انتفاضة وزير الداخلية!

10 نوفمبر 2025 19:37

انتفاضة وزير الداخلية!

هوية بريس – اسماعيل الحلوتي

يبدو أن هناك توجها جادا هذه المرة نحو مكافحة الفساد بعد أن “بلغ السيل الزبى”، ولم يعد بعض المسؤولين ممن يكرسون جهودهم وأوقاتهم في خدمة البلاد بحس وطني صادق وروح المسؤولية، يستطيعون صبرا على تحمل المزيد من مظاهر الفساد، الذي ما فتئ يتفاحش وينخر البلاد بشكل لافت، مما أدى بوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت المعروف بجديته إلى الانتفاض ضد الفساد من داخل البرلمان، مهددا بالضرب بيد من حديد على كل من ثبت تورطه في الترامي على قطعة من تراب الجماعات المحلية أو درهم واحد من ميزانيتها، ما لم يسارع إلى إرجاع ما أخذه دون سند قانوني.

ففي مساء يوم الأربعاء 5 نونبر 2025 خلال عرض ومناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارته برسم مشروع قانون المالية لسنة 2026 أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب، وفي مشهد غير مألوف ألقى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت خطابا وصف بالناري، اهتزت له أركان القاعة من شدة الغضب،  مشيرا إلى أن مرحلة جديدة انطلقت في اتجاه التصدي للمفسدين والحيلولة دون الاستمرار في التلاعب بالمال العام واستغلال أملاك الدولة بطرق مشبوهة وغير مشروعة، ومؤكدا عدم تسامحه مع من تسوغ له نفسه القيام بذلك، إذا لم يبادر إلى إعادته طوعا قبل إرغامه بقوة. حيث قال بعبارات صريحة، خلفت صدى طيبا في أوساط المغاربة: “اللي دا شي درهم ولا شي أرض، يردها بالخاطر ولا غادين نوصلو معاه لخزيت (أي إلى ما لا تحمد عقباه) وأضاف قائلا: “يردها آمين ولا بزز، وحنا بدينا دبا بكازا، وغادي نمشيو لكل الجهات، ما كاينش منطقة محصنة، وما كاينش استثناءات”

وهو ما خلف ارتياحا كبيرا بين المواطنين، وخاصة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تم نشر مقاطع فيديو لتصريحات وزير الداخلية وهو يحذر من مغبة الإصرار على عدم إرجاع ما تم نهبه والاستيلاء عليه بغير وجه حق… واعتبره عديد المراقبين والمهتمين بالشأن العام ببلادنا توجها حكوميا صارما وغير مسبوق، يراد من خلاله التنزيل الفعلي لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” والتأكيد على نهاية مسلسل “الإفلات من العقابـ”، وهو كذلك إعلان مباشر عن حرب مفتوحة ضد كل من يتطاول على المال العام أو أملاك الدولة كيفما كان شأنه، مادامت الدولة عازمة بإصرار شديد على استرجاع “المسروق”، ومصرة على عدم ضياع درهم من خزينتها ولا متر مربع من أراضيها.

فما أفصح عنه وزير الداخلية في البرلمان، هو ذات المطلب الذي طالما طالب به شرفاء الوطن سواء في الأحزاب السياسية أو في المنظمات النقابية والجمعيات الحقوقية، التي تهتم بحماية المال العام، خاصة كلما تفجرت فضيحة ما حول شبهات فساد بخصوص تجاوزات مالية وغيرها هنا أو هناك في جماعات ترابية أو مؤسسات عمومية، حيث ظل مطلب “استرجاع الأموال المنهوبة” يشكل واحدا من بين أهم المطالب التي ما انفكت ترفعها تلك الهيئات والجمعيات أمام مدبري الشأن العام ببلادنا، رافضة اقتصار الأمر على المحاكمات والعقوبات السجنية فقط، مادام أساس العدالة الاقتصادية وتحقيق إنصاف وجبر الضرر الذي يلحق بالمجتمع يتطلب كذلك إعادة ما تم اختلاسه من أموال وأملاك إلى مصادرها الأصلية.

إن ما لا ينبغي تجاهله هو أن تلك الفورة من الغضب التي انتابت وزير الداخلية في معرض مداخلته أمام ممثلي الأمة لم تأت من فراغ، بل هناك الكثير من الاختلالات التي تدعو إلى ذلك. ثم إنه فضلا عن توجيه تحذيراته الصارمة للمفسدين من ناهبي المال العام والمتطاولين على أملاك الدولة، لم يفته كذلك توجيه انتقادات شديدة اللهجة لبعض المنتخبين المحليين، الذين لا يتسترون عن تلك التجاوزات أو يتواطؤون مع أصحابها، حيث قال بنبرة حادة إن: “المنتخب الذي لا يرفع دعوى أو يتفاهم مع من نهب المال العام يعد شريكا في الجريمة”.

ففي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ما سبق أن أعلنت عنه وزارة الداخلية من معطيات صادمة، تكشف عن حجم الفساد المستشري في الجماعات الترابية، مما يساهم في الحيلولة دون تحقيق التنمية المنشودة بعديد الجهات، إذ بلغ عدد المنتخبين المتابعين قضائيا خلال سنة 2025 ما مجموعه 302 منتخبا، من بينهم 52 رئيس جماعة ترابية و57 نائبا للرئيس و124 عضوا جماعيا و69 رئيسا سابقا، ناهيكم عما حمله التقرير الذي تم تقديمه أمام البرلمان حول “منجزات وزارة الداخلية برسم السنة المالية 2025” من حقائق وإحصائيات عن عزل منتخبين وإقالة رؤساء مجالس جماعية ونوابهم وأعضاء من الغرف المهنية…

إننا وفي ظل الاحتجاجات المتوالية، المطالبة بضرورة تركيز الجهود على مكافحة الفساد، لما له من كلفة اقتصادية باهظة، ورغم ما بات يشهده المغرب من تحولات إيجابية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والرياضية، بفضل القيادة الحكيمة والرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، نتمنى صادقين ألا تكون انتفاضة وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت الرامية إلى تطهير الجماعات المحلية من مختلف مظاهر الفساد مجرد صرخة في واد أو حملة عابرة، علما أن المهمة لن تكون سهلة ما لم يتم تعزيزها بتوفر الإرادة السياسية القوية والحقيقية، وانخراط الجميع من أسرة ومدرسة وفعاليات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وغيرها.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
8°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة