الوكالة المغربية للدواء: السلامة الدوائية المغربية في خطر

08 نوفمبر 2025 15:23

هوية بريس – متابعة

السلامة الدوائية المغربية في خطر – العدد الخامس: شهر نونبر، جرس إنذار لوكالة فقدت بوصلتها.

لأول مرة منذ اندلاع الأزمة، صدح صوت وزير الصحة بوضوح ومسؤولية. ففي تصريحه الأخير، شدّد الوزير على الحق المشروع لموظفي الوكالة المغربية للدواء في العودة إلى مناصبهم داخل الوزارة، وفق إرادتهم الفردية وفي إطار القانون. هذا الموقف، الذي لقي ترحيبًا واسعًا من مختلف المتتبعين، يُعدّ بادرة تهدئة طال انتظارها، ويعكس إدراكًا واعيًا لواقع الميدان ولخطورة الأزمة المؤسساتية التي تمرّ بها الوكالة منذ أشهر. كما أكّد الوزير التزامه بتعويض كل موظف يغادر الوكالة لضمان استمرارية المرفق العمومي.

غير أنّه من المهم التذكير بحقيقة بسيطة ولكنها أساسية: يمكن تعويض الأطر، ولكن لا يمكن تعويض الخبرة. فالكفاءة الدوائية، التي تُبنى عبر سنوات من التكوين والممارسة والتعامل مع القضايا العلمية والتنظيمية، لا تُكتسب بين ليلة وضحاها. ورحيل هذه الكفاءات لا يمثّل فراغًا إداريًا فحسب، بل خسارة استراتيجية تمسّ جوهر نظام تنظيم الدواء في المغرب.

وفي الوقت الذي يسعى فيه الوزارة إلى الحفاظ على التوازن، تبدو إدارة الوكالة الحالية سائرة في مسار يفتقر إلى الرؤية، دون تخطيط أو استشراف للمستقبل. فحالات المغادرة الجماعية، التي أصبحت الآن واقعًا لا رجعة فيه، أدخلت المؤسسة في حالة من الجمود المقلق. الكوادر والخبراء الذين شكّلوا النواة الصلبة للخبرة الوطنية غادروا مؤسسة لم تعد، في نظرهم، تحمل لا مشروعًا ولا أملًا. تعمل الوكالة اليوم في وضعية بقاء مؤقت، دون قيادة مُلهمة أو توجه واضح. هذا الفراغ في الحوكمة لا يُترجم فقط بانخفاض الفعالية، بل بفقدان المعنى الحقيقي للمهمة العمومية التي أنشئت هذه المؤسسة من أجلها: حماية صحة المواطن من خلال تنظيم قوي ومستقل وكفء.

ويزداد الوضع خطورة بالنظر إلى انخراط الوكالة في ورشين استراتيجيين على المستويين الوطني والدولي.

الأول يخصّ بلوغ مستوى النضج الثالث وفق أداة التقييم GBT التابعة لمنظمة الصحة العالمية، وهي مرحلة حاسمة لتعزيز مصداقية الهيئة التنظيمية المغربية وترسيخ ثقة الشركاء الدوليين ومصنّعي الأدوية.

أما الثاني، فيتعلّق بتجديد اعتماد مختبر مراقبة الأدوية، المؤسسة التي طالما كانت مفخرة المنظومة الصحية الوطنية، وضمانة لجودة وسلامة وفعالية الأدوية المتداولة في السوق.

هاتان المهمتان تمثّلان ركيزتين من ركائز السيادة والأداء المؤسسي، غير أنّ السؤال الجوهري المطروح اليوم هو: من سيتولى مواصلة هذه المهام وضمان نجاحها في غياب الكفاءات التي كانت وراءها؟

تُضاف إلى ذلك مؤشرات مقلقة جديدة، تمثّلت في تعيينات داخلية أثارت تساؤلات حول وجود تضارب مصالح واضح في بعض المواقع الحساسة. هذه الإشارات المثيرة للريبة، التي نقلها عدد من المتتبعين، تهدد صورة الحياد والصرامة التي يُفترض أن تتميز بها هيئة وطنية لتنظيم الدواء. وسيُخصَّص لهذا الموضوع ملف خاص في عدد قادم، لأن الشفافية والأخلاق ليستا ترفًا إداريًا، بل أساس السيادة الدوائية الوطنية. إن غياب الوضوح في القرارات وتسيير السلطة داخل الوكالة يغذي مناخًا عامًا من انعدام الثقة، حيث يبدو أن الأولويات الحقيقية – من توافر الأدوية وسلامة المرضى واستقرار السوق – قد تراجعت إلى المرتبة الثانية.

سيبقى شهر نونبر 2025 محطة فارقة في تاريخ التنظيم الدوائي المغربي. ليس باعتباره شهر الإصلاح، بل باعتباره منعطفًا حاسمًا تُواجه فيه الوكالة، التي كان يُفترض أن تكون عماد السياسة الدوائية الوطنية، انهيارًا داخليًا على المستويين التنظيمي والبشري. هذه الأزمة تجاوزت البعد الإداري لتصبح مسألة صورة وطن ومصداقية دولية وثقة المواطنين في مؤسساتهم الصحية. لم يعد السؤال حول عدد المغادرين أو الباقين، بل حول مدى استمرار هذا الانحدار ومن سيتحمل تبعاته.

اليوم، الموقف خطير. لم يعد الوقت مناسبًا للخطب التطمينية أو البيانات المنمقة، بل لضرورة الإصلاح والصدق.

فالمغرب بحاجة إلى وكالة دواء قوية، ذات رؤية وأخلاق، قادرة على تجسيد السيادة الدوائية الوطنية وضمان السلامة الدوائية للجميع.

إن الخبرة والكفاءة والشفافية يجب أن تعود لتكون ركائز حوكمة رشيدة ومستدامة.

فما وراء الهياكل الإدارية والصراعات الداخلية، تقف صحة المواطن المغربي وكرامة المنظومة الصحية بأكملها على المحك.

وللحديث بقية.
(عدد 6 نونبر 2025)

(خبراء بالوكالة ورؤساء مصالح).

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة