انتصار للفرنسية أم خيانة للشعب من طرف نواب الأمة؟؟
هوية بريس – إبراهيم الطالب
لا شك أن ملف القانون الإطار كان محطة انكشفت فيها سوءات كثير من المتشدقين بخدمة قضايا الهوية والدين، وظهر فيها بوضوح أن المغرب لا تحكمه “الديمقراطية” ولا المؤسسات، فالتدخل السلطوي كان واضحا للعيان؛ هي محطة مضت وانقضت وأصبحت أمرا واقعا، والأمر الواقع لا يرتفع إلا بخلق أمر واقع أقوى منه.
وسواء سميناه خيانة من “نواب الأمة” لقضية عرفت نضالا عظيما من طرف المقاومين للاحتلال، الرافضين لاستمرار تواجده بعد الاستقلال، أم اعتبرناه انتصارا لـ”وليدات فرنسا” على باقي المغاربة، فلن يغير هذا في الأمر شيئا على أرض الواقع كما قلنا، وبحثه لن يفيد القضية وإنما اقتصرنا على اتخاذه مدخلا للمقال حتى ننبه إلى أن الإغراق فيه سيشغل العاملين عن واجبهم اتجاه العربية وما ينبغي فعله.
المغاربة كشعب يجب عليهم اليوم بعد التصويت على قانون فرنسة التعليم، أن يقوموا بواجبهم اتجاه أبنائهم، أن يحدوا من تأثيراته على مستوى التكوين والتعليم لأبنائهم، فإذا كانت السياسة قد خانت القضية فعلى الشعب ألا يرضى بالجريمة في حق الأجيال القادمة.
لكن من يمثل الشعب؟؟
الجواب من الناحية النظرية هو نواب الأمة الذين صوتت عليهم، ومؤسساتها العمومية التي تتحكم في القرارات وتصرف الميزانيات من أموال الشعب.
لكن من الناحية العملية الأمر ليس كذلك، فالمنتخبون لا إرادة لهم وهم عبيد لدى سدنة التحكم، والمؤسسات يحكمها الاستبداد، وإرادتها معطلة بفعل التسيير المزدوج لها بين حكومة أغلبها منتخب وحكومة ظل نافذة متحكمة، هذا بالإضافة إلى أن كثيرا من المؤسسات الفكرية والمنظمات والجمعيات هي رهينة لدى أولياء نعمتها تملى عليها الأفعال مقابل الأموال.
وما دامت الأمور هكذا، والجميع معترف بهذه الحقيقة، فكيف يمكن تدبير الشأن اللغوي لأبنائنا في مرحلة التهديد القادمة؟؟
كيف يمكن تجنب فرنسة التفكير بعد فرنسة التعبير لديهم؟؟
كيف يمكن إبطال مفعول مواد القانون الإطار التي أقحمها فلول الاحتلال الفرنسي في تشريع مغربي لشعب غير فرنسي؟؟
الواجب الآن بعد هذا الخذلان الأشبه بالاحتلال، منوط بعدة جهات جمعوية ودينية، أبرزها جمعيات الأحياء الناشطة، والجمعيات الوطنية التي تعنى بالثقافة والتنمية وجمعيات أساتذة التربية الإسلامية، وجمعيات أساتذة اللغة العربية النشيطة، وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ، ومجموع الكتاتيب القرآنية وأئمة المساجد والخطباء، وأساتذة شعب الآداب والدراسات الإسلامية وغيرها.
الكل يجب أن يجعل قضية اللغة العربية قضية وجود، أن تصرف فيها الصدقات والتبرعات، أن يتحرك الأساتذة وكل من يجيد اللغة العربية لبذلها لأبناء الشعب، يجب أن يتم التركيز على تلاميذ التعليم الأساسي بل حتى الأولى، وتأطيرهم في الجمعيات وتكوينهم من الناحية اللغوية العربية بحيث لن يؤثر في تكوين ذوقه وثقافته وميوله واختياراته تعلم العلوم ولا المواد الأخرى التي لا تحمل المعلومة إلا ممرغة في ثقافة هي ثقافة مغايرة لثقافتنا الأصيلة.
فالشعب المغربي اليوم أمام هذا التحدي يجب أن تستنفِر كل الجهات الغيورة طاقاتِها وما لها من قوة حتى لا تنجح مساعي الذين يريدون من الشعب المغربي أن يكون تابعا أو مجرد ذيل لمحتل الأمس.
إننا لسنا ضد تعلم اللغات بل ندعو إلى تعلمها وضبطها، لكن نميز بقوة بين تدريس اللغة ولغة التدريس، فتدريس اللغة يعطي للتلميذ فرصة الاطلاع على ثقافة غير ثقافته والاستفادة من آدابها وحضارات شعوبها، لكن لغة التدريس تحدد للتلميذ الثقافة التي يعتمدها محددا لقناعاته وميولاته وبالتالي تحدد ولاءه ومعتقداته.
لهذا فالاحتلال الفرنسي خاض معركة لغوية استبدل الفرنسية فيها بالعربية، وفرض على مناطق الأمازيغ ألا يدرسوا العربية في المدارس التي أنشأها.
إنه ليس مجرد قانون إطار بل هو إطار كبير لحياة الإنسان المغربي يحدد مستقبله وتنميته ويؤثر على قضايا هويته ووجوده؛ “إن اللغات حينما يغتالها المستعمر فإنها تذهب بإرث ثقافي ضخم هو محصلة الخبرات العلمية والتقاليد الاجتماعية الغنية والديانات والعقائد الخاصة بالبلد المستعمَر لغوياً”(*).
لقد نجحت اللوبيات الفرنسية الفرانكوفونية في تمرير هذا القانون ضدا على إرادة الشعب المغربي، وانتصارا لمطالب وتوصيات المنظمة الدولية الفرانكوفونية.
لقد استطاع جميعهم الوفاء لباني الاحتلال الفرنسي في المغرب المارشال ليوطي عندما وجه أسلافهم في الدار البيضاء في 1914م في الموضوع نفسه وهو “تعليم الأهالي” ولَم تكن حينها الفرنسية معتمدة في تعليم المغاربة بل كانت العربية والعربية فقط؛ حيث قال مستشرفا للمستقبل موجها لاستعمال اللغة: “يلزم فتح مدارس للأهالي (أي المغاربة) رغبة في خلق رابطة بيننا وبينهم عن طريق اللغة التي هي ناقلة للأفكار، والسماد القوي لأعمال التقدم والتمدين الواجبة علينا”. نقلا عن الشيخ المكي الناصري رحمه الله تعالى، في تقرير له بعنوان التعليم الإسلامي والتعليم الفرنسي.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الدكتور هشام بن صالح القاضي؛ أكاديمي لغوي وأديب عربي من مقال له بعنوان: الاستعمار اللغوي.
ليس فقط خيانة والله لن يرى المسلمون في المغرب خيرا إن تمكن الفرنسيس منهم مرة أخرى
لا لفرنسة التعليم