اَلْحُبُّ الْمَمْنُوعُ!
هوية بريس – صالح أيت خزانة
عملت أفلام العهر والمجون والابتذال الفني على تسويق صورة للحب حصرته في “مجاري” الارتباطات الجنساوية الرخيصة.
وصورته في علاقات ميكانيكية بهيمية تربط بين ذكر وأنثى، وتنزل بها إلى ما دون الحميمية الطبيعية، المبنية على المودة والاحترام المتبادل. لتحول الارتباط بينهما إلى مجرد تصريف لرغبة مكبوتة، تنتهي عندها كل أحاسيس الحب المتبادلة، ما قبل العلاقة إياها، إلى مجرد ذكريات “حب ممنوع”، تُقْتَحَم عقبته بجرأة، تنتهي إلى إحساس بذنب، يعقبه استقذار لذات الفعل (استقذار الدافع الجنسي على حد تعبير فرويد) بين الطرفين.
فلقد عمقت هذه التصويرات المبتذلة للعلاقات الحميمية بين الرجل والمرأة، من نظرتنا للحب كمعنى راقٍ في علاقاتنا الاجتماعية. حيث تحول هذا المعنى إلى مجرد “إثم” يمارسه من ينطق به. فعزَّ النطق به بين عامة الناس حتى ظننا أن كلمة:”أحبكَ/كِ”، من مبطلات الإيمان، وربما الإسلام، من كثرة ما ارتبطت في أذهاننا بمعانٍ يصرفها نُطَّاقُها إلى سلوكات حميمية ماجنة، كرستها أفلام المجون والعهارة، وحتى رومنسيات الشرق والغرب، التي يتأسس فيها الحب على الكذب، والنفاق،.. وعبر الأسِرَّة الخائنة؛ ينتهي إلى فضائح وجرائم تدق لها الطبول.
“حبٌّ” يبدأ لينتهي في خلال فترة اشتهاء طيني، لا يبني لحياة، ولا يؤسس لأسرة، ولا لبيت.. حبٌّ غاب عن أغلب علاقاتنا الأسرية، والاجتماعية. فما عاد الزوج يعبر عنه لزوجته، ولا الأب لأبنائه، فضلا عن بناته، ولا الأخ لإخوانه فضلا عن أخواته، ولا الصديق لأصدقائه،… خلا “الحب” الكاذب الذي فشا في الارتباطات غير الشرعية بين الشباب والشابات، والذي أبدعوا في ألفاظه البديلة حتى تحول إلى “إبداع” في “شعر” الغرام السوقي الذي استهوى العديد من مخرجي أفلام “تحت الحزام”، التي انتعش سوقها الرخيص، بفعل الإقبال المنقطع النظيرعلى مشاهدتها، من كل الفئات المجتمعية؛ الرافضة منها، والمؤيدة.
فليس غرضنا من هذه الإطلالة على رحاب الحب، حديثا فلسفيا يفر بالحب ومعانيه السامقة، إلى تجريدات ميتافيزيقية، ترتفع به عن واقع الطين والماء، هروبا من المواجهة المخجلة مع المعاني المبتذلة التي تروجها أفلام وأغاني الحب الطيني العاهر، ولكن غرضنا من هذه الالتفاتة هو اقتحام ذات المعنى الطيني المُحَرَّف برؤية شرعية للحب الذي يلبي احتياجا فيزيولوجيا، وعاطفيا، يجده كل رجل طبيعي إزاء امرأة طبيعية، والعكس.
ولعل من مظاهر الهروب من هذا الاقتحام المشروع، لجوء الكثير من العلماء والوعاظ وخطباء المساجد إلى حصر حديثهم عن الحب في معانيه الفلسفية والإشراقية والعقدية (حب الله، وحب الرسول، وحب الوالدين، والأبناء،…)، دون معناه الطيني المباشر الذي يؤسس للعلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة، وتلبيه العلاقة الحميمية(الجنسية) بينهما؛ خوفا من السقوط في هذا الابتذال الرخيص الذي صار إليه معنى الحب العاطفي، والذي كرسته أفلام المجون والعهارة.. رغم أن الإسلام لم ينكر هذا الحب، لكنه لم يَدَعْ مجاله مُشرَعا، على عواهنه، دون تأصيل. فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق فينا الغريزة الجنسية؛ فكيف يتجاهلها، حتى يكتشفها تجار الرقيق الأبيض ويتاجروا بها في أحط معانيها البهيمية، في حين ينكفئ “المتطهرون” عن الحديث حولها مخافة التهمة، والعار، رغم أنها من واجبات الوقت، التي تشغل بال العديد من الشباب، ويمنعهم الطابو – أو “الصابو” لا فرق !!- الذي طوقها “المتطهرون” به، أن يستفسروهم عن مكنوناتهم الحميمية؛ فيظل التصريف بهيميا، وتظل أفلام العهر والابتذال نماذج للاقتداء،…؟؟ !!!.
فلقد جاء المتحابون يستفسرون سيد ولد آدم –صلى الله عليه وسلم- عما يجدونه من رغبات جنسية، ويكابدونه من عشق وهيام؛ فلم يصدهم عنه، ولم يستنكر جرأتهم، بل ربت على أكتافهم، ودعا لهم، وأوصاهم بأفضل علاج لهذا الحب المُتْعِب؛ ألا وهو الزواج، لمن استطاع؛ فقال –صلى الله عليه وسلم-:”لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح” (رواه ابن ماجة وصححه الالباني)، وفي رواية أخرى:” ما رأيتُ للمتحابين خيراً من النكاح”.
إنه الإسلام الذي ظلمه الكثير من المنتسبين إليه؛ بسبب جهلهم، وتشددهم، وتطهرهم المنافق، وتورعهم المرائي.
إنه الإسلام الذي نظم العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة في حدودها الطبيعية، ولم يدع معتنقيه يكابدون هذا الاحتياج الطبيعي في صمت، ويصرفونه كما اتفق؛ بل أنصت إليهم، وقدر معاناتهم، وقدم لهم البديل الشافي. كما لم يطلق الحبل على الغارب للعلاقات العاطفية بين الرجال والنساء، بل قيدها إلى أقصى الحدود، وطوقها بأحكام، وشرائع، صونا لكرامة المرأة كما الرجل.
فحُقَّ لمن يحمل مشعل هذا الدين، ويتشرف بالدعوة إليه، أن يقتحم عقبة هذا “الطابو” ببدائل وأجوبة تمتح من قراءة جديدة للنص الشرعي، توازن بين مقتضيات النص الديني، ومتطلبات الواقع المعاصر.. أجوبة حقيقية لمحاربة ظواهر الابتذال الذي تعرفه العلاقات التي تتم خارج مؤسسة الزواج، والجرأة الزائدة، وغير المسبوقة، في تحدي مشاعر الناس، عبر عرض الأفلام الإباحية، والأغاني الماجنة، والرقص الخليع، واستعراض الممتلكات الجنسانية: مقترفات “فيمن” FEMEN))،.. باسم الحب دائما، والحب من ذلك براء !!.
نعم، لقد آن الأوان لعلمائنا، ووعاظنا، ودعاتنا، أن يقتحموا حرم هذا الميدان، ويشاركوا الحيارى المحبين همومهم، ويستكنهوا اهتماماتهم، ويستشعروا معاناتهم، ويستعيضوا عن أحكام الزجر والترويع والتخويف والوعيد،… بالموعظة الحسنة، والنصيحة المحببة، والابتسامة المشرقة،…تماما كما يرشدونهم في أمور الدين، وأحكام التدين والمعاملات؛ سواء بسواء !!.
دمتم على وطن.. !