اليسار المغربي من ديكتاتورية البروليتاريا إلى ديكتاتورية الرأي
هوية بريس – د.عبد الكبير حميدي
من كان يتوقع أن يتقدم حزب في البرلمان، عن تيار اليسار الجذري بالمغرب، بسؤال إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، يطالبه فيه بإجراءات لتكميم أفواه الخطباء، ومنعهم من أداء رسالتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي توجيه الأمة في أمور دينها؟
لقد حصل ذلك بالفعل، حين تقدمت نائبة برلمانية من فيدرالية اليسار الديمقراطي، قبل أيام، بسؤال كتابي إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، تشتكي فيه ما تزعم أنه: “استغلال منابر المساجد للتهديد والتحريض وتكريس خطاب التطرف ضد المغاربة”، وهي سقطة سياسية مدوية، وفضيحة رأي بجلاجل كما يقال.
المثير في سؤال فيدرالية الرفاق، وفي أعذارها التي هي أقبح من الزلة، اعتماده لنفس السردية العلمانية البالية، وعلى نفس الأسطوانة المشروخة، من قبيل: “تصريحات صدامية وعدائية من محسوبين على التيار الإسلامي، ضد الفعاليات الحقوقية والسياسية الداعية لرؤية حداثية ترسخ قيم المساواة”، “استغلال منابر المساجد من أجل التحريض”، ” النبرة التكفيرية والتهديدية من أطراف متعددة من الأفراد والتنظيمات المحافظة”، “تأسيس جبهة عريضة للتخويف من أي إصلاح لا يتماشى مع تأويلهم للنصوص الدينية”. وهي اتهامات بالية، وعبارات باردة، ومثيرة للغثيان والسخرية.
وعلى إثر هذه الخرجة السياسية غير المحسوبة، وهذه الزلة القبيحة، وأعذارها الأقبح، لنا مع فيدرالية الرفاق خصوصا، ومع اليسار المغربي عموما، بعض الأسئلة والوقفات:
هل كفر اليساريون بحرية الاعتقاد والتعبير، التي ظلوا يناضلون من أجلها، ويتشدقون بها، لعقود متطاولة من الزمان؟
هل منظومة الحقوق والحريات واحدة عند الرفاق اليساريين؟ أم أنها تتعدد وتتجزأ عندهم باختلاف مستعملها والمستفيد منها، فتكون حلالا للبعض حراما على البعض، تحل لمن هو على شاكلتهم وعلى نفس طريقتهم، وتحرم على من يخالفهم الرأي والفكرة والمرجعية؟.
هل تعلم فيدرالية الرفاق أن الخطباء والعلماء، منصبون في الأمة، من الأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، والتنبيه على الانحرافات والمنزلقات، وبالتالي فإن حرية التعبير بضوابطها وآدابها – بالنسبة إليهم – أكثر من حق وإنما هي واجب ورسالة؟
هل يعلم الرفاق أن تطاولهم على مقام الخطباء، وسعيهم إلى تكميم أفواه العلماء، وإسكات أصوات الدعاة، هو تطاول واعتداء على الإسلام نفسه؟ لأنه تطاول على حملة الدين، وورثة الأنبياء، وحماة الشريعة، من أهل الدعوة والبيان، ومن أهل العلم والاختصاص الشرعي؟
ألا يشعر اليساريون بالخزي والتناقض، وهم يدافعون عن حرية من يتطاول على القرآن العظيم، ومن يسعى إلى إبطال السنة المطهرة، ومن يشكك في الفقه والتراث، ويتجاسر على مالك والبخاري، من غير علم ولا دراسة ولا تخصص؟ ويسعون في الوقت نفسه – بكل ما أوتوا من وسائل – إلى إسكات صوت العلماء، وإقصائهم من المشهد المجتمعي، ومنعهم من النقاش العمومي؟
هل أخذت فيدرالية الرفاق رأي المغاربة الذين أعطوها ثقتهم وأصواتهم، في تطاولها على مقام الخطباء، وفي سعيها إلى تكميم أفواه العلماء؟
هل وظيفة ممثلي الشعب في البرلمان، مراقبة عمل الحكومة، أم مراقبة أفواه العلماء وخطب الخطباء؟ أم أنه نوع من ذر الرماد في العيون، ومن الهروب إلى الأمام، ومن الشغب الإيديولوجي الرخيص، للتغطية عن الفشل السياسي الذريع، والتنصل من المسؤوليات والالتزامات الحقيقية للعمل السياسي؟.
لا ننتظر أجوبة الرفاق عن أسئلة بدهية حارقة كهذه، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وإنما نريد أن نهمس في آذانهم، أن ما ينتظره المغاربة منهم ليس مشاكسة العلماء والمزايدة على الخطباء، وليس المعارك الوهمية والمناكفات الرخيصة، وإنما ينتظرون منهم معارضة سياسية حقيقية، لمخططات الفساد والاستبداد، وتهريب الثروة، وتفقير الشعب، وخصخصة ما تبقى من ممتلكات الدولة، وتحويل المغرب إلى ما يشبه ضيعة يملكها حفنة من كبار الملاك وجماهير محرومة مستنزفة تئن وراء لقمة العيش، ورهن لمستقبل المغرب للخارج. هنا يكون لمعارضة الرفاق ولعملهم السياسي معنى، ما سوى ذلك كذب وزور، إن لم يكن تواطؤا مفضوحا ودعارة سياسية.