انج سعد فقد هلك سعيد
د. أحمد اللويزة – هوية بريس
هذا مثل عربي، حيث يحكى أن أخوين أحدهما يدعى سعد والأخر سعيد، خرجا ذات يوم للقتال مع بعض الأعداء، وقد غلبت الحماسة على سعيد ومن معه فسبقوا سعدا إلى قتال الأعداء، وحينما اقتربوا منهم وجدوا أنفسهم محاصرين، فقد نصب لهم الأعداء فخًا وأوقعوا بهم، ومات سعيد ومن معه إلا واحد فقط استطاع الفرار، وبينما هو يجري قابل سعد في الطريق، “انج سعد فقد هلك سعيد”، وبالفعل هرب سعد مع الناجي فلم تكن عاقبته الموت مثل أخيه، فصارت تلك الجملة الشهيرة مثلًا.
والغاية من ذكر هذا المثل، هو ما نراه من توالي سقوط الناس صرعى في ساحة الانتكاس والانحراف والضلال عن سبيل الهدى والرشاد، ضلال وانحراف ليس فيه أدنى شعور بألم العصيان والمخالفة، ولا رغبة في التوبة والرحمة والمغفرة، وهذه ظاهرة صارت بارزة تتمدد مع توالي الأيام.
حيث الناس يعيشون هذا التيه والضلال والانحراف عن منهج الإسلام عقيدة أو سلوكا أو تشريعا مع الرضى والاطمئنان، وإيغالا في دروب الضلال يحاول البعض جاهدا ليقنع نفسه وغيره أن ضلاله هدى، وانحرافه استقامة، ويقدم على ذلك من النصوص مع لي أعناقها ما يشعر الجاهل بأنه على حق ومنهجه على صواب.
هذا الذي أتحدث عنه أمثلته لا يعدها الحصر، حتى رأينا كل الشرائع محرفة؛ وصار الحرام حلالا؛ من خمر وربا وزنا وعلاقات غير شرعية وأغاني وأفلام ومسلسلات وعري واختلاط وهلم جرا، فهناك محاولات حثيثة وجدية تروم جعل هذه الأشياء أمورا مباحة ولا حرج في ارتكابها سرا أوجهرا.
ومما ترتب عن هذا أن تجد من يحمد الله ويشكره على فعل هذه الموبقات، ومنهم من يريد أن يتقرب إلى الله باقترافها، ومنهم من يسأل الله أن يعينه على فعلها، وأن يطيل عمره في ارتكابها حتى يبلغ الغاية منها، ومنهم ومنهم.
وفي المقابل هناك تهوين من شأن الفرائض والواجبات وفي أحسن الأحوال جعلها في مقام المباحات حيث المسلم مخير بين أدائها أو تركها دون أن يكون لذلك أي أثر على إيمانه وإسلامه، وعدم القيام بها لا يعني ذلك أنه غير مسلم والعكس صحيح.
وخطورة الأمر ومربط الإشكال فيه وعلاقة بعنوان المقال فإن هؤلاء لم يعد هناك من مجال لدعوتهم إلى الله والدين الصحيح، وتذكيرهم خطورة الفواحش والمنكرات، وبالمصير والجنة والنار، فقد قست القلوب فلم تعد تتأثر بما تسمع من الوعد والوعيد، ولأنهم أصلا لا يرون في ذلك أدنى حرمة وقد يعطيك الدليل على الاباحة.
ولعل أصحاب القراءة الجديدة للتراث هم من يحملون وزر هؤلاء، فبأي لغة تخاطب القوم وبأي أسلوب ومضمون تواجههم، وما الخطاب الأنسب لمن يرى أنه على صواب فيما هو مخطئ فيه.
هذا زيادة على سوء التأويلات، والترخص المبالغ فيه، وتميع التدين عند من يرى أنه صاحب مشروع إسلامي، وكثرة من يتكلم باسم الدين وهو ظاهر العداوة له، وجرأة الجهال على الكلام في القضايا الكبرى، ومن الطوام أن تجد الشاب الذي حصل على الباكلوريا بالأمس يتكلم عن تجديد التراث وتجاوز الفهم الماضوي، هكذا بجرة قلم وجرأة لسان.
إضافة إلى إعجاب كل ذي رأي برأيه، واستئثار كل امرئ بالصواب، واحتجاج كل واحد على صواب منهجه بمثل ما يحتج به الأخر على خطئه. وهكذا تختلط الأوراق، ويتعتم الظلام وتموج الفتن ويزداد الليل سوادا، فيقع الهالكون صرعى في حبال الشهوات والشبهات، فلا يملك من سلمه الله وعفاه إلا أن يقول “انج سعد فقد هلك سعيد”، انج بنفسك وأهلك أن استطعت، ولا تحزن عليهم، والزم بيتك وامسك عليك لسانك وابك على خطيئتك، واسأل الله السلامة في دينك والحسن في خاتمك.
والله المستعان.