انحراف ابن عربي، وإمامة شيخ الإسلام… وتطاول الأقزام
هوية بريس – نور الدين درواش
أطلعني أحد الإخوة على كلام، منشور ببرنامج [الواتساب]، لأحد الفتانين بمدينة الجديدة، يدافع فيه عن ابن عربي الحاتمي، ويطعن في المقابل في شيخ الإسلام ابن تيمية، فعجبت من حال هذا الرجل الذي كان يُظهر السنة والسلفية فانقلب على عقبيه، وأضحى والعياذ بالله وعاء للبدع والضلالات، والشرور والانحرافات، من التعطيل للصفات الإلهية، والطرقية الغالية، والفلسفة الجانحة بالعقيدة لعلم الكلام المستورد من اليونان، وإحياء البدع التي ماتت أو تكاد، ناهيك عن الشذوذ الفقهي الذي يتميز به منذ عُرف، مع المبالغة في الطعن في أئمة أهل السنة لدرجة تعريضه بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بالقول بأن أئمة الأشاعرة قد كفروه وأن المانع له – أي المردود عليه- من اتباعهم في تكفير شيخ الإسلام هو: “حذرا من خطر تكفير الناس… لاسيما من اختلفوا فيه” حسب تعبيره.
وأن الذين كفروا شيخ الإسلام أكثر عددا وأعظم قدرا ممن كفر ابن عربي… إلى غير ذلك من الضلال والكذب والبهتان عافانا الله وإياكم.
ووصف ابن عربي بكونه:”من أئمة الشرع، وأذكياء العالم” كما وصفه بالإمامة والعدالة والصلاح (!!!).
ومعلوم عند صغار طلبة العلم؛ أن ابن عربي الحاتمي كان رأسا في الضلال والانحراف والفسوق والانحلال، ومن أفسد العقائد التي نصرها؛ القول بــ (وحدة الوجود) وهي عقيدة كفرية مبناها على أنه لا موجود في الكون إلا الله، وأن المخلوق هو عين الخالق، عياذا بالله، حتى قال في ذلك:
“الرب حق والعبد حـق يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك ميت وإن قلت رب أنى يكلف
فهو يطيع نفسه إذا شاء بخلقه…”
ولهذا تتابع أهل العلم على التحذير منه ومن تواليفه:
– قال الذهبي عن ابن عربي:” وَمِنْ أَرْدَإِ تَوَالِيفِهِ كِتَابُ (الفُصُوْصِ)، فَإِنْ كَانَ لاَ كُفْرَ فِيْهِ، فَمَا فِي الدُّنْيَا كُفْرٌ، نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ وَالنَّجَاةَ، فَوَاغَوْثَاهُ بِاللهِ!” (سير أعلام النبلاء 23/48).
– وقال التقي السبكي:” وَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ سَبْعِينَ وَالْقُطْبِ الْقُونَوِيِّ وَالْعَفِيفِ التِّلْمِسَانِيِّ، فَهَؤُلَاءِ ضُلَّالٌ جُهَّالٌ خَارِجُونَ عَنْ طَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَضْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ.”(مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني 4/97).
– وقال العز بن عبد السلام سلطان العلماء:” شَيْخُ سُوءٍ، كَذَّابٌ، يَقُوْلُ بِقِدَمِ العَالِمِ، وَلاَ يُحَرِّمُ فَرْجاً.” (سير أعلام النبلاء 23/49).
– قال الحافظ ابن حجر: ” وقد كنت سألت شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني، عَنِ ابن [ال]عربي؟ فبادر الجواب بأنه كافر” (6/123)
فهل نتبع هؤلاء العلماء الكبار الذين أظهروا انحراف ابن عربي وضلاله أم نتبع شابا حدثا صغيرا لم ترسخ قدمه في العلم ولم يستنر بنور الوحي؟؟
إن انحراف ابن عربي الحاتمي وضلاله كان من المسلمات عند العلماء لدرجة جعلت ابن حجر رحمه الله يباهل مخالفه على ذلك، وإليك هذه القصة أيها القارئ اللبيب لتعلم أن هذا المتعالم جاهل منحرف يخالف أئمة الإسلام.
قال السخاوي في ترجمة ابن حجر:” ومع وُفور حلمه-أي ابن حجر-، وعدم سرعة غضبه، فكان سريعَ الغضبِ في اللَّه ورسوله، ويصرح… باقتداء النَّاس في هذه الأزمان بأولي الجهل، وعدم معرفة الحقِّ، وسيادةِ الوَضيع، وتغيُّر الأحوال، حتَّى عاد الدِّينُ غريبًا، إلى غير ذلك ممَّا يشهدُ لصدعه بالحقِّ، وعدم المبالاة في اللَّه تعالى، واتَّفق -كما سمعتُه منه مرارًا- أنَّه جرى بينه وبين بعض المحبِّين لابن عربي منازعة كثيرة في أمرِ ابن عربي، أدَّت إلى أن نال شيخُنا مِنَ ابنِ عربي لسُوء مقالته، فلم يسهل بالرَّجُلِ المنازع له في أمره، وهدَّده بأن يُغْرِيَ به الشيخ صفاء الذي كان الظَّاهرُ برقوق يعتقدُه، ليذكرَ للسُّلطان أنَّ جماعة بمصر منهم فلان يذكرون الصَّالحين بالسوء، ونحو ذلك، فقال له شيخنا: ما للسُّلطان في هذا مدخَلٌ، لكن تعالَ نتباهل، فقلَّما تباهَلَ اثنان، فكان أحدهما كاذبًا إلا وأصيب، فأجاب لذلك: وعلَّمه شيخُنا أن يقول: اللهم إن كان ابنُ عربي على ضلال، فالعَنِّي بلَعْنَتِكَ، فقال ذلك: وقال شيخنا: اللَّهُمَّ إنْ كان ابنُ عربيٍّ على هُدى، فالعني بلعنتك، وافترقا.
قال: وكان المعانِدُ يسكن الرَّوضةَ، فاستضافه شخصٌ مِنْ أبناء الجُند جميل الصُّورة، ثمَّ بدا له أن يتركَهُم، وخرج في أوَّل اللَّيل مصمِّمًا على عدمِ المبيت، فخرجُوا يشيِّعُونه إلى الشَّختُور، فلمَّا رجعَ أَحسَّ بشيءٍ مرَّ على رجله، فقال لأصحابه: مرَّ على رجلي شيءٌ ناعم، فانظُروا، فنظروا فلم يَرَوا شيئًا، وما رجع إلى منزله إلَّا وقد عَمِيَ، وما أصبح إلا ميتًا. وكان ذلك في ذي القعدة سنة سبع وتسعين، وكانتِ المباهلة في رمضان منها، وكان شيخنا عند وقوع المباهلة عرَّف مَنْ حضر أنَّ مَنْ كان مُبطلًا في المباهلة لا تمضي عليه سنة.” (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر3/1002).
هذا نزر من كلام بعض أهل العلم من ابن عربي الحاتمي وهذا موقفهم منه، وقد اكتفيت بما رأيت خشية الإطالة وإلا فأمثال المنقول تعد بالعشرات…. راجع لها إن شئت (مصرع التصوف، المعروف ب”تنبيه الغبي…” للبقاعي) و (ابن عربي عقيدته وموقف علماء المسلمين منه، للعجمي) و( جزء فيه عقيدة ابن عربي وحياته وما قاله المؤرخون والعلماء فيه، لتقي الدين الفاسي).
أما شيخ الإسلام فكان ولا يزال بحمد الله محط إجلال وتقدير من أئمة الإسلام وعلماء المسلمين إلا من شذ لتلبس ببدعة أو تعد في خصومة أو تجن في مناظرة، أما جماهير العلماء فلن تجد منهم إلا الثناء والمدح، ويكفي أيها اللبيب أن تقرأ تقريظ ابن حجر رحمه الله لكتاب (الرد الوافر..) الذي صنفه ابن عبد الهادي وضمنه مقالة أكثر من ثمانين عالما كلهم يصف ابن تيمية ب(شيخ الإسلام).
ومما جاء في هذا التقريظ:”… وشهرة إمامة الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس، وتلقيبه بـ ” شيخ الإسلام ” في عصره باق إلى الآن على الألسنة الزكية، ويستمر غداً كما كان بالأمس، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره، أو تجنب الإنصاف، فما أغلط من تعاطى ذلك وأكثر عثاره، فالله تعالى هو المسؤول أن يقينا شرور أنفسنا، وحصائد ألسنتنا بمنِّه وفضله، ولو لم يكن من الدليل على إمامة هذا الرجل إلا ما نبَّه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في ” تاريخه “: أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته لما مات ما اجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين، وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدّاً شهدها مئات ألوف، ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان ببغداد أو أضعاف ذلك: لما تأخر أحد منهم عن شهود جنازته، وأيضاً فجميع من كان ببغداد إلا الأقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد، وكان أمير بغداد وخليفة ذلك الوقت إذا ذاك في غاية المحبة له والتعظيم، بخلاف ابن تيمية فكان أمير البلد حين مات غائباً، وكان أكثر مَن بالبلد مِن الفقهاء قد تعصبوا عليه حتى مات محبوساً بالقلعة، ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم عليه والتأسف عليه إلا ثلاثة أنفس، تأخروا خشية على أنفسهم من العامة.
ومع حضور هذا الجمع العظيم: فلم يكن لذلك باعث إلا اعتقاد إمامته وبركته، لا بجمع سلطان، ولا غيره، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أنتم شهداء الله في الأرض ) رواه البخاري ومسلم.
ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مراراً، بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع، وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة، وبدمشق، ولا يحفظ عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته، ولا حكم بسفك دمه مع شدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة، حتى حبس بالقاهرة، ثم بالإسكندرية، ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه، وكثرة ورعه، وزهده، ووصفه بالسخاء، والشجاعة، وغير ذلك من قيامه في نصر الإسلام، والدعوة إلى الله تعالى في السر والعلانية، فكيف لا يُنكر على مَن أطلق ” أنه كافر “، بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام: الكفر، وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك ؛ فإنه شيخ في الإسلام بلا ريب، والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي، ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عناداً، وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم، والتبري منه، ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب، فالذي أصاب فيه – وهو الأكثر – يستفاد منه، ويترحم عليه بسببه، والذي أخطأ فيه لا يقلد فيه، بل هو معذور ؛ لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه، حتى كان أشد المتعصبين عليه، والقائمين في إيصال الشر إليه، وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني، يشهد له بذلك، وكذلك الشيخ صدر الدين بن الوكيل، الذي لم يثبت لمناظرته غيره.
ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم الناس قياماً على أهل البدع من الروافض، والحلولية، والاتحادية، وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة، وفتاويه فيهم لا تدخل تحت الحصر، فيا قرة أعينهم إذا سمعوا بكفره، ويا سرورهم إذا رأوا من يكفر من لا يكفره، فالواجب على من تلبّس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشتهرة، أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل، فيفرد من ذلك ما يُنكر، فيحذِّر منه على قصد النصح، ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك، كدأب غيره من العلماء، ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف: لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته، فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم، والتميز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم، فضلاً عن الحنابلة، فالذي يطلق عليه مع هذه الأشياء الكفر، أو على من سمَّاه ” شيخ الإسلام “: لا يلتفت إليه، ولا يعوَّل في هذا المقام عليه، بل يجب ردعه عن ذلك إلى أن يراجع الحق، ويذعن للصواب، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، وحسبنا الله، ونعم الوكيل…” ( الرد الوافر، 145، 146 ).
– وقال الحافظ المِزِّي:”مَا رَأَيْت مثله وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه وَمَا رَأَيْت أحدا أعلم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله وَلَا أتبع لَهما مِنْهُ” (العقود الدرية ص: 23).
– وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: “لما اجْتمعت بِابْن تَيْمِية رأيت رجلا الْعُلُوم كلهَا بَين عَيْنَيْهِ، ياخذ مِنْهَا مَا يُرِيد ويدع مَا يُرِيد”(الرد الوافر، ص:59).
فقارن يا رعاك الله بين كلام أئمة الإسلام المنصفين وبين كلام هذا الجاهل المتعالم الطاعن بالزور والبهتان في شيخ الإسلام وفي غيره من أهل السنة.
كناطح صخرة يوما ليوهنها*** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل.
ثم أختم ناصحا كل إخواننا بمدينة الجديدة وخارجها بمجانبة المنحرف وما أبعده عن التوفيق -والله-، إِذ المُوَّفق من أَجَلَّ أهل السنة ورفعهم وعرف لهم حقهم وسابقتهم وبلاءهم الحسن في خدمة الدين والذب عن حياضه. وأَذَلَّ أهلَ البدعة وأبعدهم وبغضهم إلى نفوس من يريد بهم الخير…
وانتظروا عاقبة الظلم في هذا الرجل فــ” إِن لُحُوم الْعلمَاء -رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِم- مَسْمُومَة، وَعَادَة اللَّه فِي هتك أَسْتَار منتقصيهم مَعْلُومَة” (تبيين كذب المفتري ص:24)
ووالله ما رأيت أحدا أطلق لسانه في أهل العلم إلا كشفه الله وهتك ستره وفضحه على رؤوس الأشهاد، نسأل الله السلامة والمعافاة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.