اليهودية المغربية والعدوان على غزة
هوية بريس- مصطفى الخلفي
ثمة خصوصية تتسم بها اليهودية المغربية، حيث لا تزال نواتها الموجودة بالمغرب ذات ثقل بالنسبة لليهودية المغربية العالمية، ليس باعتبار عددها الذي لا يتجاوز خمسة آلاف من أصل ما يناهز مليون يهودي مغربي أو من أصل مغربي في العالم، بل بالنظر إلى رمزيتها واحتضانها للرموز الدينية التاريخية لهذه اليهودية، والتي تتخذ لها من وجود أكثر من 650 قبر لأولياء تقام حول العديد منها مواسم دينية سنوية ذات صدى عالمي في صفوف اليهودية المغربية. من هنا تكتسب المواقف الصادرة عن اليهودية المغربية في المغرب -سواء الرسمية منها أو الفردية- من تطورات العدوان دلالة خاصة تساعد على فهم طبيعة الحركية القائمة في اليهودية عموما والمغربية خصوصا، وأيضا تحليل حدود المراهنة على حصول تغييرات نوعية في مسارها المغربي، وآثارها المستقبلية.
تاريخيا فإن استهداف المغرب بنشاط مكثف للحركة الصهيونية انطلق منذ عام 1900 مع تأسيس جمعيات صهيونية صغيرة في مختلف المدن المغربية، مثل آسفي والصويرة ومكناس وتطوان وطنجة ومراكش وغيرها، وأدى ذلك إلى انطلاق حركة هجرة لعدد من العائلات في نهاية العقد الثاني من القرن الماضي. وتطور الأمر إلى تأسيس فرع مغربي للمنظمة الصهيونية العالمية تابع للقسم الفرنسي في أواسط العشرينيات، فضلا عن حركة جمع التبرعات لمساندة تحركات اليهود في فلسطين الخاصة بالسيطرة على حائط البراق (حائط المبكى) في عام ,1929 وكان ذلك أحد محفزات انطلاق حركة تضامن مغربية مع الشعب الفلسطيني. ومع تزايد النشاط الصهيوني المستغل لقوة التدين اليهودي المغربي وارتباطه بفلسطين، نشطت عمليات الاستقطاب والتعبئة التي أدت في فترة حرب 1948 وما بعدها إلى هجرة حوالي 30 ألف بإشراف من الوكالة اليهودية، ثم حصلت موجات متتالية للهجرة، ففي الفترة بين 1952 و1960 انطلقت موجة هجرة لما لا يقل عن 95 ألف شخص، ثم كانت الموجة الكبيرة بين 1961 و1971 والتي قدر عددها مركز الإحصاءات الإسرائيلي بأكثر من 130 ألفا.
وفي السنوات التالية حصلت موجات هجرة لكنها ضعيفة لم تتجاوز في مجموعها 20 ألف شخص إلى غاية السنة الماضية، وهو ما يقدم مؤشرا على مسلسل اندثار تدريجي لليهودية المغربية من حوالي 300 ألف إلى أقل من خمسة آلاف حاليا، بحيث إن مركز الإحصاءات الإسرائيلي في نشرته الخاصة بعام 2008 قدر عدد اليهود المغاربة الذين ولدوا في المغرب ولا يزالون أحياء ومقيمين بالكيان الصهيوني وذلك في حدود 150 ألف شخص، أما ذوو الأصل المغربي فيقدرون بـ 337 ألف شخص، بحيث إن اليهود المغاربة بالدولة العبرية يشكلون ثاني أكبر جالية بعد يهود الاتحاد السوفيتي، ويتسم أغلبهم بالنشاط السياسي اليميني الداعم لليكود بشكل أساسي، وبارتباطهم بأحزاب دينية متطرفة كحزب شاس. ومنذ أواسط الثمانينيات نشطت حركة عالمية لبناء إطار لليهود المغاربة، وهو ما ظهر بتأسيس التجمع العالمي لليهودية المغربية في عام 1986 وبعده الاتحاد العالمي لليهود المغاربة في عام 1999 وكلاهما عقد مؤتمره التأسيسي بالمغرب فضلا عن عضوية مجلس الطوائف اليهودية في المؤتمر اليهودي العالمي، ونظر البعض إلى أن هذا التطور التنظيمي قد يعمق من ارتباط ما تبقى من يهود مغاربة بالمغرب بالمشروع الصهيوني أو يتيح استثمارهم في مشروع التطبيع مع الدولة العبرية، لكن جاءت المواقف التي صدرت بعد تفجيرات 16 ماي 2003 والتي رفضت مشروع تهجير من تبقى من اليهود المغاربة من المغرب إلى إسرائيل، ثم المواقف التي تم التعبير عنها بمناسبة العدوان الأخير لتدفع في مساءلة الخلاصة السابقة وعدم النظر إليها بإطلاقية.
ففي العدوان الصهيوني الأخير على غزة، تم تسجيل ملاحظتين، فمن ناحية أولى خرج مجلس الطوائف اليهودية بالمغرب ببيان لإدانة العدوان والتضامن مع ضحاياه بغزة وغيرها، كما لم يحضر المجلس اجتماع المؤتمر اليهودي العالمي الذي انعقد في القدس في الأسبوع الرابع من شهر يناير الماضي، رغم مشاركته في اجتماع تحضيري له في سبتمبر الماضي، وسعيه (المجلس) إلى تأكيد ذلك على الصعيد الإعلامي بعد أن تناول الإعلام المغربي موضوع احتمال مشاركته. وكما سبقت الإشارة لذلك في مقال سابق، فإن المقارنة مع مواقف مجلس المؤسسات اليهودية بفرنسا مثلا والذي انخرط في دعم العدوان تبرز حجم الفرق، فضلا عن الموقف الذي صدر عن أمين مركز التراث اليهودي المغربي شمعون ليفي وذلك بعد أن تردد في برنامج بالقناة الثانية المغربية أنه لن يقف ضد ملاحقة القادة الإسرائيليين المسؤولين عن الحرب. ومن ناحية ثانية، انتعشت المعارضة اليهودية المغربية للصهيونية، خاصة مع كل من سيون أسيدون وإدمون عمران المليح، ولاسيما الأول الذي انخرط في التعبير عن مواقف متقدمة بالمقارنة بما صدر عن الكتاب العرب المسلمين، ومن ذلك تصريحه أن دولة إسرائيل دولة صهيونية ستنتهي إلى زوال ولا شك في هذا الأمر، وستكون فلسطين في النهاية دولة لجميع سكانها متساوين في الكرامة والحقوق، أو قوله لمجلة تيل كيل الصادرة بالفرنسية إنه لم ينزعج من رفع شعار الموت لإسرائيل معتبرا أن عددا من أفراد الجالية اليهودية يجدونه شعارا رهيبا ضد السامية لأنهم يفهمون منه الموت لليهود، لكن الأمر في الواقع يتعلق بالمشروع الصهيوني وبالمشروع الإجرامي الذي تمثل مجزرة غزة جوهره، ولكن أصله يمتد إلى بعيد.. إلى دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا، وتطور هذا الموقف بتحرك أسيدون في حملة المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل بعد أن بلغت الصادرات الإسرائيلية للمغرب في عام 2008 حوالي 20 مليون دولار بحسب مركز الإحصاءات الإسرائيلي. ولهذا فإن صدور مواقف عن التكتل اليهودي المغربي غير مساندة للعدوان وفي جزء منه منددة به ومنخرطة في حركة التضامن التي عرفها المغرب، كل ذلك يذهب في سياق مضاد لتوقع صدور موقف مغاير بالنظر إلى أن هناك حالة الارتباط بوجود ثقل بشري كثيف بالدولة العبرية من ناحية أولى، وطبيعة التوجهات السياسية لهذا الثقل البشري تذهب في اتجاه دعم العدوان من ناحية ثانية ثانية، ولوجود إطارات عالمية للتواصل تجعل من صدور موقف مضاد مدعاة لحملة عليهم أو انتقاذ لهم تحت مسمى الخروج عن الإجماع اليهودي من ناحية ثالثة، وهي العناصر الثلاث التي سبق تقديم مؤشرات منلموسة عنها. ما سبق قد ينظر لها البعض كمقدمات تحول، لكن قد يكون من السابق لأوانه توقع خروج اليهودية المغربية عن اليهودية العالمية، أو التحاقها بمواقف يهود منظمة ناطوري كارتا المعروفة بعدائها الشديد لإسرائيل وللصهيونية، فهذا من قبيل المبالغة الشديدة، باعتبار أن الحركة الفقهية لليهودية المغربية لم تعرف بروز مثل تلك التوجهات، فضلا عن أن المعارضة اليهويدة للصهيونية مرتبطة بفعالية ذات منحى علماني أكثر، وهو ما يعطي خصوصية للحالة المغربية، وتفرض الانتباه لطبيعتها وللتطور الذي عرفته والعمل على تدعميه.
من أرشيڤ جريدة التجديد يوم 10 – 02 – 2009