اهتمام الطلبة المغاربة بنابلس 1930 بالشأن المغربي وموقفهم من “الظهير البربري”
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
جاء في كتاب (نضالنا القومي في الرسائل المتبادلة بين الأمير شكيب أرسلان والحاج عبد السلام بنونة) لمؤلفه الطيب بنونة، تبادل رسائل بين الأمير وأعضاء البعثة المغربية التي كانت تدرس في نابلس وتقضي صيف سنة 1930 في مصيف (برمانة) بلبنان، وهناك وصلتها أخبار صدور الظهير البربري في المغرب، وكانت مؤلفة من الطلاب: عبد السلام بن جلون، محمد عبد السلام الخطيب، محمد بن عبد السلام الفاسي، محمد بن محمد الخطيب، عبد المجيد حجي، المهدي بنونة، الطيب بنونة، فكتبوا للأمير الرسالة التالية:
“يا صاحب الفضيلة: إننا شباب من المغرب الأقصى (مراكش) من المشغوفين بحبكم وحب أبطال السلام أمثالكم، وإننا ممن يلهجون بذكركم وينصرون مبدأكم القويم.. وقد دفعنا شعورنا الديني وإحساسنا الوطني إلى تحرير هذه الأسطر لجنابكم، وما هي إلا دموع آلامنا على غربة الإسلام وعبرات أحزاننا على أقطارنا الإسلامية المهضومة الحقوق، ثم شكونا إليكم بما وصلنا أخيرا عن تصرفات الفرنسيين في بلادنا العزيزة، أخبار تفتت الأكباد، وظلم فاحش وأعمال تتنافى مع الإنسانية.
هل تعلم أن الفرنسيين قد بلغت بهم الوقاحة في مراكش لدرجة أنهم أجبروا سلطان البلاد على الاعتراف بأن قبائل البربر خارجة عن سلطنة المغرب، وأن علاقتها الآن مع فرنسا، وأصدر مرسوما ملكيا بذلك، ولم يقفوا عند هذا الحد من الجور والطغيان بل تعدوه لما هو أدهى وأمر، وذلك بأن منعوا إخواننا البرابرة من قراءة القرآن الكريم وعزلوا الحكام الشرعيين من مناصبهم، وغيروا الشرع الإسلامي بقوانين البربر الذي يرجع تاريخها للقرون الأولى، ومنعوا الدراسة باللغة العربية وعوضوها باللغة الفرنسية والبربرية.
وبعبارة صريحة أنهم يسعون في محو الإسلام من صدور قسم عظيم من الأمة الإسلامية، وبث تعاليمهم الفاسدة ودينهم المسيحي ليسهل عليهم تحقيق مطامحهم السياسية.
وقد قام الشباب وزعماؤهم في بلادنا بواجبهم إزاء هذا التصرف الشنيع، غير أن القوة الغاشمة زجت بهم في السجون، فالاضطرابات عامة والمغرب بحاجة لمن يأخذ بيده، وأملنا عظيم في عطفكم على هذه الأمة التي هي جزء من أمتكم الإسلامية، وذلك بإبلاغ مُصابها للعالم الإسلامي واستنهاض همم المسلمين للغيرة على دينهم.
وفي الختام.. تفضلوا بقبول احتراماتنا الفائقة والسلام”.
وقد أجاب الأمير شكيب أرسلان بالرسالة التالية:
“لوزان 17/11/1930
حضرة أولادنا الأعزاء سلالة الشرف الأنبل رجال المغرب في المستقبل البعثة المغربية بمدرسة النجاح الوطنية بنابلس، فتح الله عليهم وأقر بهم أعين هذه الأمة.
تناولتُ كتابكم وشكرتكم وكان ذلك بعد أن أجريت رحلتي للأندلس وطنجة وتطوان، وتشرفت بمحلكم العامر، وانعقدت أواصر الإخاء بيني وبين والدكم وعمكم الحاج عبد السلام بنونة، أمتع الله الإسلام بطول حياته، وكذلك بعد أن قمت بما يجب علي من مقاومة الكيد الخبيث الذي دبره الفرنسيس للإسلام بإخراج البرابر من ملة محمد عليه السلام، وذلك على وجه التدريج كما حصل بالأندلس، ولم أكن أنا إلا واحدا من أمة بدأت تستيقظ وتنهض، وسترى فرنسة أن هذه الحركة قد جددت قوى الإسلام ولم تضره، وإنما أضرت بها هي، وقد حان أن تعلم فرنسة أن الإسلام لم يمت وأن العرب متكافلون في الشرق والغرب، وأن المغاربة ليسوا بأحط من أهل أنام والتونكين، وأنهم لا يزالون فروعا لتلك الأصول العريقة التي ضربت الذل والمسكنة على فرنسة وجميع أوربة مئين من السنين.
فثقوا بالله وتوكلوا عليه، وبعد ذلك فاعتمدوا على أنفسكم، وسيروا إلى الأمان، وتجهزوا بكل علوم العصر الحديث، لكن على نور الإسلام الذي هو حبل الله لا يجوز لكم بغيره الاعتصام إن كنتم تريدون سعادة الدارين، وترقوا في المادة والمعنى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمكم شكيب أرسلان” (نضالنا القومي.. ص:337-338).