الوضع السياسي والإداري لبلدة إينغر بتدكلت قبل الاجتياح الفرنسي
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
6- التنظيم الإداري:
تميزت تيدكلت في نهاية القرن 19 وتحديدا سنة 1892 بتنظيم محكم، حيث أن السلطان المغربي الحسن الأول، قسم منطقة اتوات بما فيها تدكلت إلى دائرتينكبيرتين هما: دائرة “يحمد” ودائرة “سفيان” وقسم كل منهما إلى مراكز إدارية فرعية، تخضع جميعها للمركز بفاس، وتم تعيين العديد من القادة والنقباء للأشراف، وتولى أمورها القضائية والإقتصادية.
دائرة يحمد تم تعيين القايد الحاج المهدي بن باجودة مسؤولا عن اولاد باحمو، إيفطيسن، الساهلة، اولاد الحاج، الدغامشة، إينغر.
القايد محمد بن الحاج احمد محمو تم تعيينه مسؤولا عن اولاد المختار، فقارة، الزوى، فقارة العرب، اولاد بلقاسم.
كما عين السلطان الحسن الأول عام 1891 مجموعة من النقباء؛ من بينهم محمد بن مولاي هيبة نقيبا على شرفاء تيدكلت وأولف.
دائرة سفيان
بالنسبة لدائرة سفيان فإن أغلب القادة تم تعيينهم بمنطقتي توات الأصل، وكورارة، ومن بينهم:
القايد محمد بن عبد القادر بلقاسم؛ تم تعيينه على بلدان: بودة، تكنطيط، بوفادي، نوم الناس، غرميانو، تازولت.
القايد محمد أوسالم بن عبد الرحمان، تم تعيينه على تيميمون، اولاد طلحة، تاورسيت، الوجدة، أقبور، سيدي عمور، وبوكمة.
القايد محمد المعزوز: تم تعينه على طلمين.
القايد محمد بن يعيش: تم تعيينه على تاوريرت تينور، بريش، المستور، زاوية الحشف، ايت المسعود النفيس، تاعرابت، تينولاف، زاوية الرقاني.
القايد حسون بن الحاج امحمد: مسؤولا عن جميع واحات اتوات، بما فيها تدكلت، ومكلفا بجمع الضرائب (ص:367).
معركة إينغر: بعد نهاية معركة الدغامشة بالقرب من عين صلاح، ووقوع البلدة تحت قبضة الاستعمار الفرنسي تأكد للفرنسيين أنه لا يمكنهم الاستقرار بعين صلاح والسيطرة عليها، ما لم يتم احتلال اينغر، وفعلا بدأ التفكير في احتلالها منذ مطلع 1900 وهذا للعديد من الأسباب التالية:
1– الموقع الاستراتيجي، إذ أن البلدة تتوسط بلدان تدكلت، مثلتيط، إقبلي، أولف، عين صالح.
2– كانت اينغر ملاذا آمنا للمجاهدين الفارين من مختلف ساحات القتال الجنوبية مثل عين صالح، القلية أو المنيعة، وركلة، كورارة.
3– خصوبة الأراضي الزراعية إذ كانت اينغير تعد المرعى الرئيس لجمال عين صالح خاصة وأن لفرنسيس كانوا يعتمدون على الجمال ويتوفرون على 30000 منها.
وعندما بدأ الفرنسيون يتحرشون بإنغر، اتصل القايد العام المغربي، الباشا ادريس الشرادي بالفرنسيين، وطلب منهم التخلي عن احتلال اينغر، لكن طلبه قوبل بالرفض المطلق.
وبتاريخ 24-25 يناير 1900 هاجم الفرنسيون إنغر لكنهم انسحبوا منها، بعد أن عجزوا عن اقتحامها نتيجة المقاومة الشرسة التي واجهوها من قبل المقاتلين بزعامة ادريس الشرادي، مما جعله يرسل رسائل كثيرة لمختلف واحات اتوات، تيمي، الهبلة، وغيرها يطلب من خلالها استنفار المجاهدين، والالتحاق به لصد الاستعمار الفرنسي عن إنغر، وقد بلغ عدد المقاتلين الذين استجابوا للنداء 1300 مقاتل، مدعمين بـ600 بندقية و50 سيفا، ومدفعان، ليتوجهوا نحو اينغر بتاريخ 26/2/1900 ويتحصنوا في قصبتـي اولاد حدقة المرابطين، وقصبة اولاد جلول العرب، لصد هجومات الفرنسيين (louis voinot:1908).
وبتاريخ 19 مارس 1900 عاود الفرنسيون الكرة وهاجموا اينغر، بقيادة العقيد دلوك، بجيش يزيد تعداده عن 900 جندي، و700 بندقية، و150 سيفا متحصنين خلف الكثبان الرملية الشرقية لإنغر، وقد أبدى المجاهدون بزعامة القايد ادريس الشرادي، بسالة كبيرة، في الدفاع عن البلدة، لكن العدد غير المتوازن في القوى بين المعسكرين، وتنظيم وخبرة الجنود الفرنسيين، رجحت كفتهم، وتمت السيطرة على إنغر بعدما رفع ادريس الشرادي، بندقيته، ووضع فوقها قماشا أبيضا، معلنا استسلامه، وعدم تحمله مسؤولية الخسائر البشرية والمادية المختلفة.
وقد كلفت هذه المعركة 500 شهيد، و600 جريح، و400 أسير، وخرابا ودمارا للقصبات والبيوت، بينما كانت خسائر الفرنسيين 9 قتلى و46 جريحا (louis voinot p94).
ومن العلماء الذين عاشوا هذه الملحمة، الشيخ محمد عبد الرحمان السكوني، الذي بعث بقصيدة لأهلها يحثهم فيها على الصبر، والثبات، والوقوف في وجه الأعداء، تشتمل على 41 بيتا، يقول مطلعها :
يا أثبت الناس إسلاما وإيمانا
وأرجح الناس في الفخر ميدانا
أنى بهم حي إنغر العلي المدى
طرًّا ولست أحاشي منه إنسانا
قوم ذووا همم في الفضل عالية
وفخرهم صار فوق الهام تيجانا
إلى أن يقول:
يا أهل إنغر، يا أنصار دين الهدى
حُزتم جميعا أعز الفخر والسؤددا
إخواننا يا حماة الدين فليهنكم
نصر من الله دائما لكم أبدا
نصرتم ملة الإسلام بشرى لكم
أنصار دين الرسول المصطفى أحمدا
وبسقوط إنغر، أصبحت تدكلت كلها، تحت السيطرة الفرنسية.
ولتأكيد ذلك قام الفرنسيون بجولة استعراضية ببلدان تيط، أقباي، اولف، رافعين الراية الفرنسية، ومرددين شعارات النصر، مثيرين الرعب والخوف، في نفوس السكان الذين استسلموا، واختبأ أغلبهم، في الفقارات خوفا من مقتلهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لمراجعة ما جاء في النص بخصوص المسؤولين الإداريين من قياد ونقباء وقضاة، راجع ما كتب في…quatre siecles d,histoir marocaine المترجم من قبلنا تحت عنوان:
“قائمة مسؤولي الواحات المغربية جنوب وهران 1892” المنشور في هوية بريس.
2- عنوان النص أعلاه:
“الوضع الاداري والسياسي لبلدة انغر بتدكلت قبل الإجتياح الفرنسي”:
د.أحمد جعفري؛ مخبر المخطوطات الجزائرية في إفريقيا، جامعة أحمد دراية، أدرار الجزائر (ص:369).