق من الاستثمار الخاص ويوجه المنظومة التربوية لخدمة السياسات الاقتصادية الليبيرالية باعتبارها (التربية والتكوين) رأسمال خاضع للمنافسة والتسويق والربح واضطرت العديد من الدول تحت توجيه البنك الدولي وصندوق النقد بالانسحاب تدريجيا من مسؤولية تمويل التعليم بحجة انه اصبح عبئا غير محتمل يثقل كاهل الدول ويستنزف مواردها المحدودة وان ما تدفعه على التعليم هو نوع من الدعم يجب ايقافه مثله مثل انواع الدعم الاخرى وان عليها ان تتراجع عن التزاماتها نحو التعليم وان تتركها ولو جزئيا للقطاع الخاص.
من المبررات الرئيسية التي يطرحها انصار خصخصة التعليم في بلدنا ان الانفاق على القطاع ضخم وان مستوى التعليم العمومي متواضع ومتدني امام الانظمة التعليمية في الدول المجاورة وغيرها وان الخصخصة هي الكفيلة بتحقيق فرص التنافس وتحقيق الجودة وتحسين النوعية وقد رافق هذا الطرح هجوم شرس على مجانية التعليم تمثل في تحميلها كثير من ازمات ومشكلات التعليم من قبيل ضعف الجودة– ضعف التمكن من اللغات الاجنبية – استمرار الهدر المدرسي- ضعف المردودية الداخلية والخارجية للمؤسسات– البطالة الجامعية.. وكان هدف الهجوم هو تقليص الانفاق الحكومي على تعليم الشعب وتحويل التعليم الى سلعة رأسمالية تخضع لمعيار الربح والخسارة.
جاء الميثاق الوطني للتربية والتكوين لتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في التعليم وهو ما نصت عليه المادة 163 من الميثاق في انه (يعد قطاع التعليم والتكوين الخاص شريكا وطرفا رئيسيا الى جانب الدولة في النهوض بنظام التربية والتكوين وتوسيع نطاق انتشاره..) وتوصي المادة 165 المتعلقة بالتعليم الخاص بحزمة من الاجراءات الامتيازية كتقديم اعفاءات ضريبية ووضع الموارد البشرية رهن اشارته بل تقديم منح له.
وفي المادة 95 تحت عنوان (الاختيارات الكبرى) ترى خطة الطريق التي رسمتها الرؤية الاستراتيجية ضرورة (تنويع مصادر تمويل التربية والتكوين والبحث العلمي الى جانب ميزانية الدولة.. من اسهام باقي الاطراف المعنية والشركاء ولا سيما الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص).
هكذا لجات الحكومة تحت تبريرات الازمة الاقتصادية على الانسحاب التدريجي من احتكار ودعم القطاعات الاستراتيجية التي “تنهك” الخزينة العامة لتفتح ابواب التعليم امام استثمارات القطاع الخاص في خطوة غير مسبوقة وصادمة للكثير من الفئات الاجتماعية.
رأى مناهضو ظاهرة خصخصة التعليم انها نتاج للعولمة وهيمنة افكار السوق وانها تنذر بتفكك اجتماعي وانحلال التلاحم بين مختلف شرائح المجتمع كما ابدت العديد من منظمات المجتمع المدني والمجتمع السياسي والنقابي مخاوف من عواقب تغول التعليم الخاص مما قد ينهي مجانية التعليم ويجهز على امل تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص ويفتح المجال لقيام لا مساواة تتعمق بتعمق الفارق بين مدرسة الفقراء (المدرسة العمومية) والمدارس الخاصة التي تتفاوت مستويات “جودتها” بحسب قدرة زبناءها على الدفع.
ان خصخصة التعليم تتير مخاوف جدية بشان الاثار السلبية على التمتع بالحق في التعليم ولاسيما فيما يتعلق بتوافر وسهولة الحصول على التعليم المجاني والمساواة في الفرص التعليمية وجودة التعليم.
واذا كان القانون الدولي لحقوق الانسان يدعو كل الدول الى تقوية الانظمة التعليمية والسماح في انشاء المؤسسات التعليمية الخاصة واحترام رغبة الاباء في اختيار المدارس الخاصة لأطفالهم اذا كانوا يرغبون بذلك لان لهم الحق في اختيار التعليم الذي يتماشى مع المعتقدات الدينية والاخلاقية الخاصة بهم.. لكن في المقابل يدعو هذه الجهات الخاصة ان تعمل وفق المعايير التي تضعها الدولة في مجال التربية والتكوين لان الدولة هي المقدم المباشر للخدمات التعليمية فالتعليق العام رقم 13 للجنة المعنية بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يعتبر ان (الدول هي التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن التقديم المباشر للتعليم في معظم الظروف).
ولذا فالحكومات الغربية رغم سياستها الاقتصادية الليبرالية – الرأسمالية لم تنجر وراء الخصخصة التي تخفض الجهد المطلق المبذول لصالح التعليم بل ان هذه الدول الرأسمالية وحكوماتها تعتبر المساهم الرئيسي في تمويل التعليم العام ففي كندا يشكل التمويل الحكومي للتعليم العام حوالي 78% وفي الولايات المتحدة الامريكية حوالي 70% وفي استراليا واليابان حوالي 75% وفي المملكة المتحدة حوالي 85% وفي دول مثل الدانمارك وبلجيكا وايطاليا وهولندا وفرنسا يرتفع التمويل الحكومي ليتجاوز 90% بينما في دول مثل البرتغال وفنلندا والسويد والنمسا يتجاوز التمويل الحكومي نسبة 95% من تمويل التعليم العام …وهذه الاحصائيات ليست حديثة ولا محينه لكنها تمنحنا مؤشرات بان التمويل الحكومي يشكل النسبة الاكبر لتمويل التعليم العام في اغلب دول العالم لأنه في النهاية الدولة هي المسؤولة عن ضمان الحق في التعليم كما ينص القانون الدولي لحقوق الانسان ان على الدول تنظيم ومراقبة مؤسسات التعليم الخاص وان الحريات التعليمية لا يجب ان تؤدي الى تفاوتات شديدة في فرص التعليم بالنسبة لبعض فئات المجتمع (المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليق العام 13 للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – الفقرة 30)
ان الوضع الحالي للمؤسسات التعليمية الخصوصية يتطلب من الجميع ضرورة التفكير جماعيا في الوضع الجديد للتعليم الخصوصي علما ان الميثاق الوطني للتربية والتكوين في المجال السادس(الشراكة والتمويل) دعا السلطات التربوية الى اقرار نظام منهجي وشفاف يسمح بضبط معايير الجودة وتقويم المؤسسات الخصوصية ومراقبتها واعتماد التكوينات ذات الاستحقاق كما دعا الى وضع نظام جبائي ملائم ومشجع للمؤسسات الخاصة في ضوء التقويم المنتظم للنتائج التربوية لهذه المؤسسات الخاصة والزم الميثاق الوطني المؤسسات التعليمية والتكوينية الخاصة المستفيدة من التشجيعات والمزايا المنصوص عليها في المادة (165ب و ج) بتطبيق رسوم التسجيل والدراسة والتامين باتفاق مع سلطات التربية والتكوين بما ييسر الالتحاق بها لأوسع الفئات من التلاميذ والطلبة.
هذا التحفيز المادي والاداري والتشريعي للمؤسسات الخصوصية كما ورد في الميثاق الوطني اعيد تأكيده في المشروع الاصلاحي الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015_2030 باعتبار التعليم الخاص شريك التعليم العمومي في التعميم وتحقيق الانصاف (الرافعة الثامنة) مع تأكيد ضرورة التزام التعليم الخاص بمبادئ المرفق العمومي لأنه استثمار في خدمة عمومية في تكامل وتعاون مع التعليم العمومي وحددت الرؤية الاستراتيجية جملة من الرؤى لتطوير وتنظيم وضبط هذا القطاع الخاص على مستوى رسوم التسجيل والتمدرس والاطعام المدرسي والنقل المدرسي والتامين والتأطير والامتحانات والخضوع لنظام الاشهاد الوطني والمنهاج والمقرر الدراسيين.. الخ. فاين وصل هذا الاصلاح ؟؟
المدارس الخاصة وجدل ارتفاع الرسوم والاقساط الشهرية مع مستوى التحصيل الدراسي
يبقى طرح السؤال مشروعا، هل خصخصة التعليم يمكن معه ضمان المجانية وتكافؤ الفرص والمساواة؟ هل منطق المدرسة/ المقاولة يؤسس لتعليم مجاني؟ هل المؤسسات التعليمية الخاصة المستفيدة من الامتيازات الضريبية تخضع للمراقبة التربوية والمالية الصارمة كما تنص المادة165 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين وقانون الاطار 17.51؟ هل هناك معايير مضبوطة وممقيسة تحدد اسعار مدارس التعليم الخصوصي؟
ارتفاع الاسعار وكلفة التمدرس – فوضى مقننة؟؟
افضت التشجيعات الضريبية والتسهيلات التمويلية لتطور سريع وحاد للتعليم الخصوصي على حساب التعليم العمومي وتبين الاحصائيات الرسمية ان هذه المؤسسات تتطور بشكل سريع من حيث عدد التلاميذ خصوصا في المجال الحضري مما يجعل تطور التعليم في غياب مراقبة وضبط هذا القطاع يتحول الى سلعة حولت المؤسسات التعليمية الى مؤسسات ربحية تجارية بواسطة الارتفاع المستمر للرسوم والاقساط الشهرية وعدم وجود سقف محدد بالنسبة لهما بل وتباينها بين مؤسسة واخرى لدرجة لا نجد تبريرا مقبولا لهذه الرسوم المرتفعة وغير الموحدة بين المؤسسات التعليمية الخاصة.
ان عدم وجود اية معايير تحدد اسعار مدارس التعليم الخصوصي وعدم وجود قانون يصنف المدارس الخاصة الى فئات ودرجات يحدد لكل منها الحد الادنى والاعلى للرسوم التي تتقاضها من اسر التلاميذ والتلميذات وغياب الرقابة على جودة التعليم في هذه المدارس التي يتسابق اغلبها من اجل جني الارباح… كل ذلك يتعارض مع السياسات الاصلاحية والرؤية الاستراتيجية التي تنص على الزامية التعليم وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص.
تقول اودري ازولاي المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو في احدى تقاريرها انه (يجب ان تضع الحكومات حدا ادنى من المعايير للمدارس الحكومية وغير الحكومية وان تتأكد من ان التلاميذ الذين ينتمون الى اشد الفئات حرمانا يحضون بفرص متساوية للاستفادة من التعليم الجيد )
وشددت العديد من الهيئات الوطنية ذات الصلة بالقطاع الى اهمية التعجيل بمراجعة التشريعات والنصوص التنظيمية التي يخضع لها التعليم الخصوصي مع تفعيل اليات التتبع والمراقبة والتقييم والتأطير والمصاحبة كما تنص على ذلك وثيقة الميثاق الوطني ومقتضيات القانون الاطار لإصلاح المنظومة التربوية وذلك بهدف حل الكثير الاختلالات والمشاكل المطروحة والتي لها انعكاس مباشر على تنافسية سوق التعليم ببلادنا ومن بينها نظام الترخيص لولوج سوق التعليم الخصوصي وضوابط فتح او توسيع مؤسسات تعليمية تضمن الجودة ولا تخالف المنهاج الدراسي الرسمي وتحافظ على الحقوق المادية والمهنية لكل الاطر العاملة في القطاع …
فوضى الكتب المدرسية المستوردة المخالفة للمنهاج الدراسي
بإجهاز المؤسسات الخاصة على منظور توحيد المدرسة المغربية تكون قد فتحت المجال لتشظي المنظومة وتفتتيها عبر فوضى الكتب المدرسية المستوردة المخالفة للمنهاج الدراسي، وسجل العديد من المختصين في الشأن التربوي ان العلاقة التي تربط الاسر بمؤسسات التعليم الخاص غير متكافئة لغياب عقد واضح المعالم بين الطرفين (المؤسسة الخاصة والاسرة) مما يجعل الاسر رهينة لما تقرره وتفرضه هذه المؤسسات كالزام التلاميذ باقتناء كتب مدرسية خاصة (اجنبية بالخصوص في اللغة الاجنبية – الرياضيات ..) وزي مدرسي خاص بالمؤسسة ومنها من يفرض دروسا للدعم بالمقابل “لتحسين” المستوى اللغوي للمتعلم او “تحسين ” المستوى الدراسي في بعض المواد ومن هذه المؤسسات من يرفض حتى اعادة تسجيل التلاميذ الذين معدلاتهم الدراسية ضعيفة او متوسطة الى جانب اشكالية التامين المدرسي …لذا شدد هؤلاء على ضرورة الاسراع بمراجعة التشريعات والنصوص التنظيمية التي يخضع لها التعليم الخصوصي وكذا تفعيل الية المراقبة والتأطير انسجاما مع مقتضيات القانون الإطار لإصلاح المنظومة التربوية.
انه من الضروري تدخل الدولة لتتبع ومراقبة المناهج المتبعة في هذه المؤسسات واهم ما يجب تداركه والتركيز عليه هو الزام كل المؤسسات التعليمية الخاصة باعتماد نفس الكتب المدرسية المستعملة في التعليم العمومي وفقا للمادة 4 من القانون الاساسي للتعليم الخصوصي 06.00 والذي تزكيه المذكرة الوزارية 382 الصادرة في 2010 بخصوص مراقبة الكتب المدرسية بمؤسسات التعليم الخصوصي.
ان فوضى الكتب المدرسية الاجنبية خصوصا المخالفة للمنهاج الدراسي قد يكون محتواها لا يلائم ولا يناسب القيم الوطنية والحضارية للامة المغربية وقد يمس بشكل مباشر السلوك العام والهوية الحضارية فالمقررات الدراسية في مواد اللغة العربية واللغة الامازيغية والتربية الاسلامية والتاريخ وغيرها يتم وضعها على اساس تبليغها للمواطن- الصبي حتى تتعزز لديه مقومات الهوية الوطنية والحضارية.
اذن لابد من اعادة النظر في دور الدولة تجاه خدمات المدرسة العمومية وخدمات المدرسة الخصوصية ووضع تدابير وسياسة ترابية للتعليم الخصوصي تكون غير ربحية تساهم في تطوير العرض التربوي وتسمح بولوج ابناء الاسر المعوزة او ذات الدخل المحدود على شاكلة منح مالية او اعانات توضع رهن اشارة الاسرة المعوزة لتصرف على تدريس ابنائها لذى المؤسسات الخصوصية المنتقاة اقتداء بتجارب دولية معمول بها في عدد من الدول الديموقراطية فهل يفعلها الوزير الليبرالي المكلف بالقطاع التعليمي ام ستبقى هذه المؤسسات تجري وراء البحث عن المداخيل والارباح وتبقى الاسطوانة من استطاع الى التعليم الخاص …سبيلا
ان على الدولة ان تتجاوز هذه الثنائية المفارقة في نظامنا التعليمي من قبيل هذه مدرسة عمومية وتلك مدرسة خصوصية رغم انهما معا متجذرتان في التاريخ المغربي الحديث كما على المسؤولين التربويين الحكوميين التصدي تشريعيا وقانونيا للاختلالات التي تشوب المؤسسات التعليمية الخصوصية كمدخل للإصلاح بل كمنتوج للإصلاح واول ما يجب البدء به هو السيادة التربوية التي تقتضي تطبيق البرامج الوطنية على كل المؤسسات التعليمية عمومييها وخصوصييها .